بدءاً علينا أن نتفق أن أي نجاح وهمي هو خسارة، وضياع للوقت، وربما الجهد، وان من توهم النجاح لن يستمر إلى النهاية مهما كانت محفزات البقاء، ومن نثق أنهم ناجحون في حياتهم وأعمالهم ودراستهم هم في الغالب ليسوا كذلك، فأولئك وصلوا من دون جهد، وحالفهم النجاح على طبق من ذهب؛ بحثاً عن الشهرة، والحصول على المال، وهذا دون شك خداع للذات واقتناع بالأحلام التي تحققت موقتاً، وتحديداً حينما لا يفعلون الأشياء الصحيحة التي ينبغي عليهم أداؤها كما يجب؛ لأنهم يرون في نجاح الآخرين طريقا معبدة وسهلة جداً بإمكان أحدهم الوصول إليها، ويميلون إلى الاعتقاد بأن ما حدث للناجحين هو من باب الحظ والصدفة، وأنه لا يجب عليهم أداء العمل القاسي والشاق للوصول إلى أقصى طموحهم في النجاح، فكم من موهوم ظنّ أنه ناجحاً في مجتمعه متفوقاً على أقرانه وحين يلتفت إلى الوراء لا يجد له أثراً أو مجداً، فلا هو ركّز على البذل ولا الجهد ولا التفاني ولا الالتزام ولا التعاون ولا السعي إلى تحسين ذاته وقدراته العلمية والعملية، أو تطويرها وتدريب نفسه لمواجهة مصاعب الحياة. سعود الخليل قيم زائفة وأوضحت "مريم الموسى" -مرشدة طلابية- أن الناجحين يصبحون وهميين يحملون قيماً وثقافة وهمية في البيئة التي يكثر فيها الزيف والرداءة، مضيفة أن القيم الزائفة حول معايير النجاح لا يمكن للفرد أن يتجاوز معها الدائرة التي يقف عليها، مشيرة إلى أن سلوك الارتقاء يرادف القبول بقواعد اللعبة السائدة في مجالات الحياة من وساطة وتواكل ومزاجيات وغش ورشاوى باتت تتخذ عنصراً فاعلاً من عناصر النجاح في المجتمعات المتخلفة، مبينة أن الناجح في نظر هؤلاء ليس من يحصد أكبر قدر من الإنجازات والمآثر. وأضافت أن أولئك يرون أن الناجح هو من يملك رقماً ضخماً من العلاقات التدبيرية والمحسوبية التي يمكنه استغلالها للارتقاء سريعاً نحو هرم النجاح، مشيرة إلى أنهم بعيدون كل البعد عن ثقافة الإنتاج والتجديد والإبداع، وهو ما يفسّر سيادة كراهية العمل الشاق في ثقافتنا المحلية وعدم الإبداع في المجالات المتاحة والإحساس بالروتين القاتل وعدم القدرة على التعايش بنجاح في أماكن العمل، مؤكدة على أن الفشل في كثير من الأحيان هو الطريق الذي نصل عبره إلى النجاح. وأشارت إلى أن ذلك هو ما يجعلنا لا نجد أن مخترعاً أو عالماً في مجال الذرة إلاّ قد مر بمراحل من الفشل حتى تحقق له النجاح، مضيفة أنه لا يمكن إطلاق صفة النجاح على الأشخاص الذين لا يملكون مقداراً ولا قيمة للنجاح نفسه، موضحة أنه لا يكون بعدد البطولات التي تعارك فيها الشخص مع آخرين ولا بعدد المرات التي حقق فيها انتصاراً عظيماً في المنافسات السطحية، لافتة إلى أن النجاح قيمة تستفز لدى الفرد الشعور بالإنماء والارتقاء. مُعطِّلات معنوية وبينت "مريم الموسى" أن النجاح أيضاً هو مقدار يجعل الفرد ثابتاً أمام المعطلات المعنوية التي تديرها النظرة السلبية عن أولئك الناس الذين لا يعطون الأهمية الكبيرة لما يؤديه الفرد من عمل، بل بمقدار ما يقوله الفرد عن نفسه من خطابات المدح والتمجيد ولا يفكرون لحظة بجمع كل قواهم العقلية والجسدية لتحقيق مستوى جيد في هذا العالم، مضيفة أن الناس ينظرون للنجاح بحسابات مختلفة، إذ نجد أن البعض ينظرون للمصلحة الذاتية ويعتبرون أن نجاح المنشأة يقف على نجاحهم، كما أن فشلهم يعني فشل المنشأة بالكامل، موضحة أنهم قد يتمادون في أنانيتهم هذه عندما يتلقون عبارات الثناء والإشادة والتظاهر بالمعرفة التامة التي تودي بهم إلى الكبر والأنفة بعيداً جداً عن واقعهم الحقيقي. الرغبة في النجاح لا تعني الاستسلام بسهولة ولفتت إلى أن أولئك الواهمين قد يُخفون شعورهم بالتعاسة وعدم تذوق جماليات الأشياء من حولهم والقلق الداخلي بسبب عدم الثقة بالنفس، أما الناجحون فلديهم مخزون هائل من العطاء والثقة يشعرهم بالسعادة والقناعة حتى لو لم تُذكر أسماؤهم في المنابر والصفحات، كما أنهم يسعدون بقدر ما يعطون ويسعدون أكثر بقدر ما يساعدون أولئك الذين لم يستشعروا معنى السعادة الحقيقية. احترام الذات وقالت "رانية الشريف" -كاتبة ومدونة- :"قد يبدو الأمر سخيفاً حين يتوهم أحدهم أنه ناجح، ولطالما تأكدنا أنه علينا جميعاً العمل من أجل الحياة، وأننا إذا عملنا علينا أن نعطي العمل حقه بدون تقصير وبشعور جيد وهمة عالية مع احترام الذات"، مضيفة أن كل هذا سوف يُحدث فارقاً كبيراً في نوعية حياتنا بصرف النظر عن ما إذا كنا نسعى إلى أن نكون ناجحين ومميزين في الحياة أم ناجحين مع أنفسنا ومحيطنا القريب فقط، مشيرة إلى أن وهم النجاح بشكل عام قد يكون أسوأ بكثير من الفشل ذاته. وأرجعت سبب ذلك إلى أن الفشل على الأقل سيدفع الفرد للبحث عن البدائل التي قد تحقق إحداها النجاح الحقيقي له، وذلك لقناعته أنه في الموقع الخطأ، بينما وهم النجاح سيجعله يرفض مجرد التفكير في البحث عن بدائل لقناعته أنه في المكان الصحيح. نظرة قاصرة وأكد "سعود الخليل" -أخصائي اجتماعي- على أن النجاح كلمة واسعة تحتوي على العديد من الانجازات التي يحققها الإنسان في حياته، مضيفاً أن أغلب الناس قد يحصرون النجاح في الجانب المادي، وبالتالي فإنهم ينظرون إلى أن الشخص الغني هو الشخص الناجح في الحياة، مبيناً أن هذه النظرة مع انتشارها بشكل كبير إلا أنها نظرة قاصرة، مشيراً إلى أن النجاح أوسع وأشمل من أن يحصر ويقيد بمجال المال والتجارة أو الشهرة والإعلام فقط. وأضاف أن هناك جوانب أخرى في هذا الشأن، ومن ذلك النجاح الاجتماعي والنجاح العلمي وغيرها من الجوانب المهمة الأخرى، مشيراً إلى أن مقولة أن الأفراد الذين يثقون أنهم ناجحون بشكل تام هم في الغالب ليسوا كذلك قد تكون صحيحة أحياناً، موضحاً أننا قد نرى أن هناك شخصا ناجحا مالياً أو إعلامياً أو علمياً واستطاع تحقيق منجزات عظيمة وشهرة واسعة تلفت الانتباه، ولكنه من زاوية أخرى قد يكون لديه قصور أو فشل أحياناً في جوانب مهمة، ومن ذلك الجوانب الاجتماعية والعلاقات الأسرية. نجاح صوري وحول تقييم معايير النجاح لدى الفرد أكد "الخليل" على أن كثيرا من الناس يجذبهم ما ينقصهم ويتمنون الحصول عليه، فمن حُرم المال يرى النجاح في الحصول عليه ومن حُرم المنصب يرى النجاح في الحصول عليه دون أن ينظر لإمكاناته وقدراته الخاصة ودون أن يعمل على تهيئة نفسه ليكون مؤهلاً للحصول على ما يتمنى الحصول عليه، مضيفاً أن النجاح قد يكون وهماً إذا لهث الإنسان خلف نجاح صوري لا يُقدم ولا يُؤخر، كالتفاخر والتباهي بأمور دنيوية تحسب عليه ولا تحسب له، مشيراً إلى أن الناجح الحقيقي هو من يستطيع الموازنة بين جوانب الحياة عموماً وعلى رأسها الجانب الديني، على أن يكتشف نفسه وقدراته فينميها؛ ليُحقق آماله وتطلعاته عبر السعي الحثيث لبلوغ النجاح المأمول.