مواطنون دفعت بهم ظروفهم المادية وضعف مداخيلهم الشهرية من أن يوطدوا علاقاتهم مع عمال البقالات المتناثرة في الحارات، بغية الحصول على بعض المستلزمات الضرورية إلى حين إيداع الراتب في الحساب. دفاتر عتيقة، بعضها كُتب بالعربي، وبعضها كُتب بالأوردو، تغص بأسماء المواطنين في بقالات الحارات العتيقة في مختلف المدن، توحي باتساع بالفجوة بين مداخيل المواطنين وتكلفة المعيشة. وبحسب بائعين في أكثر من بقالة في حارات الرياض وأحيائها فإن حمى تسجيل المشتريات الآجلة تبدأ مبكراً بُعيد استلام الرواتب بأيام معدودة، مما يوحي بأن تلك الرواتب لا تسد كثيراً من احتياجات الناس، ففي الأسبوع الثاني بعد استلام الراتب تبدأ حالات تسجيل المديونيات حسب ما قال لنا بائع يمني في بقالة في حي النسيم، مشيراً إلى أنها تتصاعد حتى تبلغ نسبتها الأعلى في أيام الشهر الأخيرة. ويقدر علي -بائع يمني- المبالغ التي يمكن أن تسجلها البقالات على المواطنين كمديونية إلى نزول الرواتب بأنها ليست كثيرة بالنظر إلى نسبة المخاطرة التي يمكن أن تتحملها البقالة، مشيراً إلى أن أغلب البقالات يوقف البيع بالآجل حين يصل المبلغ من 1000 إلى 1500ريال خوفاً من عدم سداده. وبحسب الباعة في البقالات فإن نسبة تسديد المديونيات الشهرية تصل إلى أكثر من 90% حيث تنشأ عملية ثقة بين أولئك السكان وعمال تلك البقالات. ويؤكد البائع علي أن البقالات تتحاشى البيع بالآجل على شريحة الشباب من صغار السن، مؤكداً أن الغالبية العظمى منهم يشترون دون علم أهاليهم، وأن أهاليهم لا يعطونهم نقوداً لتسديد تلك المشتريات خوفاً من استخدام تلك النقود في شراء السجائر مما يجعل تلك المديونيات معلقة، وربما لن يتم سدادها أبداً. وقد أجمع أكثر من بائع في البقالات أن البيع بالآجل على سكان الحارات له مساهمة ايجابية في تنشيط مبيعات تلك البقالات، مؤكدين على أنه إذا أحجمت إحدى البقالات عن البيع بالآجل فإن مبيعاتها ستخفض بنسبة قدروها ب30%. وتنشط مبيعات الحليب، والدواجن، والزيوت والألبان في مسألة البيع بالآجل، كما يقول بائعو تلك البقالات، وهي سلع أساسية في الحياة اليومية، مما يؤكد أن لجوء مواطنين ومقيمين للشراء بالآجل من بقالات الحواري هو عدم قدرة الدخل الشهري على تغطية الاحتياجات الأساسية إلى حين عودة الرواتب بعد 30 يوماً. الجدير بالذكر أن تقارير إحصائية تقارن بين أسعار أهم السلع في السوق المحلية قد أظهرت أن الفجوة بين ارتفاع أسعار السلع في المملكة ونمو مستوى الأجور بين عامي 1402 و1432 هجرية، بلغت نحو 700 في المائة، بعد أن سجلت أسعار مؤشر تكلفة المعيشة 765 في المائة، فيما سجل نمو دخل الفرد 66 في المائة خلال 30 عاما، مما يؤكد البون الشاسع بين مداخيل المواطنين وأسعار السلع الأساسية في السوق المحلي.