لمن يرغب في تحسين الأداء وتطوير الإنجاز والثبات في ساحة البقاء والمنافسة عليه أن يستفيد من "الاقتداء بالأفضل" الذي هو أحد الركائز الهامة في علم الجودة وواحد من أهم وسائل حيويتها، ومعناه أن تقوم جهة معينة بدراسة عمل جهة أخرى ناجحة في مهمتها ومتميزة في مخرجاتها، وتحاول أن تسلك نفس مسارها رغبة في تحقيق نتائج مثلها، وينطبق هذا أيضا على الأفراد، وهي عملية مستمرة دؤوبة لاتتوقف ولاتتوانى، هدفها التطلع دائماً إلى الأحسن والأجود، وبطبيعة الحال فإن الجهة "الأفضل" تريد أن تظل محافظة على تقدمها وريادتها، وستسعى دوما على الحفاظ على جودة مهمتها ورقي نشاطها، وبهذا يمضي التنافس متقداً ومستعراً. ينتج عن ذلك أن مبدأ الاقتداء بالأفضل يرمي إلى إيجاد التنافس بين القطاعات المختلفة بغرض ديمومة تحسين المنتج أو الخدمة لصالح كل الأطراف، ونظرا لأهمية هذه الطريقة في أنظمة إدارة الجودة الشاملة فإن بعض الجهات والمؤسسات قامت بإنشاء كيان خاص بها تكون وظيفته رصد أسباب النقص والقصور لديه ثم يبحث عن الأمثل في نطاق نفس تخصصه، ويبدأ في دراسة عوامل النجاح لدى ذلك الطرف ليقوم بتطبيقها في مؤسسته أملًا في الوصول إلى نفس النتائج. ولقد شجع الدين الحنيف كل أنواع الاقتداء المثمر والبناء، جاء في الذكر الحكيم بعد أن ورد خبر مكانة الأبرار في جنات النعيم: "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَاَفِسُونَ" (المطففين:26) ويقول عز من قائل: "أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُون" (المؤمنون:61)، لكنه في الوقت نفسه وضع ضوابط وجوامح للتنافسِ والتسابق بحيث يجعله دائما إلى الأحسن والأفضل، ممّا ينتج عنه النفع وتترتب عليه الفائدة، لا ما يتمخّض عنه من أذى أو ضرر، أو ما يتولّد عنه من غبن وفحش، أيْ أنّ الاقتداء بالأمثل له حدود وموانع، فلا يسعى المرء مثلا إلى الاقتداء بظالم أو فاسق، أو تتنافس مؤسسة على إنتاج ما يضر ويؤذي. ومجمل القول فإن الاقتداء بالأفضل مبدأ إسلامي رفيع، وركن أساسي في منظومة الجودة، وهو عمل لا يصاحبه الكلل ولا الملل، ومجاله كل نشاط مشروع مع التقيد بالأخلاقيات والأدبيات، ولا بد من جني المكاسب من ورائه بما يعود بالخير والرفاهية والرضا على كافة الأطراف.