أكدت أحداث اقتصادية كثيرة لديها صلة بإنتاج مصادر الطاقة في الأيام الأخيرة ما ذهبت إليه تقارير وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقراً لها بشأن مستقبل الفحم الحجري. فهذه التقارير كانت ولا تزال تجمع على أن أيام هذا المصدر من مصادر الطاقة الأحفورية ليست معدودة بل يقول واضعوا التقارير إن الفحم الحجري سيظل ملك مصادر الطاقة الأحفورية برغم الحملات الكثيرة التي يتعرض لها من قبل الناشطين في المجال البيئي والصحي. ومن هذه الأحداث على سبيل المثال المؤتمر الدولي حول الفحم الحجري والذي انعقد في وارسو يومي الثامن عشر والتاسع عشر من شهر نوفمبر من العام الجاري، وإذا كان ناشطو البيئة قد أعربوا عن غضبهم إزاء عقد مثل هذا المؤتمر خلال الفترة التي عقد فيها مؤتمر آخر في العاصمة البولندية حول المناخ وسبل الحد من انبعاثات الغازات التي يتسبب فيها الوقود الأحفوري، فإنه لوحظ اهتمام كبير بمؤتمر الفحم الحجري من قبل الشركات الخاصة وأصحاب القرار السياسي في العالم لأسباب عديدة منها القناعة بأن الواقع يفترض الاستمرار في الاعتماد على الفحم الحجري لمدة طويلة أخرى مع الحرص في الوقت ذاته على استخدام تقنيات جديدة تعزز كفاءة استخدام هذا المصدر من مصادر الطاقة من جهة، وتحد من جهة أخرى من أضراره على الصحة والبيئة، ولابد من التذكير هنا بأن تقارير وكالة الطاقة الدولية التي أطلقت عام 1974 تشير إلى أن الفحم الحجري يتسبب في قرابة ثلث انبعاثات غازات الدفيئة. وإذا كانت ألمانيا قد اتخذت قراراً حاسماً يقضي بالتخلي عن الطاقة النووية انطلاقا من عام 2022، فإنها اضطرت إلى الرجوع إلى مناجم الفحم التي كانت قد أقفلتها منذ عشرات السنين، وأدى الأمر إلى تهجير سكان قرى بأكملها من حول هذه المناجم، وتقول السلطات الألمانية إنها مدعوة إلى إنتاج الفحم الحجري للمساهمة في تلبية حاجاتها المتزايدة من الطاقة، بل إنها تسعى اليوم إلى إدراج إنتاج الفحم الحجري بتقنيات جديدة تعزز كفاءة إنتاج الطاقة واستخدامها وتحد من أضراره على البيئة والصحة في إطار عملية الانتقال الطاقوي، وهي عملية يراد من ورائها محاولة التوفيق بين الاعتبارات البيئية والاقتصادية والاجتماعية في مجال الأمن الطاقوي. أما اليابان التي أقفلت هي الأخرى مفاعلاتها النووية بعد كارثة فوكوشيما، فإنها تفكر اليوم جدياً في إدراج الفحم الحجري في منظومة الانتقال الطاقوي والتي تسعى من خلالها إلى توسيع دائرة مصادر إنتاج الطاقة التقليدية والجديدة والمتجددة، وفي هذا الإطار دشنت قبل أيام مزرعة بحرية لإنتاج الطاقة من الرياح قبالة سواحل فوكوشيما، وثمة اليوم مشاورات جادة بين السطات اليابانية والقطاع الخاص لإقامة محطة في فوكوشيما ذاتها لتوليد الكهرباء من الفحم الحجري. وتؤكد تقارير وكالة الطاقة الدولية أن الفحم الحجري هو المصدر الذي يتم الاعتماد عليه اليوم لتوليد قرابة نصف الطاقة الكهربائية في العالم، وتتوقع هذه التقارير تزايد الحاجة إلى استهلاك الطاقة المولدة من الفحم الحجري في العالم بنسبة تقارب 6 في المئة بحدود عام 2020، وارتفاع هذه النسبة إلى 17 في المئة في غضون عام 2035، وقد لوحظ أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أحد البلدان الكبرى المنتجة للفحم الحجري خفضت كميات إنتاجه في السنوات الأخيرة بعد توسيع رقعة الاعتماد على الغاز الصخري، وأصبحت الصين الشعبية منذ سنوات قاطرة هذه البلدان في مجال إنتاج الفحم الحجري واستيراده، وفي هذا السياق عمدت قبل أيام إلى إبرام اتفاقية مع صربيا بقيمة 530 مليون يورو، وتهدف إلى إقامة محطة لإنتاج الفحم الحجري في شمال صربيا الغربي، وهي تسعى حاليا إلى البحث عن بلدان كثيرة أخرى فيها احتاطي هام من الفحم الحجري لإبرام شراكات معها تتيح للصين تلبية حاجاتها من الطاقة من جهة، وتوظيف هذه الشراكات من جهة لاستخدام تقنيات جديدة تعزز كفاءة استخدام الطاقة وتحد من الأضرار البيئية والصحية. والملاحظ أن الصين الشعبية قد أنتجت العام الماضي زهاء نصف كميات الفحج الحجري المنتجة في العالم، ولكن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن تحل الهند محلها بدءا من عام 2017 كقاطرة البلدان المستوردة للفحم الحجري نظرا لحاجاتها المتزايدة من الطاقة ولسعر الفحم الرخيص بالقياس إلى أسعار مصادر الطاقة الأحفورية الأخرى.