استطاع الشعر الشعبي أو النبطي أن يثبت حضورا مشرقا وعميق المضمون في مؤازرته لضحايا الاضطهاد الإسرائيلي, ويجب أن لا يكون غريبا طرح هذا الموضوع لسبب ان هذا الشعر كان في ذروة التقدير عند الناس منذ أن تراجع انتشار الفصحى وتمكن شعراء عاميون من إكساب هذا الشعر جزالة الفصحى. الذي حدث فيما بعد هو أن هذا الشعر نزل من علياء التقدير إلى سفوح الابتذال برخص الاستجداء, ولم يكن المديح أو الهجاء كغرض فني وحده ما أدى إلى ذلك الابتذال ذلك ان الشعر العربي عرف في أوج مجده شعراء كبارا , مثل الفرزدق وجرير والأخطل ممن شغلوا الناس بالمديح أو الهجاء, ولم يقلل ذلك من قيمتهم الشعرية. أما بالنسبة للشعر النبطي أو الشعبي فإنه في ابتذاله لم يحافظ على قيمته الفنية التي بدأها شعراء عظام من أمثال الهزاني وابن سبي ل والعوني وابن شريم وابن لعبون, بل أصبح مضحكا ومثيرا للسخرية حين أخذ يتناول مفردات الأمس عندما كان السيف والرمح والحصان أدوات الفروسية عند الفرسان في عصر القنبلة والصاروخ واستجد ت فروسيات أخرى جديرة بالتقدير هي فروسيات الحنكة والذكاء والكرم, وفي بلادنا الكثير من هذه الفروسيات, لكن الشعر العامي لم يرتق إلى مستواها.. لقد نشرت "الرياض" منذ عشرة أيام تقريبا قصيدة بعنوان: "في حضن أبوه ويلتجي ما رحمتوه" لشاعر يدعى سعود المسعودي وهو مدرس فيما أظن وكانت قصيدته بليغة رائعة الملامسة لأبعاد الموضوع. بعد ذلك ومنذ بضعة أيام أتى شاعر اسمه (محمد بن عبدالله بن جلبان السبيعي) بقصيدة كان عنوانها (الشعر غيض وفيض) وقد استعاد بها جلال مواقف أبي تمام الرائعة ولو ان للشعر النبطي معلقات تخلده لطلبت ان تكون هذه القصيدة في مقدمة تلك المعلقات, فقد جمع الشاعر مع طول النفس براعة الأداء لمسرحة القصيدة بتوالي شواهد الأحداث التاريخية الطويلة دونما ملل ودل ل بذلك عن ثقافة متمكنة يملكها فارس شعر شعبي, ولم يكن مفرط الانفعال بل كان وهو يعتز بإسلامه وبلده يتدفق بموضوعية متعقلة.. عندما تمر بنا ظروف صعبة فإنها تكون معيارا لقياس أساليب الانفعال ..وهنا أستعيد من الذاكرة تلك القصيدة الطريفة والتي تناقلها الناس وكانت ساخرة سهلة الترديد لفرط طرافتها عندما أشارت إلى ألم كل منا في المملكة حين واجهنا عقوق الآخرين عندما غزا صدام دولة الكويت. لقد قال الشاعر في مستهل تلك القصيدة: "يا بوش خبرني أنا بأنشدك يا بوش ما أنته خواجه أشهد انك عتيبي"