هل تمثل الجوائز الأدبية معيارا حقيقيا لجودة الأعمال الفائزة؟ هل هو فوز مادي للأديب أم أنه لا يكترث إلا بالفوز المعنوي؟ وما الدور الذي تلعبه لجان التحكيم في هذه المسابقات في اكتشاف قيمة الأديب، وهل تخضع لمعايير أدبية ثابتة أم لأمزجتهم الخاصة ومزاج الجهة المؤسسة للجائزة؟، حول هذه الأمور تحدّث لنا عدد من الأدباء السعودين الذين راقبوا عمل هذه المسابقات والجوائز أو شاركوا فيها. بخار الشهرة في البدء يقول الشاعر مفرح الشقيقي عن تمثيل الجوائز لمستوى إبداعي عال: ليس دائماً، لكن في كثير منها وخاصة تلك التي تتبع مؤسسة ثقافية موثوقة، على أننا يجب أن نؤمن باختلاف رؤى المحكمين ومناهج تعاطيهم مع العمل الإبداعي، كما يجب في الحين ذاته أن نتيقّن من جودة معايير الجائزة. وعما إذا كانت الجوائز تسهم في تحقيق التنافس بين الأدباء، يقول: لا نستطيع أن نجزم بهذا الأمر، لكن الجوائز ذات الشأن الجماهيري الطاغي استطاعت أن تخلق اهتماماً مغايراً لدى الأديب، كما استطاعت أن تبذر شيئاً من قلق الجودة خاصة لدى أولئك الذين ينوون المشاركة، جائزة (البوكر) أنموذجاً. وعن تحقيقها وهجا وحضورا للأديب، يختم الشقيقي قائلا: إذا أردنا أن نتحدث بصراحة نقول: إنها خلقت للأديب نوافذ مهمة على مستوى الحضور في المشهد، واختصرت له كثيراً من طريق الوصول ومصافحة الجمهور وحضور منتجه الإبداعي وهذا حقه. ولكن، في النهاية لن يبقى إلا ضوء الإبداع وعداه سيتبخر. فوز معنوي ويرى القاص ناصر الحسن أن من يريد الفوز بالجوائز لن يراهن على بضاعة مزجاة، بل سيدخل بكل ثقله، ويدفع بأفضل ما عنده، لن تهمه المكاسب المادية بقدر ما تهمه المكاسب المعنوية. وعن تنافس الأدباء على الجوائز يضيف: أما الجوائز الأدبية فهي تعتمد على مزاج مؤسس الجائزة، حتى لجنة التحكيم تخضع لأجندته بالدرجة الأولى، وعلى ذوقها بالدرجة الثانية، ولا مصالحة أو مصادمة في مسألة الذوق، فما يعجب اللجنة ليس بالضرورة أن يعجبني! ويضيف: بل أسهمت في إظهار الاحقاد، فعندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب ثار عليه البعض، وتملق إليه آخرون! وهنا ليس ببعيد حين أخذ جائزة البوكر اثنان من مصر على التوالي، ثار عليها بعض أدباء الخليج، وفي الدورة التي تليها حين حصل عليها عبده خال، أيضا لم يرضَ عنها بعض الأدباء في الخليج وغيرهم! فالخاسر حين يقرأ الأعمال التي فازت يشعر بالغبن، ويظن أن عمله أفضل ويستحق تلك الرتبة! لذلك يفتعل بعضهم ضجة، كي يلفت الأنظار إلى عمله، وكيلا أكون متشائما أقول تلك الجوائز ساهمت في الحراك الأدبي في وطننا العربي، وأتمنى أن تكون في ازدياد. فمهما كان الإنسان متابعا للحراك الأدبي في بلده الأم على الأقل فلن يحيط بكل الأسماء، فما بالك ببقية العالم؟ كل مسابقة أدبية تستهدف شرائح معينة، وتبحث عن نصوص وفق ذائقة محكميها، ومن هنا قد نلتقى نحن الشعراء مع رؤاهم فنفوز، وقد نأتي بكتابة مختلفة فنستبعد، أما بالنسبة لمعياريتها للجودة فهذا يختلف من مسابقة إلى أخرى أجواء ملائمة ويقول القاص براك البلوي: باعتقادي لا تمثل الجوائز الأدبية معيارا حقيقيا لجودة الأعمال الفائزة، كونها وجهة نظر من لجنة التحكيم التي تعنى بالجائزة، وقد يكون هناك أعمال أخرى لم تتقدم للمسابقة المطروحة لذلك ليست معيارا حقيقيا لجودة الأعمال. ويضيف: هناك أمثلة كثيرة في الساحة الأدبية دون تحديد أسماء معينة، والجوائز الأدبية تسهم في تحقيق التنافس بين الأدباء، وبالتالي ضخ المزيد من النتاج الأدبي، مما يصنع أجواء ملائمة لنشر الأدب بكافة أشكاله وبشكل نوعي. ويختم البلوي بالقول: الجوائز الأدبية تحقق وهجا وحضورا ودافعا قوياً للأديب في دفع المزيد من الأعمال الأدبية للساحة، ومحرضا له على تفجير الطاقات الأدبية الكامنة لديه وتقديمها للمؤسسات الأدبية الراعية، مما ينتج عنه حراك أدبي وأجواء ملائمة لنشر الأدب بكافة أشكاله. فعل السِّحر أما الشاعر حسن الربيح بالرغم من أنه حائز على عدد من الجوائز السعودية والخليجية فيقول: لا يوجد للإبداع معيار محدَّد ومحدِّد، إنَّه استجابة لخلجات النَّفس، وهمسات الإحساس، وهذه الخلجات والهمسات لا يمكن وضع مقياس خارجيّ لمعرفة مداها، وإعطائها قيمة معيّنة، قابلة للمفاضلة النهائيَّة مع تدفُّقات وجدانيَّة أخرى. ويضيف: الإبداع ما يُشعِر المتلقِّي بالمتعة الجماليَّة، وهذه المتعة تختلف درجاتها (اللا محسوسة) بين المتلقِّين بحسب ثقافتهم، لذا من الصَّعب جدًّا وضع مفاضلة بين إبداع وآخر. ويؤكّد: هذا هو الإبداع سفرٌ دائم ودربٌ يطول، من هنا تواجه المسابقات الأدبية سؤالًا صعبًا، وهو كيف يستوعب الثَّابت روحًا لا تعرف القرار والانطفاء؟! في الإبداع تجد تمرُّدًا على معايير معينة، ومع ذلك يسحرك بعمله، وتجد أيضًا في موضع آخر التزاما بمعايير معيّنة، ومع ذلك تشعر بالسِّحر. إذن ما المعيار؟. إضف إلى ذلك أن ثقافة المبدع ووعيه تخلق له توجُّهًا معيّنًا في مجرى النَّصِّ، وهنا يواجه النَّصُّ في الطرف المقابل تلك المعايير التي تطبِّقها لجنة من المُحكِّمين لهم توجُّهاتهم، التي قد تؤثر على الحكم إيديولوجيًّا، وليس موضوعيًّا. ويختم: بعد كل هذا أستطيع القول بأنَّ الجوائز تمثِّل حافزًا للأعمال الأدبية، وليس معيارًا لها، فهي لا تحقِّق تنافسًا حقيقيًّا بين الأدباء، إلا أن يكون هذا التنافس لصالح الوهج الإعلامي. مفاجأة النتائج ويرى الشاعر ياسر آل غريب أن كل مسابقة أدبية تستهدف شرائح معينة، وتبحث عن نصوص وفق ذائقة محكميها، ومن هنا قد نلتقى نحن الشعراء مع رؤاهم فنفوز، وقد نأتي بكتابة مختلفة فنستبعد، أما بالنسبة لمعياريتها للجودة فهذا يختلف من مسابقة إلى أخرى، فمن خلال تجربتي مع المسابقات رأيت أنه بعد كل نتيجة لمسابقة أدبية تتباين الرؤى، وبالطبع لن نستطيع أرضاء كل الأطراف المشاركة، فالنص الجيد ليس كل شيء في مثل هذه الفعاليات، فغالبا ما تكون المسابقات مفاجآت، وما أكثر صدماتها!! ويضيف: لا نستطيع إنكار دور المسابقات الأدبية فقد حققت قيمة التنافس بين الأدباء، وشجعت الكثيرين لدخول هذا المجال المحفوف بالألق والأرق، ولو نظرنا المشهد الأدبي الآن في العالم العربي نجده يدين كثيراً لمثل هذه المسابقات. ويختم الغريب قائلا: لهذه الفعاليات التنافسية وجهان أولهما يكمن في قيمة الجائزة المادي، وثانيها هو الجانب المعنوي الأكثر تأثيرا من وجهة نظري فهو لا يتلاشى ولا يجف. الحاجة للظهور ويؤكد القاص خالد الصامطي أنّ حصول عمل ما على جائزة أو عدم حصوله لا يعني سوى أن مجموعة من الحكام، ذوي ذائقات وقائمة معايير مختلفة أو متشابهة، قرروا أن هذا العمل جيد ضمن قائمة الأعمال الموجودة لديهم للترشيح. فربما تكون القائمة جميعها ليست بتلك الجودة والإتقان وأن اختيارهم تم على أساس:»أفضل الموجود!». ويضيف: كما أن هنالك احتمالا أن تكون معايير الحكام مبنية على أسس غير فنية، أو أنها أسس موجهة إلى مدرسة وطريقة أدبية واحدة. المهم قوله، صحيح أن هنالك الكثير من الأعمال الفائزة بجوائز أدبية تكون ذات جودة عالية، ولكن تبقى الجائزة قرار بضعة أشخاص، وما يعجبني وأرشحه لنيل جائزة، قد لا تعترف فيه أنت أبدًا. ويختم الصامطي مشددا على «حاجتنا كجنس بشري باختلاف طرائقنا ونبل أهدافنا أو وضاعتها، إلى الظهور والحصول على رضا وإعجاب أكبر شريحة من الناس. ينتج عن هذا التنافس ارتقاء واختلاف وإبداع. المسألة إنسانية بحتة، إنها خصلة في مركب جيني، يحملها كلّ إنسان طبيعي، ما يختلف هو درجتها وقوة تسييرها لتصرفات الفرد. أمير الشعراء ويرى الشاعر وأستاذ الأدب بجامعة الملك فيصل يونس البدر أن الجوائز والمسابقات يمكن أن تكون معيارا لازدهار الحركة الأدبية وتطورها، ولكن لا يمكن أن نحكم من خلالها على جودة الأعمال المقدمة، لأن جودة العمل الأدبي خاضعة لمعايير نقدية يمارسها المختص. ويضيف: أما النصوص المشاركة في مسابقة أدبية فقد تكون محدودة، ومن أدباء محدودين، وبالتالي ستفرض هذه النصوص على المحكمين أن يختاروا الأفضل من بينها على ما فيه من علات، من باب تقديم أفضل السيئين. ناهيك عما يحصل أحيانا من تصويت برسائل «الاس ام اس» التي قد تباع وتشترى، وبهذا قد تقدم نتائج هذه المسابقات وهجا زائفا لأديب غير مستحق، ومع هذه الإشكالية الكبيرة إلا أن هذه المسابقات تقدم وهجا كبيرا للحراك الأدبي، وتغني الساحة الثقافية، وتسهم في فتح آفاق للمنافسة بين الشعراء والكتاب، وتفسح لهم الفرصة للالتقاء على طاولة الأدب من شرق العالم العربي إلى غربه. غثاء مكتظّ ويرى الشاعر ناجي حرابه الذي شارك وفاز في عدد من المسابقات أنها لا تمثل معيارا للجودة «بيد أنها تنادي المبدعين لقطف ثمارها، فهم أحق وأولى بها من الغثاء الذي يكتظ به المشهد في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. ويضيف: كثيرٌ من الأدباء المبدعين في الوطن العربي نحتت أسماؤهم في الذاكرة، وكان الفضل في ذلك للجوائز التي كانت وسيلة مثلى للاطلاع على تجاربهم المميزة، وبالتالي تسهم في تحريك مياه الأدب العربي عبر تلاقح التجارب، لذا حريٌّ بالأدباء المبدعين ألا يترهبنوا وأن ينزلوا من برجهم العاجي، وأن تدفعهم غيرتهم على الأدب إلى إعادة الجوائز الأدبية إلى أحضان أصحابها، فالجوائز من سلالة المبدعين. ويختم: ليس الوهج الإعلامي غاية للمبدع، فإن كان كذلك فليعد حساباته، فللمتشاعرين من الحضور الإعلامي ما ليس للشعراء.