بعد أن بدأنا في مناقشة أعمال لجنة الاحتراف الأسبوع الماضي, نتجه هذا الأسبوع للجنة من أهم لجان الاتحاد السعودي لكرة القدم, حيث كسبت أهميتها من اسمها (لجنة الانضباط), ولكن لجنة الانضباط من خلال المواسم السابقة يؤكد جل المتابعين أنها كانت تحتاج للانضباط, حيث يرى بعض المنتقدين لها أنها لم تكن وفق ما يتمناه المجتمع الرياضي. نحن في (الجزيرة) وبما أن تشكيل اللجنة صدر هذا الأسبوع برئاسة الدكتور إبراهيم الربيش وعضوية كل من أحمد التويجري وناصر الحمدان ومحمد القحطاني, اتجهنا لبعض الرياضيين لأخذ انطباعهم عن اللجنة. البداية كانت مع عدنان المعيبد المتحدث باسم الاتحاد السعودي لكرة القدم، الذي أكد أن التأخر في إعلان أسماء اللجان القضائية كان لأسباب عدة, وقال: لم يكن هناك تأخير في معنى التأخير لأن أعضاء اللجان القضائية السابقين استمروا في عملهم حتى تشكيل اللجان, ونحن سبق أن ذكرنا في اجتماعنا قبل شهرين أننا سنسعى في مخاطبة الجهات الرسمية مثل هيئة الخبراء في مجلس الوزراء والجامعات وهيئة التحقيق والادعاء العام, لترشيح مرشحين ذوي خبرة في مجال القانون وأن يكون له علاقة بالرياضة ولو من بعيد, وبالتالي ترشيحات تعتمد على مثل هذه الشروط كانت تحتاج إلى وقت طويل, فالقضية ليست أن نأتي بشخص متخصص ولديه خبرة فقط, ولكن لا بد أن نرى خبراته ومشاركاته واللجان التي عمل بها, وفي النهاية وصلنا لعدد جيد من الأسماء المرشحة للجان القضائية وعرضت على أعضاء الاتحاد في الاجتماع الأخير, وتم اتخاذ قرار تشكيل اللجان القضائية بفلسفة معينة, حيث كان مبدأ التغيير والكفاءة والخبرة موجودة لدينا. وأضاف: على مستوى لجنة الانضباط نجد الكفاءة والخبرة العالية, والخبرة في مجال العمل نفسه, فمثلا الدكتور إبراهيم الربيش من الكفاءات العالية ولديه خبرات كبيرة جداً, والسيرة الذاتية عالية جداً، وبالتالي تم ترشيحه كرئيس للجنة, أيضاً أحمد التويجري لديه خبرة طويلة في مجال الانضباط, وكان من الأفضل تواجده, أيضاً الأخ ناصر الحمدان وهو حكم وخبير وله مشاركات في لجان آسيوية وعربية, ولعل مشاكل لجان الانضباط عادة ما تكون تجاوزات على الحكام أو في قانون اللعبة, وبالتالي وجود الحكم مهم لأن جزءًا من عمل لجنة الانضباط يعود إلى تقارير لجنة الحكام. وعن سبب اختيار الدكتور الربيش «تحديدا» كرئيس للجنة الانضباط, قال: «كان لدينا عدة أسماء مطروحة ولكن تم قبول الأسماء التي اختيرت لأننا نرى أنهم الأنسب لقيادة هذه اللجان, أما بقية الأسماء فبدون شك أن مؤهلاتهم عالية جداً, ولكن رأينا أن هذه التركيبة هي الأفضل, خاصة أنه لا يمكن أن نعتمد على كل الأعضاء، وهم بتخصص واحد, وكان لابد أن يكون هناك خبرات متنوعة, وهذا أحد معايير اختيار الأعضاء. وعن مدى استقلال لجنة الانضباط, قال: اللجان القضائية لجان تتبع اتحاد القدم ولكنها مستقلة تماماً في اتخاذ القرار, ومستقلة في مداولاتها وفي قراراتها وفي نتائج عملها, وأقولها بصريح العبارة اللجان القضائية مستقلة استقلال كامل, ولا يوجد عليها أي وصاية من أي طرف. وأوضح المعيبد أنهم يتطلعون من لجنة الانضباط إلى تحسين المنظومة ككل, وقال: لوائح الانضباط تحتاج لمشاركة الأندية, خاصة أن اللوائح تحتاج إلى تنقيح وأعتقد أن الإخوان بدأوا في هذا الموضوع بشكل جدي». وتطرق المعيبد لآلية وصول الشكاوي للجنة الانضباط وتعاطي اللجنة معها, وقال: «هذه أمور مهمة ويجب أن تكون واضحة للرأي العام, فمن خلال تجارب سابقة كانت اللجنة تتخذ قراراتها بناء على ما لا يشاهده حكم المباراة في أرض الملعب, وهذا لا يكفي, فلا بد أن تكون هناك أساليب لإيصال المعلومة وكل ما يحصل للجنة الانضباط من خلال أدوات واضحة للرأي العام, وأعتقد بأن الإخوان في اللجنة يعون أهمية هذه المعايير وما هي الأدوات التي يجب أن تكون موجودة, وما هي الطريقة الأنسب للتقاضي أمام اللجنة, وكيفية رفع الشكوى للجنة الانضباط, وآلية الاجتماعات واتخذ القرارات, كل تلك الأمور مهمة. من جهته أكد المهندس طارق التويجري رئيس لجنة التراخيص برابطة دوري المحترفين السعودي أن الأسماء التي تم اختيارها للجنة الانضباط أسماء قديرة وجديرة بثقة المسؤولين الرياضيين على حد سواء, وقال: يجب أن نلفت الانتباه إلى أن الاتحاد السعودي لكرة القدم لم تكن مشكلته في الأعوام المنصرمة عدم جود الأسماء ذات الكفاءة إنما كانت مشكلته الأساسية في أمرين, الأول عدم وجود آلية محكمة توظف هذه الأسماء بشكل جيد وهادف, وعدم مبادرة هذه الأسماء كفريق واحد على إيجاد أفضل صيغة عمل وفق المعطيات والمتاح يمكن لها أن تعمل داخل لجنتها أو مع الجهات ذات العلاقة. ووجه التويجري الدعوة لأعضاء لجنة الانضباط للنظر في التجارب السابقة, وقال: أدعو أعضاء لجنة الانضباط إلى الاستفادة والنظر في تجارب من سبقهم وما كانت حقيقة المشكلات التي تواجههم مع الاتحاد السعودي نفسه أو مع الأندية أو الرأي العام, وأدعوهم إلى تحليل تلك التجارب كونها تتكرر مرارا. واسترسل التويجري: أيضا أدعوهم إلى دراسة اللائحة التي بين يديهم بعناية فائقة قبل وقوع أي حادثة تجعلهم إجبارا يعودون إليها, وأدعوهم إلى إيجاد آلية لعملهم كون الأحداث الرياضية ربما تتوالى فيسقطهم ذلك في تباين قراراتهم بنظر العموم حين تصدر قراراتهم بحق بعض المباريات واللقطات, وبعضها الآخر يمر مرور الكرام, وأدعوهم إلى حسم آلية محددة وواضحة تفصل ما لحكم المباراة من قرارات وما لهم من قرارات كجهة انضباطية, وأدعوهم في الأخير بالتعب والتحمل والتركيز في البدايات حتى يرتاحوا -إن شاء الله- في بقية مشوارهم». من جانبه, اعتبر خالد أبو راشد المحامي والقانوني المعروف أن التقييم لأعضاء لجنة الانضباط سابق لأوانه, وقال: نتمنى لهم التوفيق النجاح, وهذا هو هدفنا وهدف جميع الرياضيين. وأشار أبو راشد إلى أن لجنة الانضباط من أهم لجان اتحاد القدم, وقال: لجنة الانضباط اسم على مسمى, ودورها في مسماها, وذلك في تحقيق الانضباط للمنتمين للوسط الرياضي, والمتجاوز والمخالف تطبق عليه أنظمتها, وهذا ما نتمنى تطبيقه من قبل اللجنة. وشدد أبو راشد على أن لجنة الانضباط لا يمكن لها أن تتدخل في مخالفة أصدر فيها الحكم عقوبة ما لم تكن المخالفة انضباطية, وقال: بالإمكان أن يعاقب الحكم في الجانب الفني واللجنة تعاقب في الجانب الانضباطي. وعن أبرز سلبيات اللجنة خلال المواسم السابقة, قال: «سلبيات اللجان السابقة كثيرة جداً, ولعل الأمثلة لا حصر لها, ولكن صياغة القرارات كانت ضعيفة ويوجد فيها أخطاء قانونية بدائية, أيضاً كان هناك أخطاء في تطبيق اللوائح والأنظمة, وكان هناك ازدواجية في عضويات بعض الأعضاء, وهذه تعتبر مخالفة». وتابع: لجنة الانضباط واللجان القضائية عامة في السنوات السابقة، ومن خلال وجهة نظري كانت سببا من الأسباب المهمة في احتقان الوسط الرياضي, وكلنا شاهدنا الكثير من القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً واحتقاناً كبيراً في الوسط الرياضي, سواء كانت القضايا تخص أندية أو مسؤولين, وما يثبت كلامي هو إقالة بعض الأعضاء. من جهة أخرى، بارك المستشار القانوني فيصل الخريجي عضو لجنة الانضباط بالاتحاد الآسيوي لكرة القدم سابقاً لزملائه أعضاء لجنة الانضباط الجدد باتحاد القدم السعودي, وقدم لهم خلاصة تجربته السابقة في القضاء الرياضي, حيث قال: لا يخفى على زملائي الأكارم أن القانون الرياضي يندرج تحت قسم القانون الخاص, والقانون الخاص في أساسه عبارة عن انقداح لفكر وإبداع الإنسان في تعاملاته وممارسته الخاصة والبينية بين الأفراد. وأضاف الخريجي: «لا يخفى أن القانون من علوم الاجتماع القائم في الأساس على المنطق الإنساني السليم والسوي الهادف إلى تحقيق العدالة وضمان استقرار وديمومة حياة المجتمع، ولكن تلك المرجعية والأساس المجتمعي والإنساني سوّل للكثيرين في المجتمعات البدائية من المتطفلين التجرؤ على الفتى والتفنن في تدمير الفهم القانوني السليم, باعتبار أنه علم منطق في الأساس, بعيداً عن أهل الدراية والاختصاص وعن القواعد العامة والمبادئ العدلية والحقوقية المستقرة منذ آلاف السنين, فعلى سبيل المثال عندما تُقدم مصلحة الجماعة على مصلحة فرد يأتيك تاجر في نشاط ما ويتهمك بالجهل والظلم وعدم الفهم لأنه لم يستفد من القاعدة العامة التي تقدم مصلحة المجتمع على الفرد. واسترسل الخريجي: كما أنه من الأمور المزعجة في عالمنا العربي هو تدخل غير المختص في قراءة النص بأسلوب المتطفلين على القانون.. والقانون ليس نصاً فقط، بل هو مجموعة نصوص يعاضد ويعزز بعضها البعض, وأهداف مشرعة يستنبطها أولو العلم والدراية, ومبادئ وقواعد عامة مستقرة في وجدان وضمير الإنسانية مثل مبادئ الحياد والنزاهة والشفافية والبعد عن تعارض المصالح, فهذه أمور معلومة بالضرورة ولا حاجة لتدوينها. وأضاف: يوجد نص يتيح للجنة الانضباط صلاحية تصحيح خطأ الحكم, فيأتي شخص لم يطلع يوماً على لائحة أو نظام ويفتي بأن المراد من هذا التصحيح هو تعديل قرارات الحكم, وهذا فهم قاصر نتاجه عدم إدراك لطبيعة اللعبة والحدود التي يحب أن يقف عندها القانوني, حيث إن المقصود تعديل أخطاء الحكم التي لا تندرج ضمن سلطته التقديرية, فمثلاً عندما يشهر الحكم البطاقة الحمراء على اللاعب رقم (9) بينما أن اللاعب الذي ارتكب المخالفة هو اللاعب رقم (7) هنا تتدخل لجنة الانضباط لتصحيح القرار الخاطئ, لهذا فإن القراءات المتطفلة على النص القانوني من غير أولي الدراية والعلم والفقه بالقانون كانت لها آثار سلبية يطول شرحها». وتابع الخريجي حديثه: تعلمون أن القانون الرياضي حديث عهد في المنطقة العربية في المجمل, ولكنه في الحقيقة شاخ واتضحت معالمه في أوروبا ونضج في مدة تزيد على 250 عاما, وهذا ما يفسر عدم قدرة معظم دول العالم العربي على فهم واستيعاب قوانين الفيفا, حيث يتضح ذلك جلياً في مجموع الإيقافات وتعليق العضويات الذي حصل -على سبيل المثال- في الكويت وعمان ومصر, كما يتضح من خلال الرفض الجماعي للوسط الرياضي البدائي في بعض دول العالم العربي, حيث يعتبر القانون الرياضي - الذي يبذل الاتحاد الدولي جهوداً جبارة لنشره في الاتحادات الرياضية - من أكثر القوانين دقةً ورقياً, فمجموع القوانين الرياضية بدأ من النظام الأساسي (الدستور) ولائحة الانضباط ومجموع اللوائح الرياضية الأخرى تعتبر بحق تشريعات تنظم دولة بسلطاتها الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية, يتم إسقاطها على اتحاد الكرة, لذلك عز على المجتمعات الرياضية غير المطلعة فهمها واستيعابها أو حتى تقبلها». وأشار الخريجي إلى أن البعض في الوسط الرياضي السعودي بالإضافة إلى السبب العام الذي ذكره آنفاً يرفض تقبل القوانين الرياضية الحديثة لسببين إضافيين خاصين, وقال: «السبب الأول طبيعة الرفض المتجذرة في المجتمع السعودي لكل جديد والتصدي له, كتصدي الكثيرين لنظام ساهر المروري وكاميراته بالتحطيم وقتل حتى العاملين عليه, ولقد اطلعنا وسمعنا عن هذه الأحداث في وسائل الإعلام المختلفة. السبب الثاني هو البعد التاريخي الذي يتمحور حول شخصية مؤسس الرياضة السعودية وباني نهضتها الحديثة الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله تعالى- حيث كان -رحمه الله- مؤسساً وأميراً بمرتبة ملك خاض مرحلة التأسيس بكل جدارة، وكما تعلمون فإن لمراحل التأسيس أحكامها الخاصة, فكان رحمه الله المرجع لكافة الأعمال الرياضية, ومنذ وفاته والاتحاد السعودي لم يستطع أن ينتقل من مرحلة القائد الأوحد - التي انتهى زمنها - إلى مرحلة العمل الجماعي والمؤسساتي بسبب التشبث بفكرة الرمز الذي يدير كل شيء في المنظومة, فكان من نتاج هذا التشبث رفض كل ما هو جديد أو ما ينتجه هذا الجديد من استقلال للجان وعملها وفق النظام واللوائح بعيداً عن القرارات الفردية». وأضاف: «أيضا من الأمور التي لم يستطع المجتمع الرياضي العربي تفهمها واستيعابها هو لماذا تختلف العقوبات على الرغم من مطابقة أو مماثلة المخالفة؟! والسبب بسيط وهو أن المخالفة قد تكون مطابقة تماما ولكن هناك اعتبارات وحيثيات ومعطيات ومسوغات للتشديد أو التخفيف محيطة بالمخافة؛ فعلى سبيل المثال مخالفتين متطابقتين تماما لكن في إحداهما تكراراً لذات المخالفة، أي مسألة العود والتشديد متوافرة في إحدى الحالتين على الرغم من المماثلة, أو لأن الضرب كان في منطقة شديدة الحساسية والخطورة على حياة وسلامة وصحة اللعب منها في منطقة أخرى على الرغم من تساوي درجة العنف المستخدمة في المخالفة, كما أن سجل اللاعب وسمعته النظيفة تؤثر في تقدير اللجنة في حدود المتاح قانوناً, كما أن الكثير يغيب عن ذهنهم أن اللجنة تنظر للمخالفة بسلطتها التقديرية المتاحة لها في حدود اللائحة مع حرصها على معقولية المساواة والعدالة، مع الأخذ بمعطيات التشديد والتخفيف المحيطة بالمخالفة.