بدت ردود الفعل تجاه مشروع التوعية ضد الفساد الذي تقوم به «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» في المطويات واللافتات ورسائل الجوال… الخ بشعور أدنى من الطموح تجاه الهيئة، وأكثر استثارة للأسئلة عن دورها الذي غدت التوعية مظهره الأبرز إلى الآن: فمن متسائل عن نفع الموعظة للحرامي! إلى مستنكر غياب الهيئة عن اكتشاف ما تنشره الصحافة بين حين وآخر من أخبار صكوك مزوَّرة لبعض الأراضي بآلاف الأمتار، أو بيع أراض حكومية، أو رشاوى لموظفين، أو تغيير مسار طريق للتنفيع بالتعويضات، أو اختلاف القيمة التقديرية التي تثمَّن بها العقارات المنزوعة بقصد التنفيع! ومثل ذلك من يستنكر غياب الهيئة عن تحليل عطاءات المشروعات الحكومية وترسيتها على المقاولين، فالمقاول الذي يتقاضى -مثلاً- عن مشروع مبان لإحدى الجامعات ما يعادل خمسة عشر ألف ريال للمتر، في الوقت الذي تتم ترسية مشروع مشابه له في جامعة أخرى بالجنوب بما يعادل أربعة آلاف ريال للمتر لم يكن تحليل عطائه نزيهاً. وقد يذهب آخرون إلى الحلم بدور للهيئة في الكشف عن أسرار انتكاسة سوق الأسهم المفاجئة عام 2007م تلك التي أضاعت المليارات على المتورطين ومعظمهم من أصحاب الدخل المتوسط والمحدود، ولا تسأل عن جدوى بعض المشروعات أو دقة مخططاتها وحساباتها بقياسات المستقبل… الخ! إن اسم «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» كبير، والأمر الملكي الكريم بإنشائها جليل، سواء بالحسبان لجهة صدوره من مقام الملك، أم في ملفوظ استشهاداته القرآنية، وعباراته القوية التي تدلل بعمق على إرادة الحماية للمال العام، وإدراك الآثار «الخطيرة» للفساد، و»تبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها، وأفرادها، ومستقبل أجيالها». ومازالت -خصوصاً- العبارة التي تضمنها ذلك الأمر الكريم في «شمول مهام الهيئة لكافة القطاعات الحكومية» و»لا يستثنى من ذلك كائناً من كان» العلامة الأكثر تفخيماً لمكانة الهيئة، ودورها المرتجى. أما دور الهيئة -عملياً- فهو مرصود في موقعها على الشبكة تحت عنوان «أخبار الهيئة» وفيه ثلاثة أخبار تبدأ بتصريح المصدر المسؤول بالهيئة «أن الهيئة تابعت ما نُشر في الصحف» أو «في إحدى الصحف» وتنتهي بوقوف مندوب الهيئة على الموقع الخدمي ووصفه عياناً أو الاتصال بالجهات المعنية لمعرفة الحقيقة وبيانها. وأعتقد أن أقل ما يجب أن تمارسه الهيئة احتراماً لمهمتها المعلنة هو أن تكون جزءاً من صناعة الشفافية ومراقبتها وفتح مغاليق التعتيم التي تتيح للفاسدين ممارسة الفساد: لماذا -مثلاً- لا تشارك الهيئة في لجان تحليل عطاءات المناقصة أوالمنافسة على تنفيذ المشروعات؟ ولماذا لا تُلْزَم الجهات العدلية بإخطار الهيئة بصورة من صكوك الأراضي ذات المساحات الكبيرة؟ وأخيراً فلابد من أن تَغْرِس الهيئة في الوعي المالي والإداري أنه لا مقاومة للفساد أكثر من بناء الأنظمة المالية والإدارية على القصد إلى تحقيق الشفافية والحد من دور المتنفذين بأشخاصهم.