وزير الدفاع يلتقي قائد الجيش اللبناني    "روشن" تضع حجر الأساس لمجتمع "المنار" في مكة المكرمة    خادم الحرمين يتلقى رسالة من الرئيس الروسي.. القيادة تعزي رئيس أذربيجان في ضحايا حادث الطائرة    المملكة تعزز الأمان النووي والإشعاعي    أسعار النفط ترتفع.. برنت فوق 74 دولاراً    الصين: اتجاه لخفض الرسوم الجمركية على مواد معاد تدويرها    الثقة الدولية في المملكة    محلات الرحلات البرية تلبي احتياجات عشاق الطبيعة    أحلام عام 2025    استنكرت استمرار الانتهاكات لباحات الأقصى.. السعودية تدين حرق الاحتلال لمستشفى بغزة والتوغل في سوريا    المملكة تدعم اليمن اقتصادياً ب500 مليون دولار    المسند: اخضرار الصحراء وجريان الأنهار ممكن    واتساب تختبر مزايا ذكاء اصطناعي جديدة    تغلب على المنتخب العراقي بثلاثية.. الأخضر يواجه نظيره العماني في نصف نهائي خليجي«26»    السعودية تحصد ثمار إصلاحاتها ورؤيتها الإستراتيجية    الجماهير السعودية تحتفل بتأهل الأخضر لنصف نهائي «خليجي 26»    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من بوتين    في المرحلة ال 19 من الدوري الإنجليزي.. ليفربول في اختبار وست هام.. وسيتي لإيقاف نزيف النقاط أمام ليستر    رئيسة الاتحاد السعودي للريشة مي الرشيد: أشكر وزير الرياضة وسنعمل بروح الفريق    «الهويات» تقلق سكان «زاهر مكة»    مبادرات تطوعية    ضبط أكثر من 23 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    «عزف بين التراث والمستقبل».. متحف طارق عبدالحكيم يحتفي بذكراه السنوية الأولى    "الرياض آرت" يُعلن مشاركة 30 فنانًا من 23 دولة في ملتقى طويق الدولي للنحت    من دفتر الأيام: مشوار في قصرغرناطة بأسبانيا    في إطار الجهود المبذولة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.. إطلاق فعالية «ليالي الفيلم الصيني»    يوم ثقافي لضيوف برنامج خادم الحرمين    تقدير دعم المملكة لقيم الاعتدال حول العالم    ضيوف "برنامج خادم الحرمين" يزورون مصنع الكسوة    طريقة عمل بسبوسة السينابون    أحد رفيدة وزحام العيادات.. مطالبات بمركز متخصص للأسنان    5 سمات شخصية تميز المتزوجين    طريقة عمل شيش طاووق مشوي بالفرن    5 آلاف خطوة يوميا تكافح الاكتئاب    الحرب العالمية الثالثة.. !    ماسك يؤكد دعمه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف    المنتج الإسباني غوميز: «الجمل عبر العصور» جدير بالحفاوة في أي بقعة من الأرض    قائد "الأخضر" سالم الدوسري يحصل على جائزة رجل مباراة السعودية والعراق    شولتس: لا أنام إلا قليلاً رغم أني من محبي النوم لفترة طويلة    المنتدى السعودي للإعلام يطلق معسكرًا لتطوير الإعلام السعودي بالذكاء الاصطناعي    من الشهرة إلى الثروة: هل نحتاج إلى رقابة مالية على المؤثرين؟    «الفنيلة والسروال» والذوق العام    المطار.. عودة الكدادة !    القيادة تعزي رئيسة الهند    منصة X: الطريق إلى القمة أو للقاع    الصقور تجذب السياح في الصياهد    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.494 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في إدلب السورية    ضبط 6 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    اللغة العربية كنز خالد    «حمام الحرم» يستوقف المعتمرين    "الإسلامية" تؤهل الأئمة والخطباء والدعاة في تايلند    سعود بن جلوي يتوج الفائزين في «تحدي غرس القيم»    911 نموذج مثالي لتعزيز الأمن والإنسانية    الأخضر السعودي يتغلّب على العراق بثلاثية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    أمير القصيم يرعى حفل جائزة الذكير لتكريم 203 طلاب متفوقين    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤتمر لندن .. الواجبات والاستحقاقات الداخلية
نشر في الرياض يوم 09 - 02 - 2010

ما خرج به اجتماع لندن حول اليمن الذي عُقد يوم 27يناير الماضي، أنه حمل معاني ومضامين ودلالات، جسدت مدى استيعاب المجتمع الدولي للأسباب والعوامل الحقيقية التي تقف وراء التحديات التي يواجهها اليمن.. مدركاً الأبعاد الناجمة عنها، وتأثيرها على المصالح الدولية في هذه المنطقة الحيوية من العالم، لذا كان موقف المشاركين فيه هو الدعم والتأييد لأمن واستقرار ووحدة اليمن، ولجهود التنمية والبناء، ولأجندة القيادة السياسية والحكومة الإصلاحية في مساراتها السياسية والاقتصادية والأمنية.
فكان هذا اللقاء بمثابة الرد الحاسم لكل التخرصات والتكهنات التي ذهبت إليها تلك العناصر المدفوعة بنزعاتها الحزبية المعادية للوطن ، ودعاة المناطقية الجهوية الانفصالية، ولم تُجد في هذا الاتجاه حملاتها الإعلامية والتي حاولت من خلالها الإساءة إلى النهج الديمقراطي التعددي لليمن.
في هذا السياق من المهم الإشارة إلى الرد الواضح والصريح والحاسم الذي حملته تصريحات وزير الخارجية البريطانية ووزيرة الخارجية الأمريكية، المؤيدة لوحدة اليمن واستقراره، وديمقراطيته، وهذا المعنى بالغ الدلالة في كلمة السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية والتي دحضت فيها كل الافتراءات التي أرادت النيل من اليمن وتشويه صورته ونظامه السياسي التعددي بقولها (إن من يريد التغيير في اليمن عليه اللجوء إلى صناديق الاقتراع والالتزام بالأسلوب الديمقراطي المسؤول لتحقيق ذلك التغيير).. وهو ما أوجب على أولئك المرضى بتلك النزعات ان يعودوا إلى صوابهم ويعوا أن حساباتهم خاطئة ورهاناتهم فاسدة ولا يمكن أن يكون الوطن وقيادته السياسية ودول المنطقة والعالم على خطأ، وهم على صواب، وعليهم أن يفهموا قبل فوات الأوان أن الوحدة محروسة بإرادة الله ثم إرادة هذا الشعب الحضاري العظيم الذي يقف أشقاؤه وأصدقاؤه معه في التغلب على الفتن ، وكل تلك النزعات الانفصالية المرتكزة على ثقافة الكراهية، فاليمن كبير وقوي بوحدته ونهجه الديمقراطي، وقادر بتراص واصطفاف أبنائه على الانتصار على كل التحديات وتجاوز الصعوبات ومواصلة مسيرة نهوضه وتقدمه وبناء الحاضر المشرق والغد الأفضل، وتجاوز التداعيات المحتملة لاسيما في هذه الظروف التي يواجه فيها وطننا اليمني العديد من الإشكالات المركبة والمزمنة، أكثر من أي وقت مضى والمخاطر والمشاريع التآمرية والتفكيكية واحتمالات التدخلات الخارجية المباشرة وغير المباشرة، التي لا يمكن التنبؤ بتبعاتها واحتمالاتها السلبية الخطيرة ، فهناك أطراف عدة داخلية وخارجية مابرحت تعمل بوسائل وأساليب متعددة بهدف إجهاض المعالجات التي تتخذها الحكومة والقيادة الوطنية للخروج بالبلد من عنق الزجاجة، وتحرص على الدفع بالأمور نحو المزيد من التدهور واستكمال -ما تعتقده- عوامل وشروط الانتقال بالأوضاع في اليمن نحو مرحلة التحول النوعي الشامل باتجاهه السلبي المدمر.. ومما يؤسف له أن بعض الأطراف السياسية الداخلية تتحين مثل هكذا لحظة وتسعى للتعجيل بالتداعيات السلبية باتجاه ما تعتقده التخلص من النظام السياسي الحاكم وخلق الأرضية الوطنية المواتية سياسياً واجتماعياً وإقليمياً ودولياً لإقامة سلطاتها على أنقاضه وبالتالي تنفيذ أجندتها ومشروعها السياسي الذي ناضلت طويلاً من أجل تحقيقه، متجاهله أن مثل هكذا تطلعات غير مشروعة وغير سوية وبوسائل الأزمات سيكون ثمنها حاضر ومصير الوطن ومستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها.
ما بعد مؤتمر لندن:
التداعيات السلبية للأوضاع في اليمن بلغت مرحلة مقلقة جداً لدول المنطقة والأسرة الدولية بشكل عام، وقد عُبر عنها بوضوح في مختلف وسائل الإعلام بأشكال وأساليب وقناعات وصور مختلفة ومتباينة في دوافعها وحساباتها وأهدافها ووسائل التعاطي معها ومعالجتها، وبالرغم من هذا الاختلاف والتباين إلا أن هناك حقيقة واحدة تؤكد أهمية هذا البلد بالنسبة للمصالح الإستراتيجية والأمن والاستقرار الإقليمي والدولي؛ وهو الأمر الذي تجلى بوضوح ودقة متناهية من خلال التصريحات والاهتمامات الرسمية للعديد من قادة دول العالم الذين جعلوا اليمن في مقدمة أولوياتهم السياسية والأمنية، وقد مثل مؤتمر لندن أحد مظاهر هذا الاهتمام الدولي الرسمي باليمن، وشكل في الوقت ذاته استجابة عالمية لجهود القيادة اليمنية في حشد التأييد الدولي ونجاحها في تكوين وانتزاع موقف دولي موحد يصب في خدمة أجندتها الوطنية على مختلف الأصعدة الاقتصادية والتنموية والسياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب بشتى صوره وأشكاله وشعاراته.
ما من شك أن مؤتمر لندن قد جسد حقيقة الشعور بالمسؤولية الإقليمية والدولية إزاء الأوضاع اليمنية وإزاء الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي؛ وهذه المسؤولية نابعة من واقع اقتناعهم بطبيعة الشراكة السياسية والاقتصادية والأمنية التي تربطهم باليمن، وعدم السماح أو القبول بأي تدهور أو انحدار نحو مرحلة الفشل والانهيار الذي يمثل في حساباتهم المستقبلية أشبه بانفجار برميل من البارود تحت بحيرة النفط الدولية وقنوات وخطوط نقله..
مؤتمر لندن الذي لفت نظر العالم إلى حقيقة الإشكال والأوضاع اليمنية المعقدة ووضع تصورا لبحث وتحليل مصادرها وأسبابها الحقيقية وضرورة معالجتها، أقر في الوقت ذاته بصوابية الخيارات الوطنية والنهج الواقعي الذي تتعاطى به القيادة اليمنية مع إشكالاتها الداخلية، وأكد على أهمية دعم هذه الخيارات وهذا النهج في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية وتوفير التمويل المادي اللازم لنجاحها وهذا ما نص عليه البيان الختامي للمؤتمر الذي نص على: (وقد عاود هذا اللقاء التأكيد على وحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله. والالتزام بعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وكان من الواضح أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي تمضي به الحكومة اليمنية يعتبر أساساً للاستقرار والرخاء على المدى الطويل.. وتم الاتفاق على ضرورة اتباع نهج شامل وبدعم قوي من المجتمع الدولي).
كما أن مؤتمر لندن مثّل محطة مهمة في مسيرة التعاون والشراكة بين اليمن والدول المانحة والداعمة له، وهذا المؤتمر الذي شكل فرصة لهؤلاء الشركاء للتعبير العلني المشترك عن مدى قلقهم من شأن التحديات التي يواجهها اليمن منذ فترة ليست بالقصيرة وما آلت إليه أوضاعه العامة وبالذات الوضع الاقتصادي الضعيف وما يترتب عنه في حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني وهشاشة في بنية الدولة وتحولها التدريجي إلى بيئة رخوة مواتية لشيوع الفساد والتطرف والإرهاب، ودافعة لقطاع من الشباب باتجاه التشدد، وبالقدر ذاته عبر هؤلاء عن استعدادهم لدعم اليمن ومساعدته في معالجة إشكالاته، واحترامهم لوحدته وسيادته واستقلاله وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وتبنت العديد من الأطراف المشارِكة مبادرة إنمائية موضوعيه على مدار السنوات المقبلة.. هذا الموقف الدولي الداعم لجهود الحكومة اليمنية، تضمن أيضاً رؤية الأطراف الداعمة بالآليات والوسائل التي من خلالها يتم تحقيق الأهداف المرجوة من هذا الدعم.
في مؤتمر لندن نجحت الحكومة اليمنية ليس فقط في احتواء الكثير من المخاطر والتهديدات ومشاريع التدويل والتدخلات العسكرية المباشرة التي كان البعض في الداخل وفي الخارج يتمناها لوطننا، ولكن أيضاً في إيجاد وصياغة رؤية دولية مغايرة لما كانت تروج له وتدفع إليه بعض وسائل الإعلام، وانتزاع موقف داعم ومؤيد لها وبالتالي خلق الأجواء والآليات والموارد المختلفة التي تمثل في مجملها شروطاً وعوامل ضرورية مهمة وفاعلة في مساعدة اليمنيين على معالجة مشاكل وأزمات وطنهم.
مؤتمر لندن مثل بكل المقاييس محطة مهمة وقوة دفع ضرورية لعملية الإصلاحات الاقتصادية والسياسية؛ ويعتبر شرطاً موضوعياً مهماً لنجاح المعالجات المطلوبة خلال المرحلة القادمة، والمطلوب منا كيمنيين أن نرتقي بتفكيرنا ومواقفنا وسلوكنا إلى مستوى التحديات التي يواجهها وطننا، وأن لا نفوت مثل هذه الفرصة التاريخية وهذا الموقف والاهتمام الدولي بشؤون اليمن، وأن نكون حريصين على تحويلهم إلى شركاء فاعلين في مساعدة بلدنا على الخروج من أزماته وإشكالاته المعقدة.
مؤتمر لندن هو إحدى الوسائل الفاعلة لإنقاذ اليمن، والخارج لا يمكن له أن يكون بأي حال من الأحوال وتحت أية ظروف بديلاً للعب دور اليمنيين أو أن يحلّ مكانهم باعتبارهم المعنيين والمسؤولين أولاً وأخيراً عن معالجة قضايا وطنهم، ولا تفوتنا حقيقة أن الخارج يتعاطى مع وقائع وأحداث اليمن من منظور مصالحه وأمنه، وأي شكل من أشكال العجز أو الفشل يظهر من قبلنا نحن اليمنيين في استثمار هذا الدعم سيفتح المجال واسعاً أمام التدخلات الخارجية والقرارات الدولية والمشاريع والخيارات الانتقائية التي تعالج مشاكل وطننا بمعزل عنا وضد إرادتنا ومصالحنا، وتجعله عرضة للتمزيق والتفتيت الممنهج.
التطورات والتداعيات السلبية المتسارعة التي شهدتها الساحة ما قبل مؤتمر لندن، وما تمخض عنه من نتائج إيجابية، سيكون البديل عنها سيناريوهات تدميرية تفكيكية ، ولن نكون مبالغين حين نقول إننا أمام معطيات محلية وإقليمية ودولية استثنائية ومعقدة وضعت شعبنا ووطننا أمام مفترق طرق وخيارات مصيرية، إما أن يكون أو لا يكون.. إما أن يظل وطننا حراً قوياً ومستقراً وموحداً وديمقراطياً يواصل مسيرته في ركب التقدم والازدهار الحضاري، وإما أن يتحول إلى واحة مفتوحة لقوى الإرهاب والتطرف والتدخلات والوصاية الخارجية، ويتحلل إلى كنتونات وإمارات عشائرية وقبلية متناحرة يحكمها أمراء الحرب وتجارها، وبالتالي يختفي لأجل غير مسمى شيء اسمه اليمن من الخارطة الجيوبولوتيكية العالمية.
الاستفادة من التجارب الفاشلة:
يبدو من خلال التجارب الماضية ان القيادات الحزبية وتلك الجماعات التي تعتبر نفسها طليعة المجتمع، تتميز بسمات العجز في استقراء واستثمار اللحظات والفرص التاريخية النادرة والمواتية التي تتوفر فيها الكثير من الشروط والممكنات الموضوعية (محلياً وإقليمياً ودولياً) لتجنيب الوطن الأزمات.. ومن ثم التوجه نحو معالجة الكثير من إشكالاته وصعوباته، واتضح أن الكثير من رجال السياسة وقادة الأحزاب المعارضة أكثر براعة من المرابي اليهودي في مسرحية (شكسبير) (تاجر البندقية) وبالذات فيما يتعلق بأساليب المراباة السياسية بالكثير من قضايا الوطن المصيرية التي ينبغي أن تكون منزهة من أشكال المساومة أو التسويف في المواقف، ولا ينبغي لها أن تخضع لأي شكل من أشكال الابتزاز والمناورات السياسية النفعية ولا مجال فيها لأي حسابات أو معايير حزبية أو ذاتية خارج الحسابات والمصالح الوطنية العليا.
أحد مظاهر الفشل السياسي والديمقراطي المتكرر تجلى بوضوح في عدم الاستجابة لدعوات الحوار الوطني التي وجهها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح لمختلف فرقاء الحياة السياسية اليمنية دون استثناء أكثر من مرة ، وفي مختلف المراحل وإزاء مختلف القضايا، والتي كان آخرها دعوته للحوار عشية العام الهجري الحالي وجددها عشية العام الميلادي 2010م، وعدم الاستجابة للحوار وبراعة البعض في إجهاض الفكرة قبل ولادتها، واعتماد نهج صناعة الأزمات بدل معالجتها، أضاعت على الوطن فرصاً تاريخية كان يمكن لها أن تسهم في معالجة الكثير من الإشكالات قبل استفحالها وتطورها، والتغلب على الكثير من التداعيات التي توالدت عن بعضها البعض وفق مسلسل عنقودي متواصل.
رفض الحوار فوّت على الشعب محطات تاريخية كانت مواتية لأن يلتقي فيها جميع أبناء الوطن -سلطة ومعارضة- على كلمة سواء يطوي على أثرها فرقاء الحياة السياسية صفحات ماضيهم السوداء بكل سلبياتها وأخطائها ومآسيها، وما يؤسف له أن كل دعوة للحوار تحولت عند البعض إلى وسيلة للمزيد من الفرقة والتباين، وكان حرياً بهم أن يستغلوا مثل هذه المحطات للعودة إلى الوطن والتصالح معه، والاعتذار له عن مآسٍ وأزمات كانوا ضمن صنّاعها ولازالوا، ويستسمحوا الشعب عن كل ما أصابه من أضرار ناتجة عن ممارساتهم السياسية الخاطئة ومحاولاتهم التضليلية والاستغلالية لخدمة مشاريعهم ومصالحهم الحزبية الأنانية الضيقة، وان يقفوا عند جراحات الوطن لتضميدها بالحوار والتحاور الوطني المسؤول ، والكف عن المزيد من إنكائها بالمكابرة والمكايدة السياسية الكاذبة والنرجسية الحزبية الخادعة.. كم كان حرياً بهم أن يعيدوا الاعتبار للجماهير والاستجابة لتطلعاتها والانصياع لمصالحها وإرادتها، والكف عن حالة الوهم الكاذب باستغفالها أو تزييف وعيها وإلغاء دورها في التاريخ ما لم يكن مسخراً لخدمتهم كرموز سياسية وحزبية.
لقد علمتنا دروس وتجارب التاريخ السياسي الوطني، أن اليمن حين يكون ضيقاً وعاجزاً عن استيعاب أبنائه متناقضين ومتصارعين ومتحاربين، فإن طاولة صغيرة تكون أكثر قدرة على استيعابهم متحاورين، وأن اعقد المشاكل التي يستعصي حسمها وحلها بوسائل الصراع والتضاد التناحري، يمكن إذابتها وتحليلها في بوتقة الحوار، ولكن وكما يبدو فإن فرقاء العملية السياسية الراهنة لم يدرسوا التاريخ أو أنهم نسوا أو تناسوا هذه الحقيقة الوطنية التاريخية، الأمر الذي جعلهم غير قادرين على استغلال اللحظات التاريخية المواتية للانتصار للوطن، بتعزيز وحدتهم الوطنية وتجذير تآخيهم والارتقاء بواجباتهم الوطنية ومسؤولياتهم التاريخية إلى مستوى التحديات والمخاطر الشاخصة أمامنا أو التي لم تظهر بعد "على شاشات الرادار"..
إن تجاهل الدعوات إلى الحوار من قبل أحزاب المعارضة، أو السعي الدائم لإجهاضها، أو وأدها تحت أنقاض يافطة من الشعارات السياسية التبريرية والمطالب التعجيزية والاشتراطات المسبقة غير المقبولة وطنياً وغير الممكنة عملياً، مثّل على الدوام خطأً سياسياً استراتيجياً، حال حتى الآن دون تمكن المجتمع من صياغة رؤية جمعية للتعاطي مع إشكالات اليمن، وتقديم حلول إبداعية خلاقة، وتحديد وسائل وآليات عمل جديدة تمكنه من تجاوز تحدياته المختلفة.
وإذا ما استقرأنا بواقعية وحيادية الدعوة إلى الحوار التي أطلقها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بالتزامن مع بداية العام الهجري (1431ه) نجدها مثلت استجابة لحقائق التاريخ واحتياجات الوطن المعاصرة والمستقبلية، كما أن تطورات الأحداث ووقائعها الحالية أكدت صوابية رؤيته واستقرائه المبكر لمخاطرها وتداعياتها اللاحقة، وقبل ظهورها على السطح حيث وجه دعوته لكل فرقاء العملية السياسية اليمنية لتحمل مسؤولياتهم الوطنية في صيانة هذا الوطن والحفاظ على مكاسبه وإنجازاته باعتبارها ملكاً لكل الأجيال.
دعوة الرئيس للحوار جاءت في مرحلة تاريخية عصيبة واليمن في مسيس الحاجة إلى اصطفاف وطني واسع وحوار مسؤول ومواقف شجاعة تحت مظلة الثوابت الوطنية، والوقوف في خندق مشترك للانتصار للوطن ووحدته ونظامه الديمقراطي ضد تحالف قوى الظلام الكهنوتي الإمامي والإرهاب القاعدي المستشري ودعاة التمزق والتشطير وكل الفاسدين المتاجرين بمصالح الوطن وأمنه واستقراره.
دعوة الرئيس للحوار مثل غيرها من الدعوات الكثيرة التي سبقتها اصطدمت حينها بجدار صلب من الممانعات السياسية التي صنعها فرقاء الحياة السياسية اليمنية بأخطائهم وجمودهم الفكري واعتمادهم أساليب المساومة والمتاجرة الرخيصة بقضايا الوطن، ووجد البعض هذه الدعوة وسيلة مشروعة من وسائل الابتزاز السياسي لجني المكاسب الحزبية، والبعض الآخر وجد في الدعوة والحوار شكلاً من أشكال المجابهة والصراع غير المتكافئ بين السلطة والمعارضة من اجل المصالح الذاتية والحزبية والنفوذ السياسي أو الاجتماعي، ما يؤسف له حقاً أن يتعاطى السياسيون مع قضايا الوطن من منظور قناعات ومواقف ومصالح ذات طابع شخصي تحكم وتتحكم بمواقفهم ورؤاهم السياسية العامة التي يحاولون فرضها على الآخر وتسويقها إلى الرأي العام بلبوس وشعارات وطنية عامة، وأضحت المناكفات وردود الفعل الشخصية والمزايدات السياسية والصراعات الحزبية هي التي تحكم العقل والفعل السياسي على الساحة الوطنية الذي ظل يراوح ضمن دائرة القضايا والرؤى الضيقة التي لا تتجاوز أرنبة أنف الحسابات الذاتية وفي أحسن الأحوال الحزبية، الأمر الذي دفع الوطن بشكل قسري إلى أتون التباين الحاد والخلافات الثانوية الدائرة رحاها بين مختلف عناصر ومكونات البناء السياسي والاجتماعي للدولة التي تم اختزالها عمداً بين السلطة (الحزب الحاكم) والمعارضة (أحزاب اللقاء المشترك) دون غيرهما من القوى الاجتماعية السياسية.
من الصعوبة بل من المستحيل أن تنجح اليمن في التغلب على إشكالاتها دون دعم خارجي فاعل وقوي.. لكن الشرط الحاسم لهذا النجاح مرهون باليمنيين أنفسهم وقدرتهم على معالجة مشاكل وطنهم.. ومثل هكذا مشاكل وتحديات ومخاطر لا يمكن مجابهتها من قبل الحكومة أو الحزب الحاكم وحده فيما يستمر الطرف الآخر المتمثل بالمعارضة متقوقعاً خارج دائرة الفعل الوطني المثمر وبعيداً عن المشاركة المباشرة في تحمل واجباته ومسؤولياته الوطنية ومنساقاً في مشاريعه وتوجهاته السياسية العملية باتجاهات خاطئة وتدميرية وضد مصالح الوطن والشعب، مبررين مواقفهم بخطاب سياسي إعلامي تضليلي يتعمد الخلط بين الوطن والحزب الحاكم.. أو يختزل أحدهما في الآخر، ويربطهما بعلاقة جدلية سببية غير بريئة في أهدافها، هذا الخطاب يحاول أن يقنع الجمهور بأن فشل الدولة هو فشل السلطة، وان انهيار البلد هو انهيار للنظام، وان نجاح الحكومة في حشد الدعم الدولي لليمن يصب في مصلحة السلطة وليس في مصلحة اليمن وكذلك العكس، ومثل هكذا خطاب سياسي إعلامي وقناعات ومواقف تحكمها تطلعات سياسية سلطوية غير مشروعة يحاول أصحابها بلوغها عبر بوابة الفشل الوطني والتحول السياسي القسري أضر كثيراً بمصالح الوطن.
القضية المحورية الشاخصة أمامنا اليوم كيمنيين تتمحور في التعاطي الايجابي المثمر مع المواقف والمتغيرات الدولية من حولنا، وأن نلتقط هذه اللحظة التاريخية التي أنتجها مؤتمر لندن، ونجعل منها مناسبة لتوحيد وحشد جهودنا ومواقفنا في مواجهة التحديات والاستحقاقات الوطنية، والحفاظ على سلامة سفينة الوطن التي تقلنا جميعاً والإبحار بها وسط العواصف الهوجاء التي تضربها من مختلف الاتجاهات، وتوفير ضمانات وشروط وصولها إلى بر الأمان، ومفتاح النجاح في هذه القضية يتمثل في قدرتنا كيمنيين على تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز تماسكها ومتانة وقوة وحدتها الوطنية الاجتماعية والسياسية، وخلق حالة من الفرز الوطني الواضح والدقيق، وفق خيارين لا ثالث لهما بين من يقف مع الوطن وسيادته ووحدته، ومن يقف في الاتجاه المغاير أو المضاد، ولا شك من أن فرز وتحديد قوى الفعل الوطني والقوى المضادة لها، في مثل هذه الأجواء السياسية المشوشة وفي ظل تشتت فعلها وقاعدتها الاجتماعية إلى جبهات وولاءات قبلية وحزبية وجهوية ومذهبية متعددة ومتناقضة، يمثل حتمية تاريخية وضرورة وطنية لابد منها لخلق كتلة وطنية تاريخية من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي وخوض هذه المعركة الوطنية المصيرية وفق برنامج إنقاذ وطني عام ورؤية وحدوية جامعة.
وستظل دعوة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح للمؤتمر الوطني للحوار المفتوح القاعدة الرئيسة والمنطلق السليم والأداة العملية لتشكيل هذه الكتلة التاريخية وبناء جبهة وطنية عريضة تناط بها مهمة قيادة وتوجيه وخوض هذه المعركة المصيرية والانتصار للوطن.
* رئيس تحرير
صحيفة 26 سبتمبر اليمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.