تساقط المطر بغزارة على مدينة الرياض منذ أيام فتسابق الجميع للحضور به الكترونيا عبر صورة تحمل الشوارع المبلّلة حينًا، وتسخر من استقبالنا له أحيانًا، صورة تنتقد، وصورة تبتهج، وأخرى تتساءل ماذا لو؟! كل هذا طبيعي جدا فالحضور الالكتروني الآن ممثلا بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة يعد منبر الرأي العام والمطر لا يأتي الرياض كثيرا وإلا فإنها ستعد حينها واحدة من أجمل مدن العالم طقسًا.. حيث تتحول هذه المدينة مع الغيم إلى تلّة من سماء وتتشكل بيوتها المرصوفة بحجر الرياض إلى أكواخٍ في قوس قزح ويتبدّل شجرها الشاحب الذي يغتصب النمو طوال العام إلى أغصان خضراء مغسولةً بالربيع.. ويفرّ الزحام العابس من شوارعها حتى وهي تغرق أحيانا بشبر غيم..! هذه صورة للمدينة الفطرية فينا وهي أكثر ما نقف عنده كلما جاءنا المطر ندّعيها أو نفترضها أو حتى نتعشّمها، لكنّ أكثر الفرحين بالمطر ليسوا إلا المتظلّلين بالغيم من نوافذهم أو الخارجين إلى البرّ يسألون الرمل عن سرّ تعلّق أبصارهم بالسماء، ويهنئون الشجر المتصحّر والمتشبث بالحياة فيه بعام آخر للبقاء.. نحن حتى ونحن نسكن المدينة المرصوفة التي يربكها المطر لايزال يسكننا ذلك البدوي الذي رهن خطوته للمطر يتنقل وراءه أينما يكون ويستمد من حبّاته المتناثرة الحياة، لهذا لاتعبرنا أيام المطر بعاديّة كغيرنا من الذين اعتادوا وتغلبوا عليه وصادقوه، ولن نخاصمه يومًا أو نصدّ عنه حتى لو جاءنا على هيئة كارثة كما حدث في جدة منذ أعوام، كما أننا لن نستطيع استيعاب حضوره المختلف فينا وقد اعتدنا منه زياراتٍ خفيفة بين عام وآخر... حتما حزنت كغيري لبعض الصور المرئية المتناقلة لطلاب مدرسة أغرق المطر قاعات اختباراتهم، أو حتى إحصاءات الوفيات منه في مناطق المملكة المختلفة لكنني في الوقت ذاته لست إلا ذلك البدوي الذي يصغي لصوت حباته من النوافذ ثم يستعيد فيه ليله القروي فيسهر معه طوال الليل يراجع قائمة ذكرياته، وحين يأتي الصباح ينقم على الشوارع احتفاظها مثله ببعض ذكرياتها معه.! لن نكره المطر حتى ونحن لا نجيد استقباله أو لم نعتد على عناقه دائما! فاصلة: حين يأتي المطرْ .. وندرك أنا افترقنا كحباته عند هذا الممرْ.. سنسخر من سقطات المرايا ونضحك من هذيان الصور..!