الأستاذ محمد العثيم هو من قال إن الثقافة الشعبية هي الثقافة الحقيقية، وأن ثقافة النخبة هي منظرة في الغالب، وقال إننا إذا أردنا أن ندرس مجتمعاً علينا أن نأخذه من الجانب الشعبوي، كيف يعطي؟ وكيف يتلقى؟ وكيف يبدع؟ وكيف يبدأ؟ بشرط ألا يكون هناك توجيه معين لهذا النوع ورفض لنوع آخر، ومثّل لنا مثالاً: إذا كنت تموّل الشعر الشعبي بهذا التمويل الهائل فبالتأكيد أن الشعر الشعبي سيكون الأول، ولو موّلت الشعر الفصيح الكلاسيكي، وليس الحديث نفس التمويل لحصلت على نفس الضجيح الإعلامي، وعلى هذا قال من هنا تأتي مشكلة الثقافة المعاصرة، وهي أن لها جانباً صناعياً فيها الربح والخسارة، ولهذا أصبحت تعمل بشكل استثماري، فلا يكفي أن تكون مفكرا عظيما أو عبقريا أو نجما إذا لم يكن وراءك مصنع متكامل يدعمك بالمعطيات، وفرّق بين من يستعمل النبالة ومن يستعمل المدفع أو الصاروخ، فهي نفس الصناعة.. صناعة تترقى بك إلى الأعلى، وصناعة أخرى تهبط بك إلى الأسفل، وهذا لا يضير لكن إلى أن تستكشف، ولهذا صاح محمد العثيم بقوله: يا عطاشا عطاشا والموارد بعيده والثريّا حداها سهيل يمّ المغيب وإليا غابت من يضمن قلبي إنه تعيده قلبي اللي تعلّق ردى حظّ أو نصيب ويل قلبي تراها في هواها تبيده صوّبتني وأنا قلبي صوابه عطيب فدوةٍ قلب من هو في المحبّه يريده لا تسوم الهوى من ضاع منها الغريب طال مشوار حبّك والليالي عنيده جفّ غصن المحبّه عقب ماهو رطيب يا عطاشا عطشكم في صخورٍ جليده مالها ماطرٍ هامي ولا به سريب وقال العثيم بأننا نحن ضدّ أن ندخل العصر من باب القبيلة، وأن مهرجان الجنادرية هو الأنموذج الأمثل لخدمة الموروث الشعبي لأنها لم تدخل مدخل التنافس القبلي أو العرقي أو العائلي في هذه الأمور، ولهذا تفضل أن تكون الثقافة عامة للمجتمع لأننا كلنا ذائبون في كلية المجتمع، حتى لا نفرق بين قبيلة وقبيلة ومجتمع ومجتمع، وهذا ما حصل في مهرجانات مخالفة لهذا التوجّه، إذ وجدنا الكل يبحث عن هويته، والهوية غير مطروحة بالثقافة بحيث أن هويتي سعودي ولست من القبيلة الفلانية أو تلك؛ لأنها لم تطرح بالشكل الثقافي، فالثقافة التي تطرح الهوية ممنوعة أصلا، لأنها هي الثقافة الأدائية، ثقافة السينما، ثقافة المهرجان الشعبي، ثقافة العرض الموسيقي، بمعنى كل الرؤى والبصريات هي ثقافة العصر، وكل هذا ممنوع هناك، وان هذه هي الثقافة الحاملة للقيم، وهي التي تضع صورتك أمامك، وتتيح لك رؤية صورة الآخرين لكي تعطيك هويتك التي تبحث عنها، ولهذا قال: مرحوم ياقلب قضى طاوي الشوق عسى المطر يسقيك ويبلّ الارماق قضيت في الدنيا طريدٍ وملحوق تطرد ورا اللاهي وساقٍ لحق ساق الشوق قفا بي سوات الهوى طبوق شربت من سم الهوى رشفه ارياق قضيت عطشان على الزين مشفوق وتترقب العذال بعيون سراق اعلن انه أحد التقليديين، وفرّق بين أن تتمسك بالتقليدية، وأن تضعها كعمل في الحياة، وان التقليدية هي مرتكز لبواقي تاريخنا وتوارثاته، ويجب أن يبقى في الحيز الممكن له وسيجد من يرعاه، لم يتكلم عن المتحف بأن يهدم لكي تخلق حياة ملهى جديدة، بل تحدث عن الرجوع إليه لكي نستفيد منه ونستوحيه، بحيث لا يكون هذا نبراسنا، لذلك قلت إننا الآن نعاني رجعة ماضوية في الثقافة حتى أن هناك من يحدد الثقافة، وذكر أن ثقافتنا بنيت من قبل الإسلام بسنين حتى جاء الإسلام ووضع لنا مسارات معينة وإضافية كثقافتنا القديمة، وكانت أكبر ثورة في العصور القديمة التي غيرت أوروبا وغيرت أمريكا، ويجب أن نؤمن بأن ما كان قبل ثلاثين سنة، وما رأيته بعينك ليس موجوداً الآن سواء أراد المجتمع أم لم يرد: ألا ليلة من صافيات الليالي صار لها بالحشى ذكرى وبها خافيات اسرار ليلة هوى عذري لها المرتهى مغلوب غرّد لها بالشوق راعي الجناح وطار استسلمت روحي لاوهامها والليل ريّحت قلب للعنى ساكت مختار حث الشباب على أن توجد مدرسة حديثة في العرض والثقافة والأدب؟ وأن المثقف النمطي لا يمكن أن تزحزحه من مكانه أبداً وسيظل مثقفا نمطيا، ذكر بأنه في السابق زحفت مجلات الشعر الشعبي التي كانت مصورة وجميلة وتبرز جماليات الشخص مع شعره في نفس الوقت حتى تروج للسالفة الآن زحفت مجلة الشعر الشعبي لتصبح محطة فضاء، لكن الأمر لم يختلف كثيرا فالأداة ذاتها خلف هذا الدعم والتحول، ومثل: إذا كنت تملك رصاصة لابد أن تمتلك البندقية لتطلق بها الرصاصة، وأداة الفضاء أتت قريباً لتساعد على ترويج ذلك، مثل بأن الرديات موجودة منذ ثلاثين سنة لكنها لم تقدم بطريقة جماهيرية، أما اليوم فكل منا يرى هذا الكم الهائل، وأنها قد تكون موجة عاتية وقد تختفي، وقد تأتي أيضاً موجة أخرى، ولهذا قال: انا شكيت الحب من طايل الياس وانا وليف الياس من طول ياسي في لجة ابحور غطا ليلها اغلاس مع غمة غطت طوال الرواسي لك الليالي والضحى ونظرة الناس واللي من همومي ما كبر فوق باسي وقال محمد العثيم إن موضوع الموروث الشعبي ربما يختلف من رأي إلى رأي آخر، وذكر أن بعضهم يقول لابد أن تعمل كما لو أنك ترسم عملا فنيا بمعنى أن تضع قطعة قماش أو حرير - اللصق غير المتوازي لخلق جماليات - الذين اخذ الموروث الشعبي في ذهنه عندما يبدأ يأتي بالنسيج الشعبي ويقصوه، مثل لصق حجر مع خشب مع صوف هذا لا يجدي طبعاً، وأننا نجد أن أوبريتات الجنادرية تعاني من هذه المشكلة المؤلف بدوي وشعره بدوي والثيمة المطروحة هي ثيمة موسيقية راقية، لذلك نجد أن هناك حلقة مفقودة، وأن كل العروض الأوبريتية تصدر من المملكة، لأنه ليس أمام الموسيقي إلا أن يلحن ما هو أمامه، فنجد أن هذا العمل غير متناغم مع النسيج الرأوي البصري ونجد الناس في حيرة الاستماع بين الاستماع والرؤية، كأننا نسمع من ثلاثة مصادر مختلفة، ومثل: لو أتينا بأغنية جازانية وغنيت مع العرضة أو أغنية عرضة وتغنى على أي إيقاع من إيقاعات جازان الراقصة السريعة لا نجد التوافق بينهما، فهناك قيم فنية وهي الإيقاع والنغم، فنسيج الكلام ليس له قيمة إذا لم يرتب، لابد أن تكون الكلمة والموسيقى متناغمتين، ولذلك غالباً الجملة الموسيقية هي كافية لإيصال أي شيء والعرضة النجدية أو السامرية أو حتى الإيقاعات أو الأعمال الجنوبية أو غيرها أو الشمالية ما هي إلا أنسجة موسيقية ايقاعية معينة متجانسة، والكلام الذي وضع لها رتبا عبر العصور وغير وبدل وكل يأخذه بشكل كلاسيكي، حتى نرسم النسيج بشكل صحيح مثل التواشيح: يا ليلة من ماضيات التواشيح يطفح لها قلبي على خفقة الطار لها الرخاء الغربي رموز وتلميح تهب في قلبي على صالي النار لا هيضت عندي على هبة الريح ألبي في سري على حال ما صار