تم قبل بضع سنوات إعداد الخطة الوطنية لتقنية المعلومات. تتلخص أهم أهدافها في إعداد الكوادر الوطنية في مجال تقنية المعلومات والاعتماد عليها، ونشر الثقافة المعلوماتية في المجتمع، وتبني تقنيات النشر الإلكتروني، وإيجاد وتطوير صناعة تقنية المعلومات، والمشاركة الإيجابية في تنمية اقتصاد الدولة. الخطة في أهدافها تتشابه إلى حد كبير مع إستراتيجية لشبونة. فما هي إستراتيجية لشبونة؟ وكيف تم بناء وتوفير إمكانياتها التقنية والاجتماعية اللازمة؟ وما هي الدروس المستفادة من تنفيذ خطة إستراتيجية دولية تسعى إلى بناء اقتصاد معلوماتي قادر على المنافسة الدولية؟ تشرفت أن كنت من بين أحد المحاضرين في المؤتمر الدولي لإدارة المعلومات والذي عقد في شهر يوليه في العاصمة البرتغالية لشبونة. كانت ورقة العمل حول تجربة المصارف السعودية في البناء الإستراتيجي لإمكانياتها التقنية والاجتماعية منذ منتصف التسعينيات وحتى اليوم وما سيحمله العقد القادم من تحديات إستراتيجية. عقد المؤتمر ضمن منظومة إستراتيجية لشبونة. ولدت إستراتيجية لشبونة في شهر مارس من عام 2000 عندما أقر رؤساء الاتحاد الأوروبي في قمتهم الاعتيادية والتي عقدت في العاصمة البرتغالية لشبونة إستراتيجية عشرية (عشرة أعوام) تهدف إلى جعل الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2010 صاحب أفضل اقتصاد معلوماتي عالمي قادر على المنافسة الدولية والمحافظة على النمو الاقتصادي. عرفت هذه الإستراتيجية بإستراتيجية لشبونة نسبة إلى العاصمة البرتغالية لشبونة، المكان الذي عقدت فيه القمة الأوروبية. السبب الرئيسي لتنفيذ إستراتيجية لشبونة كان لمواجهة التحديات الاقتصادية التي واجهها الاتحاد الأوروبي نهاية التسعينيات الميلادية والتي من ضمنها اشتداد حدة المنافسة الاقتصادية مع الاقتصاد الأمريكي والياباني وانخفاض معدل النمو السكاني للاتحاد الأوروبي. عنيت إستراتيجية لشبونة بتوحيد سياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وإنشاء آلية عمل لتبادل التجارب بين أعضاء الاتحاد. اعتمدت إستراتيجية لشبونة بشكل كبير على ثلاثة مبادئ اقتصادية تتلخص في التركيز على الإبداع كوسيلة للتغيير الاقتصادي، والتعلم من التجارب السابقة لأعضاء الاتحاد، والتحديث المستمر في السلوك الاجتماعي والبيئي. بنيت إستراتيجية لشبونة على فرضية أساسية تتلخص في أنه كلما قوي الاقتصاد كلما زادت فرص العمل، وكلما استمرت زيادة فرص العمل كلما تقدمت عجلة النمو الاقتصادي. تولى فريق عمل مكون من حوالي 12 استراتيجيا أوروبياً عملية إعداد وكتابة إستراتيجية لشبونة. من ضمنهم الفينزويلية الأصل كارولتا بيريز، عالمة الاقتصاد الاجتماعي، والانجليزي كريستوفر فريمان، عالم الاقتصاد التقني، والاسباني مانويل كاستيلز، عالم الاجتماع الإنساني. جميع أعضاء فريق العمل هم علماء أبحاث تم استقطابهم من جامعات أوروبية عريقة كجامعة اوكسفورد وباريس بناء على إنتاجهم البحثي في مجال العلوم الاقتصادية والتقنية والاجتماعية لإعداد وكتابة إستراتيجية لشبونة. ولتحقيق الهدف الرئيسي لإستراتيجية لشبونة، نصت الإستراتيجية على توفير خمسة متطلبات أساسية تتلخص في تحقيق التوازن الاقتصادي، وزيادة معدل التبادل التجاري وحجم السوق الأوروبية المشتركة، وزيادة نسبة القوى العاملة، وتقليص الفروق الاجتماعية، وأخيرا وليس آخرا نشر الثقافة المعلوماتية. تركيزنا في هذا المجال على المنهجية المتبعة في بناء المتطلب الأخير، نشر الثقافة المعلوماتية، قامت إستراتيجية لشبونة بنشر تقنية المعلومات في جميع أوجه المجتمع الأوروبي ابتداء من قطاع الأعمال، مرورا بالمؤسسات العامة، وأخيرا وليس آخرا مدارس العليم العام بجميع مراحله. حيث عمدت إستراتيجية لشبونة منذ بداية هذا العقد على تشجيع المؤسسات العامة والخاصة لإعادة هندسة إجراءات أعمالها بما يتناسب مع متطلبات الاقتصاد المعلوماتي. أدى ذلك التشجيع من جهة إلى زيادة عمليات التجارة الالكترونية كالسياحة الالكترونية والخدمات المصرفية ومبيعات التجزئة. ومن جهة أخرى إلى تفعيل دور الحكومات الالكترونية كخدمات البلدية والمرور والهجرة. كان هذا البناء من ناحية مزودي الخدمات الالكترونية (Supply side) بنوعيها التجارية والحكومية. أما من ناحية متلقي الخدمات الالكترونية (Demand side)، فقد عمدت إستراتيجية لشبونة على زيادة وعي المجتمع الأوروبي من خلال تأهيل الكوادر البشرية في سوق العمل سواء الحالية أو المستقبلية لتكون مؤهلة للاستخدام الفعال لمثل هذه الخدمات. فمن ناحية تأهيل الكوادر البشرية الحالية في سوق العمل، تم زيادة مخصصات التدريب التقني للقوى العاملة وفتح المجال للتعليم العالي التقني عن طريق زيادة عدد المنح الدراسة والتخصصات الأكاديمية. إضافة إلى ذلك تم الاستثمار في البحث العلمي عن طريق تخصيص ما نسبته 3٪ من إجمالي الدخل القومي لدعم مراكز الأبحاث في الجامعات الأوروبية بغية زيادة التركيز على الأبحاث العلمية في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات. ومن ناحية تأهيل الكوادر البشرية المستقبلية في سوق العمل، تم البدء في مشروع تحويل مدارس التعليم العام إلى ما يعرف بالمدارس الذكية (Smart schools)، وإدخال تخصصات الاتصالات وتقنية المعلومات كمجالات أكاديمية جديدة متاحة لطلاب وطالبات التعليم العام بدءا من المرحلة الدراسية المتوسطة. وبمناسبة الحديث عن المدارس الذكية فهي فلسفة تعليمية حديثة تسعى إلى زيادة نسبة مشاركة الطالب أو الطالبة في التحصيل العلمي عن طريق تفعيل سياسة التعليم الذاتي. يتم ذلك عن طريق تزويد كل طالب وطالبة في فصول التعليم العام بجهاز محمول ومرتبط بشبكة الإنترنت مع نظرائهم في المدارس الأخرى ليس فقط في الدولة الواحدة وإنما في جميع مناطق الاتحاد الأوروبي. تعتبر دول بلجيكاوالسويد وفنلندا الرواد في فلسفة المدارس الذكية، تليها ايطاليا وايرلندا. بقية دول الاتحاد بدأت بتنفيذ مشروع المدارس الذكية ولكن بأداء متفاوت. أكملت إستراتيجية لشبونة في شهر مارس الماضي عامها الخامس وقطعت نصف الطريق نحو تحقيق الهدف الأساسي منها ألا وهو جعل الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2010 صاحب أفضل اقتصاد معلوماتي عالمي قادر على المنافسة الدولية والمحافظة على النمو الاقتصادي. السؤال الذي يبقى قائما إلى أي مدى يعتبر الاتحاد الأوروبي على الطريق الصحيح نحو تحقيق الهدف الأساسي من إستراتيجية لشبونة؟ وما هي الدروس المستوفاة من تنفيذ خطة إستراتيجية دولية تسعى إلى بناء اقتصاد معلوماتي قادر على المنافسة الدولية. إن مما لا شك فيه أنه عند تنفيذ أي إستراتيجية يجب تقييم الأداء وتقويم الإيجابيات والسلبيات وذلك لضمان أن الجهود المبذولة لتحقيق هدف الإستراتيجية تسير في الطريق الصحيح. إستراتيجية لشبونة لم تغفل هذا الجانب الهام من التنفيذ. حيث أقرت إستراتيجية لشبونة مراجعة سنوية لما تم إنجازه نحو تحقيق هدفها الأساسي. حيث تقوم المفوضية الأوروبية بمراجعة أداء كل الدول الأعضاء في تنفيذ بنود إستراتيجية لشبونة وإجراء المقارنات البينية بين أعضاء الاتحاد من جهة وبين الاتحاد الأوروبي ونظرائه من التكتلات الاقتصادية الدولية الأخرى كالأمريكية والآسيوية. أكملت إستراتيجية لشبونة في شهر مارس الماضي عامها الخامس وقطعت نصف الطريق نحو تحقيق الهدف الأساسي منها ألا وهو جعل الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2010 صاحب أفضل اقتصاد معلوماتي عالمي قادر على المنافسة الدولية والمحافظة على النمو الاقتصادي. فإلى أي مدى يتجه الاتحاد الأوروبي نحو بناء المتطلب الخامس من إستراتيجية لشبونة، نشر الثقافة المعلوماتية؟ سنشير على عجالة إلى ثلاثة محاور رئيسية في ما تم إنجازه في مجال نشر الثقافة المعلوماتية: انتشار الانترنت، والاستثمار في المؤسسات التعليمية والبحثية، وإعداد الكوادر البشرية. فبالنسبة إلى نشر الانترنت، بنهاية عام 2003، حصلت حوالي 50٪ من الأسر الأوروبية على وسيلة اتصال بشبكة الانترنت. هذه النسبة تعتبر اقل بقليل من مثيلتها في الولاياتالمتحدةالأمريكية. كما أن هذه النسبة تنمو بشكل متفاوت بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. ففي الوقت الذي بلغت فيه نسبة انتشار الانترنت في السويد على سبيل المثال 73,6٪، نجد أنها لا تتعدى 51٪ في أيرلندا. أما بالنسبة إلى الاستثمار في المؤسسات التعليمية والبحثية، فنجد أن الوضع متباين بين الاتحاد الأوروبي من جهة والولاياتالمتحدة واليابان من جهة أخرى. ففي الوقت الذي خصص الاتحاد الأوروبي حصة من ميزانيته لدعم مؤسسات التعليم العام تعتبر اكبر من مثيلتها في الولاياتالمتحدة واليابان، نجد أن استثمار الولاياتالمتحدة واليابان في البحث العلمي أعلى منه في الاتحاد الأوروبي. الجدير بالذكر أن إستراتيجية لشبونة خصصت ما نسبته 3٪ من الناتج القوي لدعم البحث العلمي والتطوير. أما بالنسبة إلى إعداد الكوادر البشرية، تهدف إستراتيجية لشبونة إلى زيادة نسبة القوى العاملة إلى 70٪ بحلول عام 2010 فماذا تم إنجازه حتى الآن؟ خلال الفترة من 1999 إلى 2003، تم استحداث ستة ملايين وظيفة جديدة تشكل زيادة من 62,5٪ إلى 64,3٪ خلال ثلاثة أعوام. هذا بالإضافة إلى أن نسبة البطالة واستنادا إلى إحصائيات عام 2004 أنها في تناقص مستمر وحتى العام الماضي. ومن ثم حدثت انتكاسة بسيطة أدت إلى زيادتها حتى الآن. نستخلص من الإشارة السريعة إلى ما تم انجازه في توفير المتطلب الخامس من إستراتيجية لشبونة ألا وهو نشر الثقافة المعلوماتية أن بناء الإمكانيات التقنية والاجتماعية خلال منتصف العقد الحالي كان مزيجا من الإيجابيات والسلبيات. وبالتالي فان تطبيق إستراتيجية لشبونة قد يحتاج إلى زيادة تضافر الجهود من جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي حتى يتسنى الوصول إلى الهدف المنشود وهو جعل الاتحاد الأوروبي صاحب أفضل اقتصاد معلوماتي عالمي قادر على المنافسة الدولية والمحافظة على النمو الاقتصادي. احد أهم الفوائد التي نستخلصها من تجربة الاتحاد الأوروبي في تنفيذ إستراتيجية لشبونة، ومنها في تنفيذ الخطة الوطنية لتقنية المعلومات، هو أهمية النظر إلى جميع الابعاد الإستراتيجية المباشرة والغير مباشرة عند إعداد الخطط الإستراتيجية ومن ثم بناء وتوفير المتطلبات اللازمة لتنفيذ الإستراتيجية مع مراعاة أهمية تقييم الأداء وتقويم الإيجابيات والسلبيات بشكل مستمر وذلك لضمان أن الجهود المبذولة لتحقيق هدف الإستراتيجية تسير في الطريق الصحيح.