من المواقف التي يصعب وصفها موقف الوداع.. "الوداع" تلك الكلمة التي قد تنطق من الموادعين، وقد لا تنطق، وإنما سيناريو الموقف ينطقها كثيراً، وكثيراً جداً.. وأصعب الوداع هو ما يكون بعد العشرة الجميلة بين الأحباء، تكون مثل من ودّع ميتاً، فهو لا يرجى لقاؤه أبداً في هذه الحياة التي لا ينغص جمالها إلا مثل هكذا موقف أقل ما يتصف بالفاجعة التي تغيّر من نفسية الإنسان في حياته، وقد يمتد لبقية العمر.. تمتد قسوته في الأماكن والأزمان التي تعيش ذكراه المؤلمة في الذاكرة التي تضيع وتضيع وهي مازالت مكانها.. أضْحَى التّنائي بَديلاً مِنْ تَدانِينَا وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا ألاّ وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبّحَنا حَيْنٌ فَقَامَ بِنَا للحَيْنِ نَاعيِنَا مَنْ مبلغُ الملبسِينا بانتزاحِهم حُزْناً معَ الدهرِ لا يبلى ويُبْلينَا غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا بأنْ نَغَصَّ فَقالَ الدّهر: آمينَا فَانحَلّ ما كانَ مَعقُوداً بأَنْفُسِنَا وَانْبَتّ ما كانَ مَوْصُولاً بأيْدِينَا وَقَدْ نَكُونُ وَمَا يُخشَى تَفَرّقُنا فاليومَ نحنُ ومَا يُرْجى تَلاقينَا الوداع كما قرأنا.. يشكّل وقفة من وقفات الحياة.. ولكن الوقفة أحياناً تكون مثل الوحش الجامح الذي قيّد بالقيود الحديدة الثقيلة والشديدة، ينتفض انتفاضة قويّة، كي يعرف سبب كل ماحصل له، أو شيء يتسلى به على الأقل، يريد الحقيقة في كليهما مهما كانت قاسية.. مهما كانت جارحة.. مهما كانت مبشّرة.. مهما كانت خيّرة.. مهما كانت متناقضة.. مهما كانت هاوية، ويتمثّل في قصيدة ابن زريق البغدادي في زوجته التي تعدّ من عيون الشعر العربي. عبدالمحسن بن سعيد لا تعذليه فإن العذل يولعه قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه جاوزت في لومه حدا أضرّ به من حيث قدرت أن اللوم ينفعه فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا من عذله , فهو مضني القلب موجعه يكفيه من لوعة التأنيب أن له من النوى كل يوم ما يروعه ما آب من سفر إلا وأزعجه عزم إلى سفر بالبين يجمعه كأنما هو في حل ومرتحل موكل بفضاء الله يذرعه حتى قال: أستودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وإني لا أودعه وكم تشفع بي ألا أفارقه وللضرورات حال لا تشفعه وكم تشبث بي, خوف الفراق, ضحى وأدمعي مستهلات وأدمعه حتى قال: ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني به, ولا أن بي الأيام تفجعه حتى جرى البين, فيما بيننا, بيد عسراء تمنعني حظي وتمنعه بالله - يا منزل العيش الذي درست آثاره وعفت مذ بنت أربعه هل الزمان معيد فيك لذتنا أم الليالي الذي أمضته ترجعه؟ وختم قوله: عل الليالي التي أضنت بفرقتنا جسمي - ستجمعني يوما وتجمعه وإن تغل أحدا منا منيته فما الذي بقضاء الله نصنعه كما قال بدر بن عبدالمحسن: وليله كانت الفرقا.. وقالت لي: ف أمان الله وليله ذكرها يبقى.. على جرحي.. و لا أنساه وجت تاخذ رسايلها.. وخصله من جدايلها وتديني جواباتي بقايا عمر بسماتي.. وقالت لي: ف أمان الله في ليله كنها الليله.. عرفتك بسمتي وفجري وليله زي ذي الليله وهبتك في الأمل عمري.. ويا ليت البسمه ما كانت ولا الاحساس وياليت الدنيا خانتني و كل الناس.. ولا خنتي هواي انتي.. ولا قلتي: ف أمان الله لا تردين الرسايل ويش اسوي بالورق.. وكل معنى للمحبة ذاب فيها واحترق لو تركتيني في ليلة بسمتك عند الرحيل دمعة العين الكحيله عذرها الواهي دليل.. وليله كانت الفرقا.. وقالت لي: ف امان الله الوداع قد يكون هو الحل الأمثل والأفضل لكلا الطرفين، ولا مانع أن يكون نتيجة يضعها الطرف الثاني للجفاء الذي حصل من الطرف الأول، والذي أبدى استعداده الكلي لتلك النتيجة.. هنا يكون الوداع وداعاً هادئاً بسبب ظروف قاسية تحتّمت على الجافي كي لايجرح الحبيب.. لأن لحظة الوداع مريرة، لا سيّما حين يكون الجافي قد فهم الرسالة من قبل، وأنه أصبح غير مرغوبٍ به، هنا ينسحب بهدوء وبكرامة.. الوداع هو الحل الأمثل كما أسلفت، وداع مؤلم حقاً.. قصة حب لم تكتمل.. قصة صراخ في لحظة الوداع.. لحظة الموت.. وداع لم يحظره الحبيبان، وإنما حظرت فيه المشاعر الصادقة.. لنقرأ الوادع في إحساس عبدالمحسن بن سعيد: موادع.. وكل خل جاك يجيه وقت ويوادع موادع.. وكم خل قال بعد فرقاه: راجع أعدّ الوقت بحسابي ليالي واشوف حساب غيري له ثواني غريب الوقت في طبعه يعاند أبي أطويه لكنه طواني حبيبي فارق عيوني ولا جاء تقلب صورته فيني مواجع غريب الوقت ياليته يطاوع يمر يمكن يجي من هو موادع دموعي تطلب عيوني نهايه وجرحي ينزف المعنى قصايد موادع صارت بعمري حكايه وعمري ماخذ أحزاني عوايد حبيبي يقبل وقلبي يهلي يمد ايديه يطلبني أجي له وإلى من جيته ودمعي يهلّي لقيته هاجسٍ مالٍ رحيله عجايب كل هالدنيا عجايب دموع وحزن ومفارق حبايب تسلّي خاطر المحبوب لحظة ويرجع عاشق الأحلام خايب يروح العاشق المجروح يبكي ويشكي وقت في طبعه مخادع صحيح الحب في الدنيا ولكن يعيب الوقت في حبّه مخادع