مازلت أحتفظ برنين ما كتبه رئيس التحرير الأستاذ تركي السديري مخاطباً الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد بقراره الشهير (حماية الشواطئ) فكتب رئيس التحرير منطلقاً من قصيدة لفيروز: شايف البحر/ شو كبير/ كبر البحر بحبك فكان يصف الملك عبدالله بالبحر وبأنه رجل قرار هذا الرنين الكتابي استرجعته وبلادنا مشمولة بقرار الملك عبدالله بزيادة رواتب موظفي الدولة العاملين والمتقاعدين 15٪ وراتب شهر لموظفي الدولة مادون المرتبة الخامسة والعسكريين من رئيس رقباء فما دون أعادني الى رنين آخر أشم منه رائحة التاريخ المعطر بعبق الخزف والفخار المعتق وماضي هذه الأرض عندما كانت عطشى قبل أن تشرب من مياه الخليج الدافئة وخلجان البحر الأحمر. هذه الأرض التي ترطبت قراها اليابسة ورمالها أصبحت مداً من الحقول وسنابل القمح بعد أن كانت دهناء ونفوداً مصفرّاً، وجبالها وهضابها التي كانت حرات من نار ودرعاً بركانياً يعزل الناس عن الماء والشجر أصبحت مصائف تتعاشق مع حبات المطر، وقراها التي كانت مسورة بطين من بطاح الأودية الأحمر ومساكن الصيادين البحرية المشبعة بالملح والكلس أصبحت مدناً قضمت كل جغرافية الأرض.. أعادني ذلك إلى قصيدة مشبعة بتاريخ بناة الحضارة أو قوافل الراحلين من صحرائنا بصوت فيروز: «أهلي وأهلك والحضارة وحدتنا». هذا النزف التاريخي الراعف ما بين: «شايف البحر شو كبير» عندما وصف الملك عبدالله بالبحر وما بين: «أهلي وأهلك والحضارة وحدتنا» هو الذي جدد داخلي ذاكرة الأمس. إن الملك عبدالله في قراراته الأخيرة إطلاق السجناء والعفو عن الليبيين وقرار زيادة الرواتب ودعم قطاع الخدمات بالمليارات وتحسين الوضع المعيشي للمواطن السعودي جميعها تدلل أن الملك عبدالله قارئ فطن لتاريخ الملك المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.. الملك عبدالله مستلهم ومتشبع وبوعي لسياسة الملك عبدالعزيز ومتفحص جيّد لسجل هذه الأرض والأدوار التي عاشتها دولتنا في دولتها الأولى والثانية والكيان الحديث الذي بناه المؤسس. قراءة تاريخ الملك عبدالعزيز كانت حاضرة ومجسّدة وتكاد تكون ملموسة بين يدي الملك عبدالله فتحرك بالطريقة الصحيحة وفتح الحوار بين الناس وجمع الأضداد في الحوار الوطني وجمع المتباينين ومشرق الفكر وغربه ،حاول مزج الفئات الاجتماعية والعرقية في تجربة ناجحة تمثّلت في الحرس الوطني أبناء البادية وأبناء القرى الزراعية وأبناء الساحل والقرى الجبلية وأبناء المدن في جهاز واحد له وحدة وسمات ومهام وظيفية هو جهاز الحرس الوطني... وحرر الاقتصاد من البيروقراطية السلبية ومن رتابة الإجراءات الادارية، ضخ الأموال في خزائن الوزارات والقطاعات وطعّم تلك الأعمال بالنية الصادقة وروح المواطنة والصدق ليحمي أرضنا من الأطماع والمتربصين.. مبادرة الملك عبدالله وقراراته الشعبية الموجهة للشعب والمتعلقة بالمساكن الشعبية ومحاربة الفقر ورفع سقف مساعدات الشؤون الاجتماعية وتعزيز صندوق بنك التسليف.. والقرارات الحضارية في دعم قطاعات الخدمات من تعليم وبلديات وصندوق عقاري وغيرها كل ذلك تجعلني أرى بعضاً من صور ذلك الملك المؤسس الذي وحد بلادنا عندما احتوى خصومة في الداخل لتستوعبهم أجهزة الدولة بل جعلهم شركاء في الرأي والمشورة والقرار حيث تحوّلوا إلى دعاة بناء بدل أن يكون دعاة خلاف.. والتف بالعطف واللين على أبناء الوطن وجعلهم آمنين وأمناء على اقتصادهم وفتح لهم أبواب التجارة الدولية، حين كانت بلادنا بلا نفط ولا معادن ولا مواد خام أساسية . والآن الملك عبدالله يعيد ذاكرة التاريخ بعد أن مرّت بلادنا في أصعب مرحلة تاريخية وكان الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله يقود بلادنا وسط حقول من الألغام الدولية على حدودنا الشرقية حرب العراق وإيران وعلى حدودنا الجنوبية حرب اليمن وعلى حدودنا الشمالية حرب تحرير الكويت ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تحوّلت أمريكا وأوروبا إلى خصم تضغط بالاتهامات وأحياناً بالتهديدات ثم حرب العراق بإسقاط نظام صدام حسين وأخيراً حرب الإرهاب. كل تلك المرحلة الصعبة على دولتنا كان الفهد يرحمه الله والملك عبدالله يقودان بلادنا إلى الشواطئ الآمنة... و الآن الملك عبدالله نجح في مد الجسور من جديد عبر جراحات صعبة مع أمريكا والغرب وأيضاً مد جسور الداخل ليرمم ما أعطبته تلك الأحداث الدولية التي فُرضت علينا.. [email protected]