سورية خرجت من صراع داخلي وظفته قوى دولية ليكون مدخلاً لنفوذ لا يختلف عما جرى بعد الحرب العالمية الثانية تقسيم ألمانيا، وسورية الحائط القصير، لأن غياب حكومة وطنية توحد فئات الشعب، وهو الفراغ الذي ملأه الأسد الأب والابن بدكتاتورية عائلية قسمت فيها المداخيل المالية والمناصب والأراضي والسيطرة على التجارة الداخلية والخارجية وتوزيعها بين المحاسيب والموالين للنظام سبب لما يجري الآن.. هذا الواقع وسع دائرة المعارضة الصامتة التي بمجرد وجود منفذ للاحتجاج السلمي بدأت تنادي بتغيير النظام على مبدأ تداول السلطة، إلا أن الرد العسكري المفرط من النظام فرض ما يجري الآن من تعدد الأنظمة المسلحة والتي جاءت نتيجة تراكم أفعال الدكتاتوريات العسكرية والحزبية بأن تطورت الأحداث إلى حرب أهلية بأجنحة وتقلبات لم تعرفها سورية منذ استقلالها وإلى اليوم.. في الواجهة الآن تبرز روسيا التي تتمسك بسلطة الأسد ليس لأنه النظام الذي يتوافق مع أهدافها العليا، وإنما الوحيد الذي جعل لروسيا دوراً فقدته بعد الاتحاد السوفيتي، ساعدها أن عقدة الحروب التي خاضتها أمريكا وانحسار دورها تحت طائلة تلك الأخطاء وفقدانها موازين كثيرة مالية وعسكرية تحت وطأة متغير عالمي بدأت تراه خطراً على دورها العالمي ليس في المنطقة وحدها.. سورية في هذه الأحداث المتلاحقة مهمة كشأن جغرافي مؤثر، ولكنها لا تهدد أمن البلدين إلا ببروز منظمات إسلامية متطرفة جديدة، وقد عولج أمرها بدفع فئات داخلية تحاربها لا تكلف الدولتين الأكبر، إلا بعض الخسائر المادية، لكن أمريكا ذهبت إلى دبلوماسية الخيارات الأسهل بحيث جاء رفضها التورط عسكرياً ببلد مضطرب يحارب بسلاح روسي - إيراني ودعم عسكري لجماعات إيرانية، عراقية، لبنانية أي إنها ستواجه جبهة لديها محاربين في الداخل مع دعم مادي سخي، وروسيا لا ترى في مجمل خسائرها المادية ما يوازيها من مكاسب سياسية جعلتها تلعب الدور الأكبر في جغرافيا المنطقة والبحر الأبيض المتوسط المطل على أوروبا.. مؤتمر جنيف القادم لن يكون مفيداً لكل الأطراف، لأن المشهد الداخلي السوري مصاب بعاهات الانقسامات والتحالفات وعملية توليف وفد غير متفق عليه من المعارضة، سيكون مجرد صوت لأقلية صغيرة لا تملك القرار الذي يراعي هذه التقلبات بالساحة، ونفس الأمر مع الراعيين الروسي والأمريكي، فالأول يتحدث صراحة بما تفكر به سلطة الأسد، بينما أمريكا تتحدث باسمها أي لا يوجد لها تمثيل ضاغط يتلاحم معها من المعارضة، ودورها سيبقى مجرد ثقلها في مجلس الأمن الذي تجد في حلفائها مباركين لأي خطوة تحل المشكلة، بنفس الوقت تعرف أن إسرائيل تبارك الحروب الدائرة لأنها وجدت أن لا جبهة في المستقبل تستطيع تهديد أمنها بل إن تعايشها مع حكومات سورية متعددة جزء من أهداف سبق أن رسمتها وباركتها بأن تكون بلا خصوم مع محيطها.. إيران قد تُستبعد من جنيف، ولكنها حاضرة في سورية بعمق، وأمريكا تعرف أن حضورها قد يحرجها مع أصدقاء لها يحضرون المؤتمر، لكنها لم تقطع حبل الود معها، بل وسورية حاضرة في حواراتها المختلفة وعلى كل المستويات ولذلك فحضورها من عدمه ليس إشكالاً بل هو مداراة لفصل آخر يعد لسورية أسوة بما جرى في العراق، لكن في كل الأحوال فجنيف ليست إلا رحلة للمجهول بين مشادات دولية وحروب أهلية لا تؤهل الجميع الخروج من الأنفاق المظلمة..