«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حضن أمي أشم رائحتي وأهرب من حماقاتي بالضحك
أمين صالح الرجل الخفي الذي قبل بما وهبت الحياة له:
نشر في الرياض يوم 13 - 06 - 2013


لذة النص
* الشعر هو ممارسة حياتية قبل أن يكون نصا باذخ العذوبة والجنون.. هل يعيش أمين صالح هذه الحياة الشعرية؟ أم أنه يهرب من سطوة الواقع إلى جنون الشعر والكتابة حيث الأحلام والطفولة والقفز؟
- حياتنا اليومية تخلو من الشعر. في الواقع هي طاردة لهذا الشعر.
إنها تقتات من الرتابة، التكرار، الابتذال، العادية. قد تشهد شيئاً من المجازفة، شيئاً من الإثارة، وربما الكثير من الصراعات، غير أن كل هذا يقع خارج نطاق الشعرية.
يمكن إيجاد الشعر، أو اكتشافه، في الأماكن أو الأشياء البعيدة عنا، في ما وراء متناول اليد، في الخارق والمعجز، في الأشكال الفنية والأدبية، في الحلم والمخيلة والذاكرة. لكننا لا نعيش الشعر. لو كنا نتنفس الشعر كما الهواء، لو كانت تجاربنا اليومية ممتزجة بالشعر، لأصبحت حياتنا أرقى وأنبل، لأمست أكثر إشراقاً، أكثر إنسانية.
النقد فعل حب.. وأخطائي لا تحصى ولكننا نكبر بها وعليها
شخصياً لا أميل إلى الكتابة عن تجربة عشتها. قد يحلو لعدد من الكتاب أن يستحضروا تجربة عاشوها، تجربة السجن مثلاً، متذكرين كل التفاصيل الدقيقة، كل ما أحاط بالفعل من علاقات وصراعات وتداعيات، ويقومون بتكرار التجربة حرفياً، بإعادة تمثيل ما حدث، لكن على الورق.
النص هنا يصبح صدى، ترديداً لحدث سابق.. قد يكون له قيمة توثيقية، تعليمية. لكن القيمة الإبداعية مشكوك فيها، إلا إذا تم توظيف تلك التجربة ضمن نسيج فني تكون هي محركة أو قوة دافعة ومحفزة لرؤية تنطلق منها. أما التوظيف الحرفي والتوثيقي فيبقى خارج حدود الإبداع، ليدخل ضمن نطاق التقرير.
أميل إلى كتابة تجربة لم أعشها، لم تعشها شخصياتي. تجربة متخيلة لكن ليست منفصلة عن الواقع بل متجذرة فيه. آنذاك أكون أكثر حرية. غير مقيّد بالتفاصيل (تفاصيل ما حدث) والمعطيات والمبررات ومنطق الواقع. أكون أكثر اقتراباً من الشعر، من عوالم الحلم والتخيل. إن لذّة النص، بالنسبة لي، تكمن في حرية السفر عبر عوالم مجهولة، وغير مكتشفة.
مع المقلة يصور مسلسلاً
النقد الموجع
* ليس ثمة قراءة واحدة للنص.. النص الجيد يصمد ويحتل مكانة بارزة حتى لو قلل النقد الحالي من قيمته.. هكذا يوما قلت.. هل يوجعك النقد القاسي؟ وماذا عن «أمين صالح» هل وضعت أصبعك يوما في صدره وقلت له «لقد أخطأت؟ ومتى حدث ذلك؟
- لا اعتراض لدي على قسوة النقد، رغم أنه موجع حقاً. من وظائف الناقد أن يحلل النص ويكشف إيجابياته وسلبياته. القسوة تكون مقبولة ومبرّرة إن شفّت عن حب واحترام ورغبة صادقة في الكشف عن نقاط الضعف بدافع التجاوز والتطوير. لكنها تكون مرفوضة إذا صدرت عن كراهية أو ضغينة، وعن رغبة شريرة في تدمير عملك وإذلالك.
قلت في أكثر من موضع، ان النقد فعل حب، أو هكذا ينبغي أن يكون. ما جدوى أن يتحمّل الناقد عناء الكتابة عن عمل يكرهه أو لا ينسجم معه؟ إنها مضيعة وقت لكل الأطراف. لم لا يتجاهله ويوفر على نفسه حالات التوتر والغيظ والمزاج السيئ.. يوفر الطاقة على الأقل. أليس من الأجدى والأكثر أهمية أن يوجّه هذه الطاقة في نقد عمل يحبه حتى لو أبدى رأيه بقسوة وصرامة.. فالحب لا يعني التساهل والمجاملة والتملق والمهادنة.
أحسد الظرفاء القادرين على إضحاكنا بمجرد إيماءة أو إشارة
عن أخطائي؟ آه، لا تحصى.. ويسهل اكتشافها. لقد كتبت أعمالاً للتلفزيون ندمت لأنني كتبتها بعد أن شاهدتها منفّذة على الشاشة. لكن الأخطاء ضرورية جداً، منها نتعلم. نحن نكبر على الأخطاء. إنها تصقلنا وتشذّب نصوصنا.
في ما يتعلق بكتاباتي، أجزم أني أكثر قسوة على نفسي، أكثر صرامة وشراسة، من أي ناقد. هذا لا يعني أني لا أحتاج الناقد. لكن النقاد أنفسهم، أو غالبيتهم، لم يعودوا يكترثون بالنصوص ولا حتى بالنقد.
تطوير الموضوعات
* حينما تكتب نصا سينمائيا.. من أين تلتقط جمل نصوصك من رائحة البحرين؟ أم من تجربتك؟ أم من مخيلة الطفل «أمين» الذي كان يحب أن يهرب من الواقع ليعيش السينما الجميلة؟
- من كل ما ذكرت وأكثر.. عادة أستقي مادتي السينمائية من الواقع، من التجربة الشخصية، ومن المخيلة.. إنها المصادر الأساسية التي أستل منها موضوعاتي.
لقد اعتدت أن أجمع قصاصات من الجرائد التي تغطي حوادث واقعية معينة، أراها تشكّل حالات درامية، تراجيدية أو كوميدية، قابلة لأن تتحول سينمائياً أو تلفزيونياً أو مسرحياً.. وذلك بعد إخضاعها لمعالجات معينة، وتطويعها للعناصر الفنية التي تعمل ضمن هذا الشكل أو ذاك. المخيلة، بالطبع، تلعب دوراً مهماً في تعزيز المادة وتعميقها. كما أن للتجربة الحياتية والثقافية حضورا فعالا في اعطاء المادة كينونة متماسكة ومؤثرة. الحلم أيضاً من المصادر الأساسية. لكن ينبغي التأكيد على أن العملية لا تحدث بآلية اعتباطية، إنما بطريقة معقدة ومركّبة يصعب شرحها.
مع الناقد السعودي خالد ربيع في مهرجان الدمام
أحسد الظرفاء
* تكتب كوميديا غير عادية.. تجعل من شخوصك رائحة من الضحك ولكنه الموجع في ذات الوقت.. هل هي محاولة منك لإلباس الواقع شيئا من التخفيف من قسوة ومرارة الحياة؟ أم هو الواقع الذي يلبسنا البساطة لنغرق في سذاجة ما يؤلمنا في الوجود؟
- يقولون ان الكوميديا آلية دفاعية ضد الألم، وأنا أتفق مع هذا المفهوم. من دون هذه الآلية نصبح في مرمى الكآبة واليأس والتشاؤمية التي يفرزها الواقع عبر كل ما يحدث من حولنا وفي محيطنا. الواقع يزداد سوءاً وتوحشاً، ولا حصانة لنا ولا دفاع إلا بالدعابة، بالضحك.
ربما أتمتع بحس الدعابة، وأقدر أن أتفاعل مع الموقف الفكاهي واستجيب للنكتة، لكنني يقيناً لست شخصاً مضحكا، يجيد إلقاء النكت. أحسد الظرفاء، القادرين على إضحاكنا ليس فقط بأحاديثهم المرحة، وحكاياتهم ونوادرهم، بل حتى بمجرد إيماءة أو إشارة.
في حياتنا اليومية، هناك الكثير من القسوة والعنف والحزن. ونحن بحاجة ماسة إلى أولئك الذين يضحكوننا أو يجعلوننا نبتسم. وجودهم بيننا ضروري. إنهم يجعلون الحياة أكثر احتمالاً وأكثر قابلية للعيش.
حماقاتي
* متى آخر مرة مارست فيها الضحك.. وهل يمكن لأمين صالح أن يضحك على نفسه؟ متى يحدث ذلك؟
- أضحك كثيراً. أشياء عديدة تضحكني. ليس لدي مشكلة مع الضحك. وعلى نفسي أيضاً أضحك كثيراً. في حياتي اليومية أتصرف بشكل أخرق، وارتكب حماقات شتى تثير فيّ الضحك على نفسي، وعلى سلوكي وتصرفاتي ومواقفي. بالطبع أنا لا أتعمد ارتكاب الحماقة لكي أضحك نفسي، وهو على أية حال ضحك بنكهة الوجع.
نحن نعيش متخفين وراء الأقنعة والأدوار لننسجم مع الواقع ونعيشه
التخفي بالأدوار
* يقول هوميروس في الأوديسة (عندما أعود، فسوف أكون مرتديا ثياب رجل آخر، حاملا أسم رجل آخر، مجيء سيكون مفاجئا وغير متوقع) هل هناك فراغ شاسع تتوق إليه لتعود منه مرتديا ثياب رجل آخر؟ وماذا سيختلف ذلك الرجل عن «أمين صالح»؟
- الفرد لا يمتلك هوية واحدة، محددة وثابتة، بل هو مشطور إلى مجموعة من الهويات، فهو في البيت ينتحل هوية تختلف عن تلك التي ينتحلها في الشارع أو موقع العمل أو مع أصدقائه أو بين غرباء. الواقع، أو المجتمع، يفرض عليه أن يرتدي الأقنعة، أن يمثل أدواراً. في اليوم الواحد يتعين عليه أن يعيش متخفياً وراء عدد من الهويات، الأقنعة، الأدوار.. التي من دونها لن يستطيع أن ينسجم مع واقعه أو يتوافق أو يتعايش معه.
لكن ليس المجتمع وحده الذي يفرض تعدد الهويات، بل الشخص نفسه عندما يتوق إلى أن يكون شخصاً آخر مختلفاً، أكثر قوة أو جمالاً أو غنى أو شهرةً.
في مراحل معينة من العمر، في فترة المراهقة والشباب، تمنيت أن أكون الرجل السوبرمان، أو الرجل الخفي، أو الخارق أو ما شابه.. أن أكون الكائن المختلف جذرياً.
أمين صالح حينما يضحك
الواقع من جهة، والسينما وأشكال الميديا الأخرى من جهة، كانت تغذي هذه الرغبات أو التخيلات.
التوحد بالحزن
* إلى أين تلجأ حينما تحزن؟ وعن أي شئ تصمت؟ وما هي الحالات التي تدفعك للبوح والانتشاء؟
- لا ألجأ إلى أي مكان غير ذاتي، إذ لا أحد يحتمل نفسي، في حالة الحزن، غير نفسي. من ناحية أخرى، لا أحب أن أثقل على أصدقائي بحمولة من الحزن أرميها أمامهم لكي يتقاسموها معي أو يخفّفوا عني وطأتها. قد أبثّهم بعضاً من همومي وهواجسي وقلقي، لئلا يشعروا بأني أخفي عنهم أحاسيسي أو يعتقدوا بأني لا أثق بهم. أما الحزن، فحالة خاصة أفضّل أن أستفرد بها ليستنفد أحدنا الآخر حتى تتلاشى من تلقاء نفسها.
أصمت عندما يسيء إليّ أحد، أو يجرح مشاعري. ليس تسامحاً أو ترفعاً أو احتقاراً له، بل لأن الإساءة تكون مفاجئة عادةً إلى حد أنها تصيبني بصدمة تسبب لي الذهول وتفقدني القدرة على رد الإساءة. أذكر أن دوستويفسكي كان يعاني من هذا الشيء، وكان يحسد أولئك الذين يمتلكون القدرة على رد الإهانة أو الإساءة على الفور، من غير تباطؤ أو تردد.
أتساءل، هل ثمة من يهتم بأن يعرف أي الحالات تدفع أمين صالح إلى البوح والانتشاء؟ على أية حال، أنا لا أفشي سراً، ولا أبوح بأمر مادام هو في نطاق الشخصي والخاص. عندما أشعر بالانتشاء، أرغب في أن يشاطرني النشوة، ويشاركني الفرح، كل من أحب وأصادق وأرافق.
أقبل بالقليل
* أيروق لك أن تراهن كثيرا في الحياة؟ ماهو الأمر الذي راهنت عليه ثم خسرته؟
- مرّة، في مقتبل العمر، أي في بداية السبعينيات، عمر البراءة والحماسة، راهن جيلي على إمكانية تغيير المجتمع، عبر الثورة، في غضون فترة بسيطة. بالطبع كان رهاناً خاسراً. بعدها لم أفكر في المراهنة.
أؤمن أن علينا قبول ما تهبه الحياة لنا.. حتى الأشياء القليلة أو الصغيرة.. لا بأس في أن تطلب المزيد، لكن أقبل القليل: لحظات فرح، لقاءات عذبة، رائحة زهرة، ثمار شهية، مصادفات حلوة، مداعبات طفولية.. وغيرها. دع قطرات الندى تبلل وجهك لتعرف كم هي الحياة ثمينة وكريمة.
قاسم حداد
* يقول قاسم حداد عنك بأنك أكثر حرية منه.. من أين لك كل هذا؟
- قاسم صديق سخي جداً معي. إنه يغدق عليّ المديح كلما تحدث عني. ذات مرّة أصدر قاسم كتاباً وخصّني بإهداء جاء فيه: «إلى أمين صالح الذي رأى». عندئذ انبرى شاعر وكاتبة قصة لإحراجي أو لدحض فكرة الرؤية. نظرا إليّ شزراً ثم قالا، بعد أن تحولت النظرة إلى ضرب من الازدراء والارتياب والتهكم.. «أخبرنا يا أمين، ماذا رأيت؟!!». طأطأت في ارتباك، وبصوت راعش غمغمت: «لا أعرف. أنا لم أزعم شيئاً.. هو الذي قال.. وجّها سؤالكما إليه».
نطاق اللاوعي
- لديك إصدار اسمه «الكتابة بالضوء» يحمل سردا عن شخصيات سينمائية.. عنوان الكتاب مغر ومثير.. فما رأيك هل يمكن لكل كاتب أن يكتب بالضوء؟ ماهي السراديب المظلمة التي تشتهي أن تستدعي لها الضوء؟ هل يزورك الضوء في المساء كل يوم؟
- مجازياً، يمكن القول ان كل كتابة تضيء عالماً جديداً، مبتكراً، غير مألوف، هي كتابة بالضوء. كتابة مغايرة، خلافية، وذات جمالية آسرة.
مجازياً أيضاً، تلك السراديب الموجودة في الداخل، في العمق، في نطاق اللاوعي.. تلك الرغبات المكبوحة والمكبوتة والمقموعة بفعل كم لا يحصى من التابوهات، المحرمات، المحظورات، الكوابح، القيود.. تلك التي تحتاج إلى إضاءة تكشفها وتخضعها للتحليل، من أجل أن تتحرر.
برلين المدينة التي تراعي حساسيتك وترأف بك
مدينة تتغير من أجلك
* كتبت كثيرا عن البحرين وهموم الناس في البحرين.. فهل هناك مدن تشتهي أن تغازلها بنص سينمائي لتعيش فيها من خلال ذلك النص؟ أي المدن تلك؟
- أحببت برلين كثيراً. هذه المدينة التي تغيّر إيقاعها لتنسجم مع إيقاعك الخاص، كأنها تراعي حساسيتك وترأف بك. إنها المدينة التي أحب أن أضيع في محطاتها. وسيكون امتيازاً لي أن أتجول في طرقاتها بعين سينمائية، راصداً سحرها الخاص.
الجلوس في زاوية
* لم تعد الكتابة المسرحية تغريك كثيرا.. وماذا عن مسرح الحياة.. أي المقاعد تحب أن تختارها لترقب فيها مسرحا أصبح الناس يتسابقون ليمارسوا تمثيلياتهم على خشبته؟ وما هي أكثر المسرحيات الحياتية التي توجعك؟
- أميل إلى الجلوس في زاوية، وأراقب ما يحدث بعين راصدة لكن محايدة. بين وقت وآخر، أقتنص شيئاً: حدثاً، موقفاً، أصواتاً، أحاسيس ومشاعر.. أشياء تعينني، أو تشكّل نقطة انطلاق، عندما أشرع في كتابة نص أو سيناريو.
أكثر ما يوجعني ويخيفني، في الحاضر، تكاثر الفتاوى المجانية، المهينة للقيم الإنسانية، المضادة للقيم الدينية، والتي تلقى قبولاً وتأييداً من قطاعات شعبية واسعة.. إضافة إلى بروز المظاهر الطائفية والتحريض على الفتنة الطائفية التي تهدد روح التعايش والسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية.
أمين صالح في لحظات تأمل
ذاكرة الاحتمالات
* ماذا تأخذ معك حينما تكتب رواية؟ وكم من «أمين» يتآمر عليك لتختلط بشخوص عالمك؟
- لا آخذ شيئاً غير ذهن مرن، منفتح على كل الاحتمالات والحلول. غير ذاكرة مفتوحة على التجارب الحياتية التي مررت بها في فترات ماضية، وعلى عوالم سبق أن قمت بارتيادها واكتشافها من خلال الكتب أو الشاشة. غير مخيلة لا يحدّها تخم ولا يسوّرها أفق. غير لغة مشحوذة أصقل بها السرد والوصف. غير وقت للتأمل ووقت للكتابة ووقت للنحت.
كل انكسار أو خذلان هو ضرب من الموت الطفيف ولكنه لا يهلك
ثمة دوماً مسافة بيني وبين شخوصي، لكنها مسافة قابلة للاختراق، بحيث تأخذ كل شخصية جزءاً من ذاتي.. أحياناً تكون الشخصيات محض انعكاسات.
قسوة الحب
* غنى خالد الشيخ قديما (أبكي على البمبرة وأبكي على التينة وأدعي على من ذبح قلبي بسكينة. البمبرة تشتكي من فرقته اسنين. حتى دمعها الخضر يبكي بليا عين) من الذي ذبح قلبك - يوما - بالسكين؟ وكيف تداوي جروح وعذابات الحب؟
- لم أختبر قط علاقة عاطفية عنيفة. كل العلاقات تبدأ وتنتهي في هدوء، بلا ضغائن ولا أحقاد، وفي تفاهم مريح.. بحيث نحافظ على العلاقة لكن ضمن حدود الصداقة.
بالطبع، نهاية كل علاقة حب تكون قاسية ومؤلمة، إما لكلا الطرفين، أو لأحدهما.. لكنها عادة تكون نهاية طبيعية، لأن العلاقة – عندما تصل إلى طريق مسدود، لا أمل لها في الاستمرار - تتآكل وتتصدع داخلياً حتى يحين انهيارها، ولا يمكن لأحد إنقاذها من المصير المحتوم. الانفصال هنا يكون رحمةً وانعتاقاً.
أعتقد أن علينا أن نكون أكثر براءةً ومرونةً في علاقاتنا مع الآخرين.
اختبار الموت
* ما هو الموت الطفيف الذي تظن بأنه قد يأخذك إلى حافة الانكسار أو الخذلان؟
- كل انكسار أو خذلان هو، بطريقة أو بأخرى، ضرب من الموت، لكنه لا يُهلك.
واقعياً، لم أختبر مثل هذا الموت الطفيف.. إنها حالة مجازية.
الطبيعة والنص
* ما الصوت الذي يقفز في داخلك حين تستنطق المطر والرصيف وحجارة الطريق والأشياء التي لا صوت لها؟ هل تحب أن تمشي تحت المطر أم أنك تخشى أن يشي بك للكتابة؟
- لكل عنصر في الطبيعة حضوره المميّز، وفرادته، ودلالته، وصوته الخاص، وجوّه الخاص، وتحولاته، ومعناه الخفي المتغيّر الذي يختلف جذرياً عن معناه المألوف والمتعارف عليه.
كل عنصر من عناصر الطبيعة، ما إن يدخل في النص، حتى يكتسب معنى آخر، بعداً آخر، كينونة أخرى، فالشجرة مثلاً لا تعود هي الشجرة التي نراها ونعرفها في الواقع، بل ربما تحرز حضوراً مختلفاً، وتوحي بشيء غير متوقع. البحر، عند شاعر مثل سان جون بيرس، يركض عبر الغرف.
أحب المطر كثيراً. أشعر بالطمأنينة في حضوره، بالراحة، بالانتعاش. أحب أن أتمشى تحت المطر إن كان رذاذاً، أما إذا هطل غزيراً فإني أبتعد عنه واحتمي بمظلة أو ما شابه. أكتفي بمراقبته من بعيد وهو يهطل.
الاختباء بالشخصيات
* هل صادف أن التقيت بأمين صالح في نص منهمر أو حلم طويل؟ وكيف وجدته بعد طول غياب؟
- أعتقد أن الكاتب حاضر في نصوصه على نحو خفيّ أو متوارٍ أو مموّه. إنه لا يعلن عن نفسه (إلا إذا كان النص سيرةً ذاتيةً) بل يتواجد متخفياً خلف عدد من الشخصيات.
لم أكتب بعد سيرتي الذاتية. في روايتي «رهائن الغيب» تحدثت عن نفسي، بالأحرى عن مرحلة عمرية معينة، عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري. ولم يكن التركيز على الشخصية فقط بل، بدرجة أكبر، على المكان.. حي الفاضل الذي عشت فيه سنوات طفولتي ومراهقتي. من جهة أخرى، الرواية لا تتمتع بالموثوقية بسبب تداخل المخيلة والذاكرة، في صياغة الأحداث والشخصيات، إلى حد التشابك. بالتالي هي ليست رواية واقعية أو توثيقية.
رائحة الطفولة
* حين تشتاق إلى رائحة وشاح أمك مالذي يحدث لك؟ تبكي؟ أم تغيب في حزن طويل؟ أم تبتسم؟
- أمي – أطال الله عمرها - لا تزال موجودة بيننا، تمنحنا – كعادتها دوماً - الحنان والدفء بسخاء مطلق. في حضنها أشم رائحتي منذ أن كنت طفلاً.
* ماهو السر الذي لم تقله يوما لأحد؟
- لن يعود سرّاً إن أفشيته.
أمين صالح يحضر ندوة في برلين
مع قاسم في برلين 2011
مع بسام الذوادي في مهرجان بإيطاليا
أمين صالح مع الشرقاوي
أمين صالح في فرانكفورت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.