ما تزال التعويضات التي تُصرف للمرضى أو ذويهم المُحوَّلين للعلاج بمستشفيات خارج منطقتهم، أو بسبب الأخطاء الطبية تعد قليلة مقارنة بما هو معمول به في العديد من دول العالم، إلى جانب الإجراءات الروتينية «البيروقراطية» التي قد تمتد لسنوات من أجل صرفها، وكذلك إلزام المريض أو مرافقه بإحضار الاثباتات والمستندات المطلوبة في هذا الشأن من أجل صرف مبلغ التعويض، إضافة إلى ربط الصرف بوجود قرار من الهيئة الصحية. وأثبتت إحدى الدراسات في هذا المجال أن «المملكة» هي أقل الدول الخليجية في دفع التعويضات المادية للمرضى نتيجة الأخطاء الطبية، وهذا ما يؤكد أهمية فتح ملف تقدير التعويضات المادية للمواطن المُتضرر أياً كانت، فإعادة النظر فيما يُقر فيه من تعويضات في الوقت الحاضر أصبح أمراً مهماً في حفظ حقوق الناس، وألاَّ يُترك المواطن وحيداً يبحث عن حقه، ويتم وضعه في دوامة المراجعات التي قد تستمر لسنوات. وكان «د. محمد العيسى» –وزير العدل- قد أكد في وقت سابق على أن ما يصدر من الهيئة الصحية الشرعية حول الأخطاء الطبية يُعد قراراً أو حكماً ابتدائياً يجوز الطعن فيه أمام «ديوان المظالم» وليس أمام «المحاكم الابتدائية»، وإنما أمام المحكمة الأعلى في السابق، وهي «هيئة التحقيق»، وحالياً محكمة أو دائرة الاستئناف، موضحاً أن «وزارة العدل» اطلعت على العديد من أحكام «ديوان المظالم» بإلغاء ما صدر عن «الهيئة الشرعية» لقلة التقدير، وتصدت هيئة التدقيق بالحكم بتعويضات مُجزية. كما أن «مجلس الوزراء» قرر مضاعفة الإعانة التي تُصرف للمرضى ومرافقيهم المُحوَّلين للعلاج خارج مناطق إقامتهم أو خارج «المملكة»، إذ تم رفعها لكل منهما إلى (300) ريال في الداخل بدلاً من (150) ريالا، وإلى (600) ريال في الخارج بدلاً من (300) ريال. تعويضات متواضعة وأوضح "محمد الدباش" –محام- أنه بالنظر إلى تاريخ تعويضات الأخطاء الطبية في "المملكة" فإنها تتدرج من (90) ألف ريال إلى (150) ألف ريال، وذلك حسب حجم الخطأ وتقدير القضاء لحجم الضرر، في حين يحصل المتضررون في قضايا مماثلة في دول أخرى على تعويضات تتدرج من (1.000.000) ريال إلى (1.500.000) ريال، كما أنها قد تزيد عن ذلك بكثير في دول أخرى، مضيفاً أن حجم هذه التعويضات التي تحكم بها اللجان الطبية الشرعية يعد متواضعاً، مرجعاً ذلك لعدة أسباب، منها أن مبلغ الدِّية المعمول به في السابق كان قليلاً جداً وقديماً ولم يكن يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية. وأضاف أن مفهوم التعويض المعمول به في اللجان الطبية الشرعية وشموليته لأضرار معينة بحاجة إلى مراجعة أيضاً، خاصة فيما يتعلق بالأضرار المعنوية والنفسية التي تطال من وقع ضحية للأخطاء الطبية، وعلى وجه التحديد أولئك الذين تعرضوا لتشوهات جسدية نتيجة هذه الأخطاء، مشيراً إلى أنه لا يجب أن يقتصر الحكم بالتعويض على الوفاة أو فقد المنفعة، بل يلزم أن يمتد التعويض للأضرار المعنوية التي تطال ضحايا الأخطاء الطبية، مؤكداً على أن تطبيقات التعويض عن الأضرار المعنوية معروفة وثابتة في الفقه الإسلامي. وقال:"تنقسم التعويضات عن الأخطاء الطبية إلى الحق الخاص المُتعلِّق بالمريض المتضرر أو ذويه، وقد يصل هذا الحق التعويض من الناحية الشرعية في أقصاه إلى الدية المحددة بالقتل الخطأ، أما الجانب الآخر في التعامل التنظيمي وفق السياسة الشرعية مع هذه الأخطاء فهي العقوبة المقررة لصالح الحق العام أو ما يسمى بسلطة ولي الأمر في إيقاع العقوبة المناسبة"، موضحاً أن التعويضات المبالغ فيها نحو الأخطاء الطبية غير موجودة في "المملكة"، بينما تشتهر الدول الغربية بالمطالبات الباهظة في مجال التعويضات، لافتاً إلى أن إرجاع تقدير حجم الضرر الحقيقي يكون إلى لجنة شرعية قضائية هي التي تفصل بين هذه المطالب أو الشكاوى ويكون بعضها كيدياً، لذا يتم رفضها. تأهيل القضاة د. سهيلة زين العابدين وقالت "د. سهيلة زين العابدين" -عضو هيئة حقوق الإنسان-:" رغم ثبوت الأضرار المادية المترتبة على الأخطاء الطبية إلاَّ أنَّ المُلاحظ على أحكام الهيئات الشرعية الصحية أنها تقصر التعويضات المالية على الدِّية، إلى جانب تجاهلها، بل ورفضها للتعويضات المعنوية"، داعية إلى تأهيل القُضاة في الهيئات الشرعية الصحية على تقدير التعويضات المالية والنفسية والمعنوية المترتبة على الأخطاء الطبية، مقترحة أن يكون من بين أعضاء هذه الهيئات عدد من أعضاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، مؤكدة على أن الأحكام المتساهلة وضآلة تعويضاتها والتباطؤ في إصدارها سيضاعف من الأخطاء الطبية الآخذة في الزيادة. وأضافت أنه في الوقت الذي لا يجوز فيه أن يُحكم في خطأ طبي نتج عنه عدة إعاقات لمريض وإتلاف بعض منافع جسده بمبلغ يتجاوز (11) ألف ريال، نجد أنه لا يُلتفت إلى ما ترتب على هذا الخطأ الطبي من اضطرار المريض أو ذويه إلى صرف مبالغ طائلة لتأهيله مع إعاقته وما فات عليه من منافع جوارحه وأعضائه التي أصابها التلف، مبينة أن هناك تغافلاً عن الأضرار النفسية التي تُصيب المريض، وقالت:"من قال إنَّ التعويض عن الأضرار المعنوية لا أصل له في الشريعة الإسلامية؟"، مشيرة إلى أن الثابت من نصوص الشريعة أنّ الحقوق المعنوية محل عناية الشريعة واعتبارها، وأنه يمكن التعويض عنها بمال. وأشارت إلى أن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أمر عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أن يُعوِّض رجلاً (20) صاعاً من تمر مقابل ترويعه، فما بالكم بمن يتسبب في يُتم أطفال وحرمانهم من حنان ورعاية أحد والديهم، أو فقدان أحد الحواس؟، لافتة إلى أن هذا الحديث يُعد أصلاً في التعويض عن الضرر المعنوي، وأصلاً في أنّ تقدير التعويض في هذه الحال يكون جزافياً حسب اجتهاد القاضي وما يراه مُحققاً للمصلحة وجابراً للضرر، وكذا الحال بالنسبة للأضرار المادية، إذ ينبغي عدم الاكتفاء بالدية التي ينبغي إعادة النظر في تقدير قيمتها. وبينت أنه إذا لم يستطع المتضرر إثبات الضرر بشكل قطعي، فإن على القاضي الأخذ في إثبات هذا الضرر بالقرائن وشواهد الحال، وما يجري عليه العُرف في مثل هذه الأحوال، وما يقتضيه الحس والواقع، ثم يقضي في ذلك بما يصل إليه من غلبة ظن، موضحة أن ذلك مُعتبر في الشريعة، إذ ليست كل الأحكام تُبنى على القطع واليقين، وإلاَّ لما جاز الحكم بناءً على شهادة شاهدي عدل؛ لاحتمال خطأهما أو حتى كذبهما. سعيد النقير حقٌ مشروع ولفت "سعيد النقير" -مدير العلاقات العامة والإعلام بالشئون الصحية بعسير- إلى أن صرف مُستحقات المرضى حق مشروع كفله النظام لجميع المرضى الذين يتم تحويلهم مع مرافقيهم من قبل الهيئة الصحية بمنطقة عسير، مضيفاً أن ذلك يكون بواقع (300) ريال للمريض ومثلها للمرافق عن كل يوم، موضحاً أن صرف هذا المبلغ المُستحق يخضع لشروط تتطلب استيفاء مُسوِّغاتها، ومن أهمها صورة من قرار الهيئة الطبية العامة، وأصل قائمة المواعيد من المستشفى المُحوَّل له المريض "برنت"، وصورة إثبات الهوية للمريض والمرافق، ورقم حساب البنك الدولي "الآيبان". وأضاف أنه فيما يخص التنويم فإنه يلزم إحضار مشهد من المستشفى المُحال إليه المريض بعدم تأمين سكن للمرافق، على أن يتم تسليم هذه الأوراق لأقرب مستشفى يراجعه المريض في المنطقة، وبالتالي يتم رفعها للصرف من قِبَل المستشفى للمديرية، موضحاً أن المديرية تعمل على تدقيقها ورفعها للوزارة لإقرار الصرف، ومن ثم تُودع بشكل آلي في حسابات المستفيدين، مشيراً إلى أنه بعد استكمال مُسوِّغات الصرف يتم رفعها للوزارة، ويتم الصرف مركزياً حسب توفر البند، مبيناً أنه يتم الصرف بمُعدل شهرين قد تقل أو تزيد، لافتاً إلى أنه بالنسبة للأخطاء الطبية فإن المخول فيها الهيئة الصحية مع قاضٍ من المحكمة، وبالتالي فإنهم هم من يُقرِّرون التعويض بحسب الضرر.