ماذا يريد العالم من جنيف 2؟ ما سقف التوقعات؟ هل يمكن لهذا المؤتمر أن ينهي المأساة السورية؟ أم أنه سيكون كسابقه جنيف 1؟ أسئلة كثيرة طرحتها ندوة «عكاظ» في بيروت على رئيس إدارة التوجيه المعنوي المنشق عن الجيش السوري عبر السكايب من عمان، وعلى أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليون الفرنسية الدكتور وليد عربيد، وعلى المحلل السياسي اللبناني حسن شلحة رئيس حزب الاتحاد. حيث أجمعوا على أن التوافق بين واشنطن وموسكو جاء على حساب الشعب السوري، وذهب ضحية هذا التوافق عشرات الآلاف من الضحايا السوريين الأبرياء بعدما اختزل المجتمع الدولي حل الأزمة السورية في تسليم الترسانة الكيماوية للنظام ما يعني أن حل أزمة الشعب السوري منقوص.. وجنيف 2 يتجه لتأمين أو إنقاذ نظام الأسد أولا وغض الطرف بشكل فاضح عن جرائم الحرب التي ارتكبها ثانيا. ماذا يريد العالم من جنيف2؟ د. وليد عربيد: بعد ما شهده العالم في مسرح الشرق الأوسط الجديد من عملية شد حبال بين القوى الدولية وبالتحديد المعسكر الغربي بقيادة الولاياتالمتحدة والمعسكر الآخر بقيادة الروس وصلت الأمور من خلال الأزمة السورية إلى شفير الهاوية واتضح للرأي العام الدولي أننا ذاهبون إلى حرب إقليمية ممكن أن تتجه إلى حرب شبه عالمية تخسر فيها بعض الدول الكبرى في منطقة كبيرة من العالم وأعني من أسوار الصين إلى شواطئ البحر المتوسط. وحصل أن صدرت قرارات أممية في مجلس الأمن بحيث يتم الاتفاق على صيغة سياسية من أجل إيجاد حل سياسي أو سلمي للأزمة السورية. وخلال هذه المفاوضات برزت أزمة السلاح الكيماوي السوري لتؤكد بأن هناك مشاريع في المنطقة، تقول بأن الشرق الأوسط يجب أن يكون منزوعا من أسلحة الدمار الشامل وهذه ليست فكرة جديدة بل فكرة قديمة وقد أشارت إليها المبادرة العربية عام 2000 التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وهذه الأمور إن دلت على شيء فإنما تدل على أن ضغوط المجتمع الدولي نتج عنها قرار أممي موحد ولو أنه ليس في البند السابع، ولكن قرار يمكنه أن يضغط على النظام من أجل تفتيت الترسانة الكيماوية التي لديه، وقادت هذه الأمور إلى تقارب أو تفاهم بين القوتين الروسية والأمريكية من أجل تفعيل «جنيف2». ومن الناحية العسكرية، فقد برزت على الأرض أن هناك ليس معارضة واحدة بل «معارضات» وخير دليل على ذلك أحداث أعزاز وظهور داعش وجبهة النصرة، أي أن العملية بالنسبة للمجتمع الدولي تحتاج إلى ترميم المعارضة لتتمكن من الجلوس ومفاوضة النظام الذي ربح شوطاً بهذه المعركة السياسية. حسن شلحة: بعدما تبين أن الحل العسكري لم يحقق أية نتيجة لأي طرف من طرفي النزاع في سورية، وبعدما ذهب القطبان الأمريكي والروسي إلى توافق على حل الأزمة سياسياً، فبات يعتقد كثيرون أن هذا التوافق بين دولتين كبيرتين جاء على حساب الشعب السوري، وذهب ضحية هذا التوافق عشرات الآلاف من الضحايا السوريين الأبرياء. وقبل التوافق الروسي الأمريكي كان هناك توافق روسي إيراني على دعم النظام السوري وتزويده بكل أنواع الأسلحة، والمقاتلين، والخبراء، هذا فضلا عن ضخ خزائنه بالأموال. من هنا، فان فشل الحسم العسكري لصالح أي طرف في سورية، وتمسك الروس والإيرانيين بدعم النظام السوري حتى الرمق الأخير، وبعد فشل جنيف 1، جعل هناك تقاربا أو توافقا روسيا أمريكياً بأن الحل في سورية يجب أن يكون سياسياً وليس عسكرياً، وبالتالي جعلوا العالم يعيد النظر بمؤتمر جنيف2، فالعالم يتحدث عن عقد جنيف2 وسط خلل كبير تعيشه الثورة السورية، وهذا الخلل سببه إضافة لضغط النظام الذي يرتكب أبشع المجازر ويستبيح الأسلحة المحرمة أو الكيماوية ضد الشعب، تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم بشار التي تعتبر جرائم حرب كبرى. التوافق الروسي الأمريكي أعمى المجتمع الدولي والعالم عن جرائم الأسد وعن مأساة الشعب السوري، وجعلهم ينظرون فقط إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، الذي يتألف من عدة عناوين تشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها الثورة السورية وبعض أركان النظام مجتمعين. العالم في جنيف 2 يريد إيجاد حلول تعيد الاستقرار إلى المنطقة التي ستنعكس استقرارا على الوضع الإقليمي وتبعد عنه ترددات ما يجري على الأرض السورية، أما المعارضة فرغم تخبطها إلا أنها أكدت أنها تريد من جنيف2 تسليم النظام للسلطة واستبعاد بشار الأسد عن مستقبل سورية. بين ما تريده المعارضة وما يريده العالم من جنيف2، هل تعتقد أن نجاح المؤتمر سيكون حتميا أو فشله حتميا، ولماذا؟ العميد الجباوي: بعدما حصر العالم حل الأزمة السورية عبر تسليم الترسانة الكيماوية السورية، تبين أن هذه القوى الدولية مجتمعة لا تبحث عن حل لأزمة الشعب السوري بل تبحث عن تأمين أو إنقاذ نظام بشار الأسد. العالم لا يريد رؤية مأساة الشعب السوري ولا رؤية الخمسين ألف شهيد، وجدوا الحل الذي يناسبهم عبر جنيف2 ودعوا إليه الأطراف المتنازعة في سورية لقبوله. لذلك نرى أن فشل جنيف2 حتمي. شلحة: حتى الآن ورغم الحركة السياسية والدبلوماسية التي تجري على قدم وساق، إلا أننا غير متأكدين أن كان مؤتمر جنيف 2 سيعقد، فلغاية الآن هناك شكوك تشوب إمكانية تأجيل عقد جنيف2 إلى وقت لاحق، فالقوى الدولية التي توافقت على عقده والتي رأت أن الحل في سورية لا يمكن إلا أن يكون سياسياً أغفلت جانبا مهماً ونعني بهذا الجانب الثوار الذين يقاتلون على الأرض، ويتصدون لآلة النظام المدمرة، فلم يتم استشارة أي فصيل من فصائل الثوار أو الجيش الحر، ولم يأخذ أحد برأيهم وبمطالبهم من جنيف 2 أو من أي مؤتمر دولي. من خلال القراءة الأولية للوضع في سورية وللجهود الدولية المبذولة، ورغم الضغوطات التي يحاول العالم الإيحاء أنه يمارسها على الوضع السوري، إلا أن هذه الضغوط الدولية لن تؤتي ثمارها، فمن ناحية لن تتمكن من حث النظام على تسليم السلطة، ومن ناحية ثانية لن تقنع الثوار بإلقاء سلاحهم. لذلك فشل مؤتمر جنيف 2 حتمي وسيليه جنيف 3 أو أكثر من مؤتمر دولي حتى إيجاد الحل السياسي النهائي والأنسب لهذه الأزمة القائمة منذ عامين ونصف العام. برأيك ما هي الآليات المطلوبة من الدول الداعمة للمؤتمر من أجل إنجاحه؟ حسن شلحة: أولا المجتمع الدولي غض نظره بشكل فاضح عن جرائم الحرب التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري، والشعب السوري لن يسكت عليها ولن يقبل بالتغاضي عنها، ثانيا ثبت أن الدول الإقليمية الداعمة لجنيف 2 أو لأي مؤتمر دولي تدعم الشعب السوري وثورته كلامياً باستثناء بعض الدول العربية والخليجية تحديداً التي قدمت مشكورة كل الدعم لهذا الشعب، هاتان النقتطان أوجدتا خللا في الشارع السوري الذي فقد مصداقيته بالمجتمع الدولي، وبالتالي أوجدت هاتان النقطتان خللا في إمكانية إيجاد آليات تساعد على نجاح المؤتمر المذكور أو أي مؤتمر دولي سيعقد لاحقا من أجل حل الأزمة، لذلك يجب أن يحاسب النظام ويجب أن تؤخذ بتطلعات الشعب السوري، ونعني أن يتم تصحيح الخلل أو إعادة التوازن إلى الأمور وإلا فإننا نؤكد مجدداً جنيف 2 لن ينجح. فليضع العالم أمام الشعب السوري أهداف جنيف 2 الحقيقية، وليحدد هوية الأطراف المشاركة، فكيف يعتقد العالم أن بإمكانهم أن يجمعوا ممثلا عن بشار الأسد وممثلا آخر عن الثوار وقد تخطت جرائم النظام كل الحدود الحمر بحق شعبه. وليبرهن العالم عن نيته الحقيقية بإيجاد الحل للأزمة السورية، فقبل جنيف 2 ليعلن وقف إطلاق النار بشكل نهائي وحاسم ومن ثمة يمكن إقناع طرفي النزاع في سورية أنه من الضروري الذهاب إلى مؤتمر تسوية، ولكن بالفترة الزمنية الراهنة لا نعتقد ولا نأمل أن يتمكن العالم من إثبات حسن نيته ومن إبراز الأهداف الحقيقية لجنيف 2، لذلك نؤكد أن فشل جنيف 2 حتمي، وكل الآليات المشار إليها من أجل إنجاحه لن يأتي العالم على تنفيذها أو حتى ذكرها. د. وليد عربيد: أولا لو لم تتخذ الولاياتالمتحدةالأمريكية قرارا بضرب المواقع الكيماوية في سورية أو لم تنجح في تشكيل تحالف دولي لضرب هذه المواقع لم نصل إلى تفاهم على «إنعاش» ما يسمى جنيف2. جنيف 2 هو مبادرة من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية الأمر الذي يؤكد أن التفاهم بين القوى الداعمة للمعارضة السورية والقوى الإقليمية الداعمة للنظام السوري من الممكن أن يصلوا فيما بينهم إلى حلول سياسية تؤمن وحدة الأرض والشعب من أجل إيجاد نظام سياسي جديد. اليوم تدور أسئلة كثيرة في الدهاليز السياسية، فهل يكون بشار الأسد على رأس المفاوضات؟ وما العوامل والبوادر التي سيشهدها جنيف2؟ المسألة الأساسية اليوم هي أن المجتمع الدولي انتصر بإصدار قرار موحد من الأزمة السورية وإذا وجدت الحل أعتقد أن جنيف 2 سينجح وسيعقد جنيف 3 حول الشرق الأوسط لإيجاد سلة للملفات الساخنة كملف النووي والصراع العربي الإسرائيلي والمسألة الكردية وكيفية العمل على ترتيب الشرق الأوسط الجديد. هناك مراكز أبحاث أصدرت دراسات وخرائط حول تقسيم المنطقة ولكن يبقى السؤال كيف ستقسم المنطقة خاصة وأن الغرب أو القوى الإقليمية لن تقسم إلا وفق مصالحها وشروطها وإلا فإننا ذاهبون إلى حروب يمكنها تدمير المنطقة بأكملها. كيف ترى التداعيات المرتقبة في حال عدم انعقاد جنيف 2؟ شلحة: المشهد على الأرض سيبقى على ما هو عليه، الاقتتال مستمر داخلياً ويمكن للأمور أن تتصاعد عسكرياً، وكلما تصاعدت الأمور عسكريا، ستجلب إلى الداخل السوري مزيدا من عناصر القوة لكلا الطرفين من أجل محاولة الحسم على الأرض طالما الحل السياسي مؤجل رغم عناوين مؤتمرات التسوية التي يتغنى بها العالم. والمستغرب كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يدعو إلى جنيف 2 بكل وقاحة دون أن يحاكم النظام أو يدين جرائمه على ما استخدمه من أسلحة محرمة دوليا. المؤتمر سيفشل والأزمة والاقتتال إلى تصاعد، بانتظار أن يحسم طرف الأمور على الأرض لصالحه. العميد الجباوي: القتل مستمر، عقد جنيف 2 أو لم يعقد، أعلن العالم عن إيجاده الحل أو لم يعلن، الجيش الحر والثوار لن يفاوضوا النظام القاتل، وهنا لا بد أن نقول لأمريكا إنك طالما تغضين الطرف عن مأساة الشعب السوري فإن كل الشعب السوري سيتحول إلى التطرف. ونقول لها إنها هي من أوصلت الأمور في سورية إلى ما وصلت إليه اليوم، السيد أوباما ضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية والسماوية، وأمام تقاعس المجتمع الدولي الجيش الحر يرص صفوفه وسيكمل ثورته بنفسه غير معتمد على أحد ولا على قرارات الأمم. المشكلة ليست بتسليم الكيماوي وإعفاء المجرم من العقاب، المشكلة هي مأساة شعب يسحل ويقتل أمام مرأى ومسمع الجميع دون أن يرف للعالم جفن. الشعب السوري لن يسامح العالم على تقاعسه وسيكمل ثورته ويسقط المجرم بنفسه.