إن تغيير سلوك المستهلك الذي تعود على أسعار طاقه رخيصة "مدعومة"، لن يتغير بنشر الوعي لأنه يفترض أن الأسعار ثابتة ولن تتغير عبر الوقت حتى ولو اتسعت الفجوة بين العرض والطلب وأدى ذلك الى نقص حاد في الانتاج مقابل الطلب المتصاعد في المستقبل. نحن نعرف جيداً أن بعض المسؤولين أو المحللين يغضون النظر عن رفع الأسعار خوفاً من ردة الفعل، مهما ارتفعت التكلفة الفعلية ومهما توفرت المعلومات عن إحباط الشركات المحلية والعالمية التي تنقب عن الغاز ضمن عقودها المشتركة لإنتاج المزيد منه وسد حاجة البلد وتوفير جزء من استهلاك النفط بقصد التصدير، مما يدعم الايرادات على تلك الاستثمارات الهائلة ويعزز تمويل عمليات التنمية. إن توسع الشركات في استكشاف المزيد من الغاز يزيد من رفاهية المواطن والمضاعف الاقتصادي على الاستثمار في الصناعات الأساسية ويحفّز الاستثمارات في الصناعات الثانوية والمساندة، حيث ينمو إجمالي الناتج المحلي، مما يزيد الطلب على العمالة المحلية وتوظيفهم في وظائف ذات دخول مرتفعة. إن أي تأخير في تعزيز الإنتاج وإمدادات الغاز للمستهلكين سيكون له نتائج عكسية على النمو الاقتصادي والتوظيف المتوقعين، حيث ان توفير وظيفة واحدة في صناعة البتروكيمياويات الأساسية ستتوفّر مقابلها عددا أكبر من الوظائف في قطاعي المساندة والخدمات. اننا نشهد بين فينة وأخرى نقصا في امدادات الغاز فما بالك مع نمو الصناعات وارتفاع الطلب مع بقاء السعر عند صفر من المرونة أي لا يؤثر عليه تغير عوامل السوق، فإن أي نقص سينعكس سلبياً على أداء قطاع الغاز. كيف لا وسعر كل مليون وحدة حرارية بريطانية 0.75 سنت، بينما سعره في بورصة نيويورك 5.56 دولارات أي 5 مرات أضعاف السعر الحالي، مما يجعل من تجميع الغاز المصاحب اقتصاديا لحرقه بدلاً من تجميعه المؤقت والذي يتطلب استثمارات عالية وتوسعا في نظام التجميع. إننا نظلم انفسنا ونظلم اقتصاد بلدنا بإهدرانا تلك الثورة الناضبة واستهلاكها بأسرع من المتوقع دون فائدة اقتصادية مستدامة وليس له علاقة بالنقل العام قطعياً. إن بقاء سعر الغاز أقل من نقطة التسوية لم يعد مقبولاً. فكل عام ونحن نتوقع خطوة ايجابية برفع سعر الغاز تدريجياً إلى 1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية حتى نصل إلى متوسط السعر العالمي. لقد بلغ انتاج السعودية من الغاز 10.72 مليارات قدم مكعب يومياً باحتياطي بلغ 284.8 تريليون قدم مكعب، حيث يستهلك الانتاج من غاز البيع "الميثان" 7.980 تريليونات وحدة حرارية بريطانية يومياً وإلايثان 1.509 تريليون وحدة حرارية بريطانية يومياً في عام 2012 وذلك لتشغيل معامل الكهرباء ومياه التحلية والمصانع. إن الوطن يخسر وبحسابات بسيطة يتضح لنا حجم تلك الخسارة من غاز البيع فقط، حيث بلغت 22.41 مليون ريال يوميا "الفرق بين سعر البيع محلياً وسعر البيع في بورصة نيويورك"، علماً أن الأسعار العالمية تفوق ذلك السعر كثيراً ولكن بسبب وفرة الغاز الطبيعي والصخري في الولاياتالامريكية ان خفض السعر من 13.4 دولارا لكل مليون وحدة حرارية الى 3.56 دولارات حالياً. ورغم طلب الحكومة من شركات البتروكيماويات باستخدام تقنيات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة من أجل تلبية طلبها، إلا أن نمو الصناعات ذات الكثافة الاستهلاكية للطاقة خلال العقد الماضي بوجود الغاز الرخيص مقارنة بما يدفعه المنافسون في أنحاء العالم، جعلها تتمادى وتتذرع بأنها ميزة نسبية لو خسرتها ستخسر ويخسر الاقتصاد وتزيد البطالة، وهذا كلام مردود عليه. إن رفع السعر تدرجياً بعد أن تراكمت التكاليف وتضاءلت المكامن ذات التكاليف المنخفضة، وأدى ذلك إلى البحث عن مكامن الغاز في قاع البحر وغير التقليدي مرتفع التكاليف من أجل تلبية الطلب المتصاعد. انها رسالة وطنية بأننا نخسر طاقتنا من غاز البيع بأكثر من 8 مليارات ريال سنوياً ونخسر أكثر من 220 مليارا سنوياً لدعم الوقود والكهرباء والقرار قرارنا جميعاً.