لا يمكن تفسير أمر معقد وصعب بإجابة سهلة وسبب واحد! الجملة السابقة تبدو معقدة بحد ذاتها اذا نظرنا لها خارج إطار الموضوع الأساسي وهو محاولة تفسير او فهم الأسباب المسؤولة عن بعض الامراض. ونحن في زمن تراكم المعلومة، ومرحلة ما بعد مسودة الجينوم البشري، نجد انفسنا في عالم من التعقيد العلمي والبحثي، والتعقيد هنا ليس بمشكلة بل هو نتيجة التطور العلمي والتقني التي تتيح للمهتمين توسيع نطاق البحث ومدار الاسئلة. فعندما اعلنت المسودة الأولية للجينوم البشري كان الحديث عن الوصول للإجابة عن كثير من الأسئلة عن الامراض ومسبباتها الوراثية، وكان الحديث أيضاً عن سهولة تنفيذ ذلك. ما لا نعرفه هو ان التفسير البسيط الذي يركز على سبب واحد ليس كافيا لتوضيح مشكلة معقدة، فكلما زادت الامور تعقيدا كان علينا ان ننظر لها من اكثر من جانب. اكثر من عشر سنوات مرت على ذلك الاعلان ومازلنا نبحث في محاولة لمعرفة المسببات الوراثية لكثير من الامراض. حيث خرجنا من دائرة المسبب الوراثي الواحد الذي يفسر المرض الى النظر للحالة المرضية بصورة أوسع بحثا عن أدوار للبيئة والعادات الغذائية واسلوب المعيشة، واصبحنا نتحدث في بعض الامراض التي نعجز عن فهم حقيقتها الكاملة عن دور الوراثة الذي قد يعزز الإصابة بالمرض بدون ان يكون المسبب الرئيسي والوحيد. كما ان الحديث عن المسببات الوراثية لا يتوقف عند طفرة وراثية مسببة بل يتجاوزها الى محاولة وضع صورة للمكونات الجينية وعلاقتها ببعضها. يتجاوز الحديث هذا كله الى الفروقات الجينية الفردية او العرقية احيانا وعن تأثير ذلك على الاستجابة للعلاج او علاقة بعض المتغيرات الجينية بتطور المرض. كيف يمكنك ان تفهم مرضا او حالة معقدة غامضة تريد ان تتجاوز التشخيص المبدئي فيها الى فهم طريقة حدوثها وتطورها؟ سؤال صعب والأسئلة الصعبة لا يمكن ان نجيب عليها بأسلوب التخمين ولا عن طريق الاختيارات العشوائية وكأننا في امتحان نسينا ان نستعد له، بل تتطلب الاجابة عنها منهجية بحثية ومنظومة بحثية متكاملة تنظر في محاور مختلفة ومسارات متنوعة بحثا عن الاجابة.