لم يكن مستغرباً قرار الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) الرفع بأسماء بعض الوزراء الذين لم يتجاوبوا مع الهيئة إلى المقام السامي، ولعل ذلك يكشف عن جانب من التحديات التي تواجهها نزاهة في ممارسة دورها الذي أنشئت من أجله. هناك مشاريع ترصد لها الحكومة المليارات كل يوم، ومهما بلغت أمانة ذلك المسؤول، وقربه من دائرة صناعة القرار في الدولة، أو حرصه المعروف على أموال المواطنين إلا أنه من غير المعقول أن يُترك هكذا دون حسيب أو رقيب، فالمال السايب يعلم السرقة على قولة المثل. كان الأمر الملكي واضحا بأن صلاحيات الهيئة تشمل كافة القطاعات الحكومية، ولا يستثنى من ذلك كائناً من كان، وعلى حد علمي فإن هذه ال (كائناً من كان) تشمل الجميع. لا نحتاج إلى مراجعة الحسابات وتدقيق المعاملات لنكتشف بأن هناك خللاً ما في تنفيذ المشاريع لدينا، والبداية مع الأرقام الفلكية التي ترصد لتلك المشاريع، وهي تفوق ما يرصد لمشاريع مماثلة في الدول الأخرى، وعلى الرغم من ذلك فإنها لاتنفذ بالصورة المطلوبة، ولا حتى في الوقت المحدد، بل إن بعضها يتطلب مبالغ إضافية لإنجازها بعد عجز المقاول "بباطن باطن الباطن" عن تنفيذها. هناك أشخاص امتهنوا الفساد، وتمادوا في غيهم لاعتقادهم بأنهم محصنون ضد القوانين وأن لا أحد قادرا على ملاحقتهم، وهذا يتطلب شجاعة نستمدها من القيادة الرشيدة في مواجهتهم وكف أيديهم عن خير الوطن. وللفساد رغم قباحته عدوى بدأت في الانتشار بشكل مخيف، دفعت شريحة كبيرة من المجتمع إلى التعامل مع هذا الفاسد الذي هو في الواقع حرامي خائن لوطنه ودينه، على أنه "فهلوي" و"فطين". وللفاسدين مراتب يمكن ربطها بعدد الأصفار المختلسة فهناك فاسد ملياري، وآخر مليوني، وثالث ما دون، وصولا إلى الموظف أبو صِفر وأقل ما يطلق عليه أنه "فاسد غلبان". أكتب هذا المقال وأنا أدرك حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يحفظه الله - على الحفاظ على أموال الشعب، ومن ذلك تستمد هيئة مكافحة الفساد ورئيسها ونحن كمواطنين شرفاء القوة لملاحقة كل فاسد في هذه الأرض المقدسة "كائناً من كان".