من طبيعة الحياة الإدارية عدم ديمومة المنصب الوظيفي فلكل من يعتليه وجهة نظر خاصة به يرسم من خلالها صورته الذهنية عن هذا المنصب فمنهم من يرسمها بصورة وطنية ومنهم من يرسمها بصورةة ذاتية وهنا أتحدث عن فئة كبار الموظفين الذين يتبادلون المنصب بين سلف وخلف. وهؤلاء أثناء فترة استلام وتسليم المهام فيما بينهما يحضر مشهد وطني يكتمل بأجمل صوره البهية التي يراها المواطن من خلال الأداء الإداري والوظيفي لذات الجهاز الذي تعاقب عليه هؤلاء القادة وخصوصا الأجهزه ذات الصبغة الخدمية والتي لها علاقه مباشرة مع احتياجات المواطن اليومية كالصحة والتعليم والمرور والجوازات والبلدية.. هذه الصورة لاتصاغ بشكل إنسيابي إلا من خلال ريشة مبدأ التقدير المتبادل أولا فيما بين القائد الحالي وزميله السابق يلي ذلك الاعتراف بجهود من غادر المنصب وذكر محاسنه والإشارة له بالسيرة الحسنة الى غير ذلك من المشاعر الإنسانيه التي تضخ في نفوس الموظفين روح الألفة والمحبة وهي أساس نجاح العمل ويأتي كخطوة ثالثة بعد ذلك كله بدء عمل القائد الجديد من حيث انتهى سابقه وترك كل أمر في تركه عدم ضرر مستقبلي. ولكن من المؤسف له أن ثقافتنا الإدارية آخذة بالاتجاه يوما تلو يوم نحو تشويه هذا المشهد الوطني ورسم أبشع الصور على جداره الأغر مما أوجد لدى العمل الحكومي وأداءه انتكاسة إدارية غير محسوسة، بل هي من ينخر في كل عمل تطويري وتنظيمي يرفع نسبة الأداء على الساحة الميدانية أو التقنية أو المكتبية.. هذه الانتكاسة تكمن في الإساءة المتبادلة سواء المعلنة أو غير المعلنة بين من يتبادلون المنصب الحكومي فتجد الاتهامات يتم تراشقها هنا وهناك فعلي سبيل المثال لا الحصر يعاني المدير الجديد من سابقه المماطلة في سرعة تسليم المهام الإدارية لكي ينفذ وبشكل سريع قرارات تخدمه أو تخدم فئة معينة من المقربين له وكذا تبدأ مرحلة التعتيم من القائد السابق لكي يجعل الجديد يظل في طريقه الإداري.. الخ أما الجديد فيبدأ مرحلة النقمة والانتقام من سلفه وممن حوله من موظفين قد يكون بينهم من يحمل الخبرة والكفاءه فتجده بأول اجتماع مع موظفيه يسيء له متهما إياه بتسيب الإدارة وتخلفها وضياع حقوق الموظفين بل تجده ينبش هنا وهناك عن كل مايؤكد كلامه يساعده في ذلك انضمام حاشية جديدة من المزمرين والمنافقين والمطبلين الذين يبحثون عن مصالحهم الذاتية. وعليه تصاب الإدارة بانتكاسة تعود بها الى الخلف عشرات السنين وهكذا دواليك ما إن يرحل هذا ويقدم ذاك يبقى المشهد الوطني في حالة يرثى لها بعيدا عن التطوير والاستفادة مما جاء في آخر صيحات العمل الإداري الناجح الذي تنعم به الدول المتقدمة. النتيجه: مع أن الدولة توفر الجهد المالي إلا أن تعيين المديرين ارتجالي لا يخضع لضوابط تجعل منه مديرا إداريا يستحق استلام منصبه بكل جدارة هو من أوجد الانتكاسة الإدارية التي جعلتنا في مؤخرة الركب المتقدم إداريا الأمر الذي ينسف جهد الدولة ماليا ويضيع الحقوق المكتسبة للمواطن التي تضمنها له مواطنته. والله من وراء القصد.