توقع الدكتور عصام العمار الباحث الأكاديمي والأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود أن يزداد استهلاك النفط بنسبة 56 % عام 2020م ، وكذلك زيادة الطلب على الطاقة الذي بدأ منذ عام 1997م حتى عام 2020م إلى نحو 54 % في حال استمرار السياسات والتوجهات الحالية للطاقة ، لافتا إلى أن السبب الرئيس يعود في هذه الزيادة الكبيرة ، إلى ارتفاع عدد السكان في العالم حيث أخذت الزيادة في أساليب التقنية الحديثة وتتطلب مزيدا من استهلاك الطاقة في كل المجالات. وأشار في حديثه ل " الرياض " ، إلى أن الطلب على الطاقة يحتل حيزاً في جميع دول العالم وبخاصة الطاقة الكهربائية منذ أوائل القرن العشرين حيث ارتبطت التنمية بالطاقة . ولم يتحقق التقدم في الصناعة والتطوير في جميع المجالات لولا توفر المواد الأولية ومنها الوقود الأحفوري وخاصة النفط الذي يعتبر المورد الرئيسي الذي تقوم عليه الصناعة الأساسية ، حيث ازدادت الحاجة إلى الطاقة خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير وارتفع الاستهلاك العالمي للطاقة نحو 20 ضعفاً منذ عام 1850م وعشرة أضعاف منذ عام 1900، وأربعة أضعاف منذ عام 1950م ، وذلك بحسب وكالة الطاقة الدولية في حين يزداد الاستهلاك العالمي من الطاقة بمعدل 2% سنوياً. ويرى الباحث الأكاديمي والأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود ، أن التنمية والتقدم الكبير والمستوى المعيشي واستثمار المصادر الطبيعية أدى إلى خلق وضع عدم توازن بين البيئة والتنمية وبالتالي حدث معظم النمو في استهلاك الطاقة خلال 100 عاما الماضية في العالم الصناعي حيث يعيش 20% من سكان العالم ، وشهدت مصادر الطاقة والاستخدام الحديث تحولا كبيرا خلال القرنين الماضيين لأن معظم مصادر الطاقة المستخدمة خلال القرن التاسع عشر من الخشب والفحم الخشبي ، أو ما يعرف بمصادر الطاقة التقليدية البسيطة. وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ارتفع إنتاج الفحم الحجري بشكل هائل وأصبح الوقود المهيمن ما يقارب 80 سنة حتى عام 1970م ، وكان الاستخدام الأكثر للفحم الحجري في المحركات البخارية وتوليد الطاقة الكهربائية . بدأت هيمنة النفط بعد الحرب العالمية الثانية بالتحديد ، وأصبح متربعاً على عرش مصادر الطاقة منذ حينه ، على الرغم من ظهور الغاز الطبيعي والطاقة النووية. الجدير بالذكر أن الوقود الأحفوري يغطي ما يعادل 80% من امدادات الطاقة العالمية في الوقت الراهن . ويشير الدكتور العمار ، إلى أن هذه المصادر الأحفورية قابلة للنضوب على الرغم من وجود احتياطي جيد ، بقوله : بعض حقول النفط نضبت تماماً مثل ما حدث في حقل برقان الكويتي وهذا يقودنا نحو تبني مفهوم التنمية المستدامة في تلبية حاجة الأجيال الحاضرة من المصادر الطبيعية ، دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها الخاصة من الطاقة. حيث بدأ العلماء في البحث عن بدائل للوقود الاحفوري واستغلالها ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية وطاقة الكتلة الحيوية وغيرها ، وربما تفي هذه الطاقات ببعض احتياجات البشر لفترة طويلة من الزمن ، من أهمها توليد الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر. وعلى الرغم من بروز الطاقة المتجددة في أواخر القرن العشرين ، لا يزال هناك نمو متسارع للوقود الأحفوري ، وهذا يضع البشرية أمام تحديات كبيرة مثل التكاليف ، ارتفاع درجة حرارة الأرض ، ونضوب مصادر الطاقة، التلوث وغيرها. وصنع هذا التوجه العالمي منحنىً للكثير من شركات ومؤسسات الطاقة العالمية نحو بناء بيئة مستدامة . وأضاف : اذا نظرنا إلى قطاع الكهرباء في الخليج ، نرى أن الاستخدام المحلي للنفط والغاز في زيادة متسارعة ومستوى عال من الطلب على الطاقة الكهربائية واستهلاك مرتفع للفرد من الكهرباء إضافة إلى الطلب المتزايد على سعات توليد الكهرباء الإضافية. بينما تقارب محطات التوليد في المملكة إلى نحو 52 جيجا وات وهي أكبر منتج للطاقة الكهربائية في الشرق الأوسط ولا يفرق عن مجموع الأحمال الكهربائية سوى مستوى بسيط من الجيجا وات ، ومن المتوقع أن يصل مجموع الأحمال خلال 20 سنة إلى ثلاثة أضعاف الطلب الراهن ، نظراً للنمو السكاني والصناعي والتجاري العالي . كذلك تصنف المملكة كأكبر منتج في تحلية المياه في أكثر من ثلاثة ملايين متر مكعب يومياً ، بينما يستهلك نحو مليون ونصف برميل نفط تقريباً في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه يومياً. ولو استمر هذا الاستهلاك للنفط بهذا المناول (7.5% زيادة سنوياً طلب على الكهرباء) ، من المتوقع أن نفقد نصف العائد النفطي خلال 20 سنة تقريباً في إنتاج طاقة كهربائية وتحلية مياه فقط! وستكون الشركة السعودية للكهرباء ، إضافة إلى المؤسسات والشركات الأخرى ، في سباق مع الزمن لبناء محطات وتلبية الحاجة خلال السنوات القادمة. ومن هنا ، تكمن أهمية تبني تقنية مستدامة في المملكة العربية السعودية في الوقت الذي نمتلك احتياطي من النفط والغاز ، وتبرز أهمية إنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه باستخدام الطاقة المستدامة (المتجددة والنووية). وعن أهم الدوافع لتبني تقنية الطاقة المستدامة ، أوضح : إطالة العمر الافتراضي للنفط كتقنية أخذت بُعد كبير خلال السنوات الماضية من خلال المساهمة في صنع تقنية البتروكيماويات وغيرها. ويجب أن نعلم أن المملكة تنعم بثروتين هائلتين هما : النفط والشمس ، ومن غير المعقول أن يتم الاعتماد على واحدة دون أخرى ، خصوصاٌ أن مقدار الإشعاع الشمسي (يقارب 2500 كيلو.وات.ساعة لكل متر مربع) كمتوسط لكمية الإشعاع الشمسي الساقطة على الجزيرة العربية .كما استطاعت المملكة أن تصدر النفط للعالم ، فكل الإمكانيات متوفرة أن تكون مصدرة للطاقة الكهربائية باستغلال الطاقة الشمسية بحلول عام 2020م باذن الله ، مع وجود الربط الكهربائي الخليجي الحالي وكذلك الربط الكهربائي المتوقع مع مصر . يوجد الدافع البيئي للحد من الغازات الدفيئة ، حيث تقارب كمية الغازات الدفيئة المنبعثة حالياً تقارب 500 مليون طن مكافئ . كذلك تبني تقنية الطاقة المستدامة كوسيلة تعزز في صناعة الكهرباء وتحلية المياه وتساهم بصورة أساسية في حفظ غازات الاحتباس الحراري والانبعاث الكربوني ومواجهة التغير المناخي . أضف إلى أنه توجد مناطق بعيدة بالمملكة وليست موصلة بشبكات الكهرباء وذلك لبعدها عنها أو لارتفاع تكاليف توصيل شبكات الكهرباء إليها ، وبالتالي يمكنها استغلال الطاقات المتجددة لديها . وحول التحديات الكبيرة التي تواجه الطاقة المتجددة والنووية قال : ارتفاع تكلفة المحطة المتجددة (مثل المحطة الكهروضوئية الشمسية) مقارنة بالمحطات التقليدية ، ونحتاج إلى عملية تمويل حكومية أو خاصة أو مجتمعة . على الرغم من أن الفترة الزمنية اللازمة لاسترداد رأس المال طويلة نوعاً. ومن الضروري إيجاد آلية تمويل طويل الأجل وبفوائد مخفضة وشروط ميسرة. ومن ضمن التحديات هي إجراءات التسعير والشراء . فهي تمثل سعر عالي مقارنة من تلك الموجودة في المحطات التقليدية ، فقيمة الكيلو وات ساعة للطاقة الكهروضوئية الشمسية أعلى من مثيلتها في الطاقة التقليدية 20 ضعف ( على مقياس التعرفة الحالية ). ومن هنا يجب إعداد وثيقة "سياسة الطاقة" المختصة في تقدير مسئولية دفع الفرق واختيار الطريقة المثلى ونسبة الطاقة التقليدية والمتجددة والنووية من أجمالي الإنتاج في أعوام متعددة ، وكذلك معالجة قضايا تنمية الطاقة بما في ذلك إنتاج الطاقة وتوزيعها واستهلاكها ، وتشمل سياسة الطاقة أيضاً التشريعات والحوافز للاستثمار والمبادئ التوجيهية للحفاظ على الطاقة ورفع كفاءتها. ولا يمكن لأي مستثمر الدخول إلى السوق من غير وضوح سياسة الطاقة. تمثل نقص المعلومات اللازمة ، ضمن التحديات لأجل إعداد أنظمة الطاقة المتجددة ، الجغرافية أو الفنية وتظهر عقبة انخفاض الجودة والكفاءة في بعض أنظمة الطاقة المتجددة ، مثل الشمسية والرياح ، كتحدي كبير خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة والبيئة الصحرواية الشديدة. ولا ننسى قلة المختصين في مجال الطاقة عموماً والطاقة المتجددة خصوصاً ، ونحتاج إلى فتح أقسام أكاديمية تعليمية مؤهلة وتدريب عالي في الجامعات السعودية لتهيئة المهندسين والتقنيين السعوديين للعمل. أما الطاقة النووية ، إضافة إلى ما سبق تمثل إدارة النفايات وأمنية المحطة النووية واختيار المكان المناسب تحديات عريضة. ولذلك التخطيط لمشاريع وبناء محطات انتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه بالطاقة النووية يستغرق الكثير من السنين ، وقد تصل إلى نحو عشر سنوات.