لي في طفولتي بمرتفعات الهدا الجميلة في الطائف المأنوس ذكريات سعيدة!. كنت وإخوتي، ذُكراناً وإناثاً، نذهب إليه مع والديْنا، يرحمهما الله، في سيارة أمريكية قديمة، ونحن ننشد: جِينا من الطائف.. والطائف رخا رخا.. والساقيّة تسقي.. يا عيني عالهدا.. كان أبي يستأجر لنا بستاناً كبيراً، شاملاً مرافقه السكنية، وحقّ الأكل من فاكهته حتى الإشباع، بأجرٍ يوميٍ زهيد، ريالات معدودة!. ومرّت السنون، وها أنا أصطحب ابني وبناتي إلى الهدا في إجازة عيد الأضحى، ولا أثر لأيّ بساتين، سوى فنادق وشقق متهالكة من الأسمنت، وأراضٍ وجبال مُشبّكة واقعة تحت أسْر هوامير العقار!. لقد مررْتُ على فندقيْن لا يبعدان عن بعضهما سوى رمية حجر، وكلاهما مُصنّف من فنادق الخمس نجوم، وما يستحقّان إلاّ نصفها، وأحدهما مملوك لجهة حكومية والآخر لجهة خاصة، وبينهما تفاوت كبير في سعر الإقامة لليلة واحدة بين غرفهما ذات نفس المواصفات!. الغرفة ببلكونة في الفندق الحكومي مع الفطور = (1250) ريالا، ونفسها في الفندق الخاص ولكن = (420) ريالا، أي بنسبة (300٪) زيادة لصالح الفندق الحكومي!. فيا حسرة على المواطن العادي، جاء يشكو من غلاء الفنادق الخاصة ليجد نارها أفضل من جنّة الفنادق الحكومية التي تربح أكثر بالمغالاة عليه، بينما يُفترض أن تكون هي أول من ينبذ الغلاء، لأنها القدوة للفنادق الخاصة، وأن تكون لديها برامج لإيواء المواطن غير القادر على السياحة الخارجية بتكلفة ملائمة لدخله المتواضع. عموماً يبدو أنّ رقابة وزارة التجارة وهيئة السياحة قد غابت عن الفنادق الحكومية ثلاثة أضعاف ما غابت عن الفنادق الخاصة، وهذه مصيبة عُظمى، لأنهما بذلك تمنحان الفنادق الحكومية حصانة غير مُبرّرة وكأنها فوق المساءلة والقانون.!. كم هو مسكين المواطن، فهو لا يُعاني في السياحة الداخلية فقط بين فندقين يجيدان الإستثمار والتربّح على حسابه، بل هو مجازياً يُعاني أيضاً بين فنادق أخرى في كثيرٍ من أوجه معيشته الأخرى، تجيد هذا الإستثمار وذاك التربّح على حسابه، دون أن ينال من الجميع المردود الإيجابي الذي يتمنّاه ويستحقه!. @T_algashgari [email protected]