تأبى على أكثر من ضيف، في مساء طائفي مأنوس، الإلمام بتفاصيل حفلة تكريم المسرحي فهد ردة الحارثي، وسقطت الشخصية التأملية في البنفسج مستوعبة حدقات أعينها الكثير من جمال لحظة تجاوزت الحدث إلى أبعاد إنسانية وثقافية تتماس مع مشتركات العالم، ما يُشعر المتابع لكرنفال فرع جمعية الثقافة والفنون في محافظة الطائف مساء الثلثاء الماضي، باستعصاء استعادة الصورة، وتعسّر استمطار الذاكرة المتخمة بتفاصيل صغيرة، صاغتها الفكرة ورعتها محافظة الطائف فغدت مشروعاً مؤثراً وأثيراً، في حضور أمين المحافظة المهندس عبدالرحمن المخرج، ورئيس جمعية الثقافة والفنون الدكتور محمد الرصيص، ونخب مسرحية من عمان، وقطر، والإمارات، إضافة إلى فروع الجمعية في الأحساء، وجازان، والباحة، ما أنتج ليلة فانتازية ورسم معلماً كبيراً يليق بالمحتفين والمحتفى به، على رغم أن مدير الفرع التشكيلي المتفرّد فيصل الخديدي يرى أن «فنون الطائف» لم تقدم لردة ما يستحقه من تكريم نظير ما أسهم به في الحركة الثقافية في محافظة الطائف والمناطق السعودية. وتواطأ متابعون على تكامل الفنون الإبداعية في ليلة مختلفة دشنتها جوقة طفولة، أتقن المشرفون عليها تدريبها على أداء الفولكلور الطائفي، مستقبلة على مدخل الفرع ضيوف المساء بالأهازيج الشعبية، متراقصة أجسادهم الغضة ببراءة على إيقاع الطبول، مرددين بأصوات تنتشي مرحاً «والله حيّوه، والله حيّوه، زين المحفل فهد ردة، بالله حيّوه بالله حيّوه». من جانبها، شدت فرقة «أبو سراج» الفولكلورية بنماذج من الطرب الحجازي العتيق من الدانة» عشقته ولا لي في المقادير حيله» ومن الينبعاوي «يا خل واصلني» ومن المزمار «يا الله يا والي» ومن المجرور» سقى الله روابي شهار» معرّجة على أشهر أغاني الزمن الجميل» جينا من الطايف والطايف رخا، والساقية تسقي يا سما سما». فيما أعلن رئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون الدكتور محمد الرصيص إطلاق اسم فهد ردة على قاعة فرع الجمعية في المبنى الحالي، ونقل الاسم مع إنشاء مبنى جديد تخليداً وتكريماً للمنجز، مثمناً لردة تجربته ونضجه واعداً بالدعم والوقوف بجانب التجارب المبدعة. فيما لفت القاص محمد النجيمي إلى قدرة فهد ردة «على تمرير الأفكار من خلال الايحاءات والايماءات والدلالات الرمزية». وثمّن الإعلامي خلف القرشي لردة «مواجهة المعيقات بذكاء وصبر وأنة وثقة وسخرية»، لافتاً إلى تشكل ردة مع بدر بن عبدالمحسن في رفضهما للمسافة والسور والباب والحارس. من جانبهم سجّل شركاء النجاح في ورشة وفرع جمعية الطائف، حضوراً لافتاً وبصمة كبرى في ترتيب وإخراج الحفلة، خصوصاً المخرج أحمد الأحمري، والمسرحيين مساعد وسامي الزهراني، وعبدالعزيز عسيري، وحمود الفيفي، وبقية الأعضاء، إذ تجلى في فضاء المكان أنهم يحتفون بأنفسهم من خلال شخصية «أبيهم الروحي» فهد ردة. ويرى الأكاديمي العربي الدكتور عاطف بهجات أن الاحتفالية «عصية على الوصف، كونها متفردة نوعاً وكماً، إضافة إلى كونها معدّة ومنتجة من شبّان الطائف، الحفيين بأنفسهم معرفياً وإنسانياً، والمعبّرين بصدق عن مشاعر وفاء تليق بقامة معرفية وشخصية ثقافية لافتة قدّمت للمسرحي السعودي بجهود فردية عطاء يوازي العمل المؤسسي في دول أخرى». ولم يظهر على أكثر من 200 مشارك ومدعو طيلة ثلاث ساعات أي أثر للملل، إذ نجح المنظمون في تنسيق فقرات الحفلة الخطابية المتهادية وراء ظلال موسيقى محمد علي سندي، والمتداخل الطربي فيه بالفني بالمقالي بالشعري بالسينمائي، ما دفع رئيس مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين أحمد الهذيل إلى نعت ورشة الطائف المسرحية ب «نبتة» ذات مذاق مختلف، مطلقاً على ردة وصف المجنون الذي يحسن بمن يعرفه أن يأخذ الحكمة منه. من جانبه، لفت المسرحي المغربي الحسين الدجيتي ردة بالفنان الذي لا يؤمن بعقم الإبداع المسرحي العربي. فيما كشف المسرحي الأردني الدكتور مؤيد حمزة عن جانب من تجربة ردة، موضحاً أنه لم يقتحم المسرح من عوالم أدبية ليوظفه لخدمتها، مؤكداً أن فهد ردة تخطى السردية والوصف الأدبي والتقعير اللغوي إلى الدرامية الموصلة إلى الفرجة الممتعة على حوارية غير متكلفة ولا زائدة. فيما أسهم النادي الأدبي في الطائف في تكريم ردة بطباعة أعماله في ثلاثة كتب، ليختتم ردة الاحتفال بإهداء المنجز إلى أبيه الذي درّبه على اللعب البريء بالكلمات، وأمه التي فرشت ظلال رعايتها من حوله، مؤكداً أن شفيف كلام المشاركين أثقل لسانه فأعياه التعبير عن مشاعره.