في هذه الايام الرائعة والطقس الجميل يحلو للكثيرين منا الخروج إلى المتنزهات البرية الطبيعية، حيث الاماكن المحببة للأهل والأصدقاء، والتي تعد متنفساً بعد عناء العمل والكد ومتاعب الحياة العامة. وخاصة نهاية الاسبوع وفيها يستمتع الجميع بكل ما هو طبيعي، لكن ما إن تنقضي تلك الجلسات وينصرف الناس عن أماكنهم، إلا وتجد اكواما من المخلفات أُضيفت إلى المكان نفسه الذي احتضن هؤلاء الذين جاؤوه هرباً من الملل، ثم تركوا له أكوام القمامة، وكأنهم ضيوف ثقلاء لا يحترمون مضيفهم، ولا يراعون حرمة بيته، ولا يعنيهم من يأتي بعدهم. عندما ترى هذه المناظر المقززة تُصاب بالحيرة والأسى، فديننا الحنيف يأمرنا بإعمار الأرض والمحافظة على نظافتها وينهانا عن الإهمال، وقرنها بالايمان (النظافة من الايمان). والمدارس التي ارتدناها أثناء سني عمرنا الأولى علمتنا مناهجها (ومازالت) ضرورة احترام البيئة، والبعد عن أي محاولة لتلويثها، وخطب الجمعة التي نشهدها كل أسبوع تعظنا وتذكرنا بحرمة إيذاء الآخرين، ومراعاة حرمة الطريق والمكان (إماطة الاذى عن الطريق صدقة)، فلماذا ننسى كل هذا عندما نذهب إلى تلك البراري والرياض الطبيعية، وكذا عندما نذهب لشواطئنا التي حبانا الله بها، نجد أن الكثير منا وبدلاً من وضع المخلفات في الأماكن المخصصة للنفايات نتركها في المكان نفسه الذي جلسنا وتسامرنا فيه ونرحل، والبعض يلقي بها في البحر، هل هو بسبب عدم قيام البلديات بدورها في وضع الحاويات الكافية؟ أو انه لعدم وجود انظمة وقوانين تحاسب وتعاقب بدون تمييز كل من يعبث بالاماكن العامة؟، أم هو نقص في التربية الأسرية؟ أم عدم حرص الآباء على أن يجعلوا من أنفسهم قدوة لأبنائهم؟ أم تخلي الأمهات عن دورهن التربوي؟ أم تفشي عقدة الإهمال بين الجميع؟ أم كل تلك الأسباب مجتمعة؟ لقد أصبحت حماية البيئة وصيانتها أمرا يحظى باهتمام بالغ من حكومات كثير من دول العالم وجماعات الخضر وأصدقاء البيئة، لما لذلك من أهمية كبرى، حيث ثبت أن حياة الإنسان أضحت مهددة بسبب العبث الذي أحدثه بالبيئة وتلويثها، وما نتج عن ذلك من أخطار كالاحتباس الحراي وغيره. نحن بحاجة إلى مراجعة سلوكياتنا، وأخذ أنفسنا بالشدة، حتى ينشأ أبناؤنا على المعاني الجيدة في مستقبلهم، فيعلمونها بدورهم لأولادهم، وهكذا يستمر دوران الحياة لنصل إلى جيل ينظف ويجمل لا يهدم ويعبث.. نحن بحاجة إلى أن نحول ما نتعلمه إلى واقع فعلي على الأرض، وأن ندرك أن الحياة التي نحياها لها حق علينا قبل أن تكون مجرد مطية لأقدامنا وحاضنة لجلساتنا، فهي تستحق منا كل الاحترام والتقدير والعناية ليس لذاتها وإنما لأننا بذلك نحترم بذرة التحضر داخلنا وننميها ونرعاها ونجبر أبناءنا على أن يكونوا مثلنا، وبذلك نصبح قدوة لهم ولغيرهم.