أحب الشتاء في السفر والحضر.. مع أن أبدان أهل (جِدّتي) المستلقية على مستوى سطح البحر، تقشعر حتى لو هبطت درجة الحرارة فيها إلى عشرين.. إنها مسافة بعيدة جدًا عن (الصفر) الذي كنا نسمع عنه في أخبار ما وراء البحار.. ما كان أهلنا يعرفون الثلج إلّا في قوالب الكعكي والتيسير، تحمله في بطونها السيارات (المُصندقة)، وهي أشبه بإسعاف الافلام المصرية القديمة ، وتوزّعه على أصحاب الدكاكين فننال نصيبنا منه كِسرًا بالمخراز ، لقاء قروش لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة .! واذكر في طفولتي هياكل الناس التي كانت ترزح تحت أثقال الملابس.. تتكتك عظامهم مثل (تكتكة) الملاعق والزبادي عند بيّاع الشوربة.. أو تحتضن أكفهم أكواب السّحلب يستحلون ملمسه الدافئ .! أقول هذا وأنا أعجب بصور بعض مدننا المثلجة .. أقول هل ستتغير الحال مع دوران الفلك فيأتي ذلك اليوم الذي نشتي فيه في (بلاد برّه) ويصيّف الناس عندنا ؟! * * * دائما ارتبط وجداني بوسط المدينة، ليس مدينتي وحدها، بل كل المدن التي أغشاها يوم كنت مفتتنًا بالسفر بعيدًا عن المخاطر.. كان هذا قبل أن ترتجف الدنيا من حولنا.. وتتبدّل أحوال الناس.. وتتأبط إنسانية الإنسان شرًا.! * * * أنا وسطي الهوى، أطرب لهذه النداءات.. والأصوات.. يموج مزاجي الشعبي، المتلبّس بالحداثة، مع حركة (البسكليتات) ذات الرفارف التي يزينها (الشطرطون) بألوان الأندية.. وعربات الكارُّو التي يجرها أصبر خلق الله على الناس.. أضحك من شقاوة الطفولة كلما تعثّر أو تزحلق أو اصطدم رأس أو كتف بآخر.. أو كلما نهر الكبار أحدًا من الصغار، حاد عن الجادّة بحركة بسيطة او كبيسة.! * * * تلك أيام خلت أستبقيها على سبيل التّذكّر.. أتملّى بفوحها وبوحها بين وقت وآخر مع صديقي الاستاذ سعد الحميدين الذي جال كما أنا في هذه المرابع، راكبًا أو راجلًا، وإن كان لا يأبه بالبرد فهو عالي الهوى بارتفاع الطائف المأنوس. * * * آخر سطور : "جينا من الطايف، والطايف رخا والساقية تسقي يا سما سما" .!