تشهد المملكة طفرة غير مسبوقة بحجم الإنفاق الحكومي خلال السنوات الماضية في مجالات عدة لتطوير البنية التحتية وتحقيق التنمية المستدامة لكافة المناطق، كما أن حجم المشاريع المطروحة للتنفيذ في الدولة ضخم جدا ويحتاج إلى إدارة استثنائية لكي يتم تنفيذ المشاريع في الوقت المحدد لها وبالجودة المطلوبة إلا أننا نلاحظ تأخر تنفيذ تلك المشاريع لأسباب عدة بل ان بعضها يتعثر ويتوقف لسنوات وبسبب العديد من المشاكل أبرزها تأخر عجلة التنمية وتعثر الخطط الطموحة لحكومتنا الرشيدة وتأثر المواطنين المستفيدين منها. وسأتناول بشيء من التفصيل المشاكل والمسببات لهذه الظاهرة (إن صحت التسمية) والتي يتشارك فيها القطاع العام والقطاع الخاص على حد سواء وبنسب مختلفة. وتعتبر وزارة المالية أحد أهم هذه الأسباب حيث ان وزارة المالية بالغالب لا تدرج كافة تكاليف المشروع دفعة واحدة مما يؤدي إلى أن يتم طرحه على مراحل ما يؤخر الاستفادة الكاملة من المشروع وكذلك ساهمت أنظمة وزارة المالية في تأخر تنفيذ المشاريع الحكومية حيث ساهم نظام المشتريات الحكومية في ذلك من حيث أسلوب الترسية، وكذلك صعوبة اجراء التعديلات وتعديل المواصفات واستحداث البنود بعد الترسية وعدم توفير السيولة المناسبة للمشروع والتي تواكب مبالغ المستخلصات المرفوعة من الجهة المالكة للمشروع وطول إجراءات الصرف لمستحقات المقاول المنفذ مما يشكل عائقاً للمقاول لتنفيذ التزاماته ومن الأسباب أيضا صعوبة دخول الاستشاريين والمقاولين الأجانب وقلة الوظائف الهندسية لدى قطاعات الدولة وضعف الامتيازات للمهندس المالية والوظيفية مع كبر المسؤولية الملقاة على عاتقه مما اسهم في عزوف المهندسين وترك العمل الحكومي والتوجه إلى القطاع الخاص. وتشكل الجهة الحكومية بلا استثناء صاحبة المشروع سبباً رئيساً في تأخر تنفيذ المشروع حيث تُواجه مشكلة حقيقية تتمثل في قلة الكوادر المؤهلة لديها في اقتراح ودراسة وتصميم وطرح والاشراف ومتابعة (الاشراف) المشاريع التابعة لها في ظل الكم الكبير للمشاريع المعتمدة في ميزانياتها، وقد يكون نتيجة لذلك وجود أخطاء في تصميم وطرح المشاريع وكمياتها وبنودها، ومن أسباب التعثر أيضاً اعتماد بعض الجهات على المكاتب الاستشارية غير المؤهلة والتدخل في عمل الاستشاري من قبل المختصين بالجهة بشكل مبالغ فيه أولا وعدم محاسبة الاستشاري المصمم على الأخطاء التي تقع وانخفاض خبرات الإدارة التي تطرح المشروع وكذلك طرح المشروع دون وجود تصميم للمشروع أو قد يكون الطرح بمواصفات قديمة أو وجود أخطاء في التصميم وكذلك قد تعمد الجهة إلى التعديل على المشروع بعد الترسية واختلاف الكميات في الطبيعة عن المطروح في العقد وقد يكون التعثر ناتجا عن عدم كفاية الجزاءات أو تطبيقها على المقاول ومن الأمور التي قد تتسبب بها الجهة وتؤدي إلى التعثر الخلل في صياغة عقود الإشراف ومن ذلك عدم صياغة المتطلبات اللازمة لتأهيل المكاتب الاستشارية وعدم صياغة مؤهلات المهندسين المطلوبة بشكل مناسب، عدم مساءلة الاستشاري عن التأخر وأخيرا عدم كفاية الجزاءات مقابل التقصير والإهمال والتأخر في استلام الأعمال المنفذة وقد ينتج التأخير من خلال العلاقة بين الجهة والاستشاري وتكون على صورة ممارسة بعض أدوار الاستشاري الإشرافية والتي قد تكون ناتجة اما عن عدم الثقة بالاستشاري أو القيام بأعمال المراجعة مع الاستشاري بشكل مبالغ فيه أو سحب بعض الصلاحيات من الاستشاري أو تحمل المسؤوليات عن الاستشاري أو التدخل في اعتماد المخططات والمواد بأنواعها ناهيك عن طول الاجراءات المالية والإدارية التي تعتمدها الجهة في تنفيذ المشاريع وصرف المستحقات حيث يؤثر على السرعة المطلوبة للإنجاز. كذلك تتأثر الجهات الحكومية ببعضها سلبياً فآلية تصنيف المقاولين وعدم وجود تصنيف للاستشاريين من الاسباب المهمة وكذلك قد تؤخر جهة حكومية مشروعا بسبب تداخل الخدمات أو تأخر استخراج الرخص والفسوحات من الجهات الحكومية ذات العلاقة وأيضاً قد يتعثر المشروع عند التأخر في تخصيص أرض من قبل جهة أخرى. وتعتبر وزارة العمل أحد الأسباب الرئيسية في تأخر تنفيذ المشاريع نظراً لأنها تلعب دوراً مهماً في ما يجري على الساحة باعتبارها بوابة القوى العاملة الاجنبية فالمشاريع تتأثر بأنظمتها بشكل مباشر وفي ظل عدم وجود أنظمة خاصة بمقاولي مشروعات الدولة واضطرار المقاول إلى الاستقدام بالطرق المعتمدة لدى وزارة العمل دون مراعاة إلى حاجة المقاول وحجم العمل المطلوب فغالباً ما تتأثر المشاريع نتيجة لصعوبة استخراج العدد المطلوب من التأشيرات وقلتها. كما ان للاستشاري المصمم دورا كبيرا في التأخر حيث ان اكتمال كافة حقول وبنود المشروع مرهون بالتصميم الجيد للمشروع في البداية وعند انخفاض كفاءة المكتب الهندسي الاستشاري فهذا مؤشر على احتمال تعثر المشروع وقد يكون سبب ذلك ضعف الاستشاري وكثرة العقود التي التزم بها مما يفقده التركيز في العمل. ويعتبر المقاول المحرك الرئيسي لأي مشروع تم ترسيته وهو الذي ينفذ في الميدان ويخرج المشروع بصورته النهائية فعليه تقع المسئولية الأكبر لإنجاز العمل في الوقت المحدد وبالشكل المطلوب وقد ساهمت بعض الاسباب العائدة للمقاول بتأخر تنفيذ المشاريع ومنها كثرة المشاريع التي ينفذها في وقت واحد وضعف الخبرات الفنية لديه وضعف الخبرة الإدارية وضعف الإمكانيات المالية وعدم دراسة الموقع ومعرفة كافة تفاصيله وما يحتاج إليه من أعمال وعدم قراءة المواصفات والمخططات للمشاريع المطلوبة وتقديم أسعار خاطئة أو التسعير غير المتوازن للبنود أو إسناد الإعمال من الباطن لمقاولين غير مؤهلين. واخيرا تستعين الجهة الحكومية بالمكاتب الاستشارية لإدارة مشاريعها والإشراف عليها وهذه المكاتب ساهمت في تأخر تنفيذ المشروع بسبب انخفاض كفاءتها وحداثتها وكثرة عقود الإشراف لديها وعدم توليها إدارة المشروع ودفع انجازه بالشكل المطلوب. مع الاحاطة الى ان هذه الاسباب ليست متسلسلة وتختلف الاسباب وحجم تأثيرها على المشروع ونسبتها وترتيبها باختلاف المشاريع. * نائب مدير عام مياه القصيم ورئيس المجلس البلدي لأمانة منطقة القصيم