شعارات الإسلام السياسي التي كانت تعد الشعوب بالحلول أضافت الكثير من المشكلات الفكرية والاجتماعية حيث استطاعت جماعة مثل تنظيم الإخوان أن تفرز ظاهرة الإخوان السياسية ليس في دول الربيع العربي فقط ولكن في معظم الدول العربية بعد الثورات العربية الفاشلة في تحقيق التغيير الإيجابي المطلوب أصبح من السهل إثبات أن الثورات العربية ماهي إلا دورة زمنية في ذات المناخ السياسي لذات الشعوب لذات البيئات، بمعنى دقيق الثورات العربية ما هي إلا إعادة تشكيل لشكل السلطة دون تغيير في مضمونها فالشعوب العربية الباحثة عن لقمة العيش على طريق مخصص للحرية ثبت أنه يمكن خداعها مرات عديدة تحت مفهوم الديمقراطية بعباءة مؤدلجة. إذا كان هناك الكثير من الآثار السلبية التي تركتها الثورات الفاشلة في العالم العربي فإن أهمها هو تقدم التنظيمات المؤدلجة على الساحة السياسية، وهذا يعني أن ذات المشكلة الأزلية تتقدم لتحل نفس المشكلة الأزلية وهنا الأزمة التي خلفتها الثورات العربية فهي ساهمت في عودة للوراء التاريخي لشعوب المنطقة بأكملها وليس فقط دول الثورات العربية. شعارات الإسلام السياسي التي كانت تعد الشعوب بالحلول أضافت الكثير من المشكلات الفكرية والاجتماعية حيث استطاعت جماعة مثل تنظيم الإخوان أن تفرز ظاهرة الإخوان السياسية ليس في دول الربيع العربي فقط ولكن في معظم الدول العربية ولقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية والمواقع الالكترونية الكثير من الفرص لاكتشاف التيارات السياسية المؤدلجة التي تعاني من (متلازمة تأييد الإخوان). السؤال المهم يقول: هل هناك تأييد حقيقي للتنظيم في المجتمع أم هي مجرد تعاطي للحدث بشكل مختلف عن التأييد المطلق...؟ الحقيقة أن هناك نوعان من التأييد الأول نشأ مع الصحوة التي اجتاحت المجتمع في العقود الماضية وهذا النوع من التأييد منتشر بين فئات شعبية قد تغيب عنها الحقائق الصحيحة وهؤلاء هم أكثر المؤيدين الذين اكتظت بهم ساحة الإعلام الاجتماعي وغالباً هم من الأتباع المُضللَين عن الحقائق. التأييد الثاني وهو الأخطر ويمثله مجموعة من المتمرسين وأصحاب الفكر ومعتنقي التنظيم بشكل كامل وهؤلاء عملوا خلال العقود الماضية على مستويين من خلال مواقعهم المجتمعية وعدد أتباعهم وعبر استثمار مواقعهم كعاملين في أجهزة المجتمع هذا المستوى يتمثل عناصره في قدرتهم على استثمار المد الصحوي على انه شكل من أشكال التجديد في المسار الديني ولكن واقعه أثبت أنه مسار تنظيم سياسي يعتمد على العمل داخل أروقة المجتمع بمقومات وحماية اجتماعية كاملة. في مجتمعنا لابد من الاعتراف بأن كمية الجهل في حقيقة التدين الوسطي عالية في المجتمع والسبب هو قدرة التنظيم الصحوي وهو الوجه الناعم للتنظيم الإخواني على اختراق مجتمع يعتنق شعاراً إسلامياً صرفاً، إذن نحن أمام مشكلة لها شقان كاملان من أجل الوقوف على حقيقة وجود التأييد لتنظيم الإخوان ولماذا هذا التنظيم مع أن المجتمع يعتبر أكبر المجتمعات تحدثاً عن الإسلام وحماية لمقدساته ورعاية لها: إذن أين تكمن مشكلة هذا التناقض في فهم الواقع الاجتماعي ولماذا تم تضليل الكثير من الأفراد من قبل ظاهرة الصحوة بهذا الشكل الذي نراه اليوم..؟. في الواقع إنه من الصعوبة بمكان تحديد جسد تنظيمي للإخوان يمكن الوقوف عليه في المجتمع فطبيعة هذا الجسد التنظيمي تم دمجه بمفاهيم أقل حدة في معانيها مثل الصحوة وغيرها، ولكن على الجانب الآخر فمن السهولة بمكان اكتشاف هذا الجسد بشكله الفكري كما انه يسهل الاعتراف بوجود فئات تابعة لهذا التنظيم ولكن أيضا يجب أن يكون ذلك دون تعسف في تحديد معتنقي هذا الفكر من عدمه لأن الواقع أثبت أن الكثير من الاتباع تنقصه معرفة الحقيقة هذا بالإضافة إلى التداخل المرتبك في المجتمع بين مفهوم التدين ومفهوم التحزب. التجربة الفاشلة لتنظيم الإخوان للإدارة السياسية في مصر وغيرها كشفت لنا هشاشة التأصيل في هذا المجتمع في المعرفة الدينية المرتبطة بالفكر السياسي حيث لاحظنا أنه من السهل التأثير المباشر على الفئات المجتمعية تحت غطاء ديني وكان المحتمل أن تكون المعرفة الدينية في المجتمع مبنية على أسس مختلفة نظراً لمكانة المجتمع الدينية في العالم بالإضافة إلى وجود الحرمين الشريفين وهذا ما يخول المجتمع أن يكون مصدر إشعاع وليس متلقياً من الخارج. نجاح تنظيم الإخوان في اختراق المجتمع له أسباب فكرية وفلسفية يجب أن نكشفها كي نتلافى نشأة هذا التيار من جديد تحت الرماد الاجتماعي بالإضافة إلى إيجاد علاج حقيقي وفعال لمتلازمة تأييد الإخوان وهذا يتطلب تغييراً في فلسفة التعليم الديني وخاصة الخطاب التربوي الذي يتلقاه الطلاب حيث إن المتابع لمخرجات هذا النوع من التعليم يدرك أن مخرجات التعليم الديني في المدارس وغيرها يغلب عليها فكرة الفصل بين الأمور من خلال قضية واحدة هي (حلال وحرام) وهذا لا يعني عدم وجود فكرة الحرام والحلال ولكنه يعني فكرياً وجهاً آخر لابد من معرفته في تحديد ما هو الحرام وما هو الحلال. انتشار فكرة الحلال والحرام بهذا الشكل المطلق جعل الكثيرين يرون الحياة وتقييمها بهذا المفهوم المرتبك وهذا يعتبر أخطر المنتجات التي خلفتها لنا الصحوة وكما يقول الدكتور عبدالله الغذامي "الفتوى رأي في الدين وليست رأي الدين" وهنا نعود إلى أزمة التابعين الذين رأوا في الأفكار التي طرحتها الصحوة ومفكريها من خلال المنظور القاطع للحلال والحرام. إن الرؤية التي ساهمت في نشر الفكرة الإخوانية تحت منظومة ناعمة أطلق عليها الصحوة تتمثل في الحدة القاطعة في رؤية الحقيقة الدينية وفرض هذه الرؤية دون نقاش وهذا ما يجعل المجتمع مليئاً بالمشجعين والجماهير الهاتفة للرأي الوحيد وهذا خلق إشكالية فلسفية بحيث قسم المجتمع إلى فئات تتحدث باسم الدين كوكيل شرعي وفئات تتخذ لها آراء دينية صحيحة ولكنها مختلفة عن السائد فلذلك تمت مصادرتها. هذه الثلاثة عقود الماضية أنتجت لنا الراي الواحد والحلال والحرام الواحد والشيخ الواحد والفكر الواحد وهذا ما جعل المجتمع فريسة سهلة للراغبين في البحث عن الجماهير الذين يتحدثون لغة واحدة ومفهوماً واحداً، بعبارة أخرى علينا العودة إلى الأسس التي بني عليها التراث في مجتمعنا وتخليصها من فكرة المسار الواحد كما علينا الانطلاق من الأسس التي بني عليها الدين والمتمثلة في أركانه الأساسية بعيداً عن فرض الأفكار الشخصية كونها تمثل (الدين نفسه وليس رأياً في الدين).