لم يتحول السجين بمجرد دخوله لزنزانته إلى مواطن منفصل عن المجتمع، بل إنه مازال ابن الوطن، ودخوله لنيل العقوبة المقررة عليه لا يعني أبداً فصله عن نسيج المجتمع، من هذل المنطلق كان ولابد من توفير الحياة المؤهلة للسجين لمساعدته للعودة فاعلاً في مجتمعه عن طريق السجن، ويكون فرداً صالحاً، ومحاكمته لم تكن لمعاقبته فقط، بل لفتح المجال والطريق أمامه، حتى يتغير بواقع معاملة تطويرية، ويتحول إلى إنسان إيجابي، وتلك الخطوة الهامة تتطلب وجود متطوعين مؤهلين يستطيعون الدخول إلى السجون، لتنمية ذلك الإنسان ورفع معنوياته إلى الأفضل. وعلى الرغم من أنّ الباب مفتوح في السجون، وأنّ إدارات السجون تبذل جهداً ملحوظاً في دفع السجين إلى تعلم مهارة أو مهنة تساعده على الانطلاق في الحياة من جديد بعد خروجه، إلاّ أنّه لابد أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني ولبعض المدربين والمتطوعين المختصين في المجال الاجتماعي والنفسي والشرعي دوراً كبيراً، عبر منحهم تصاريح دخول لتفعيل دورهم بشكل كامل ومنظم، وذلك لن يحدث إلاّ بوجود نظام واضح، يحمل الإجراءات نحو تفعيل دور الخبراء والمدربين للاستثمار في السجين، وتأهيله نفسياً وفكرياً واجتماعياً من جديد، كذلك لابد من تأهيل المجتمع الخارجي لتقبل هؤلاء المسجونين بعد خروجهم حتى يكون التطوير من الجانبين، إضافةً إلى أهمية إبداء رأي مؤسسات المجتمع المدني في تطوير السجون والسجناء، وإعداد البنية الأساسية للعمل التطويري وللأمور الإصلاحية. محامون ومدربون وأخصائيون ينتظرون تراخيص العمل المدني لمساعدة السجناء وعودتهم فاعلين في المجتمع مبان متهالكة وقال "د. صالح الشريدة" -عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان واستشاري حقوقي-: إنه لا يوجد في سجون الإصلاحية نظام يمنع دخول مؤسسات المجتمع المدني والخبراء إلى السجون لإعطاء دورات تطوعية، بل على العكس المجال مفتوح والزيارات مفتوحة، لكن يحتاج ذلك إلى تنسيق، مضيفاً أنه لكي نتصور السجون سواء كان تصوير فني أو إداري أو تقني فإن المشاركة هنا لا يمكن أن تتوقف فقط على منح التصاريح، إذ أن المسألة تنبني على أن وضع السجون الإصلاحية غير صالحة، فهي تقف أمام التطوير؛ لأنها مبان متهالكة وقديمة في غالب مدن المملكة، مشيراً إلى أن هناك أمراً صدر بتخصيص مبلغ يصل إلى خمسة مليار ريال لتطوير السجون، وحتى الآن لم نر شيئاً واضحاً حيال هذا التطوير. مؤسسات المجتمع وأوضح "د.الشريدة" أنه يوجد بعض السجون التي فيها بعض الأمور الإصلاحية التي يستفيد منها السجين، وربما يخرج رجلاً صالحاً لديه مهنة معينة يعمل فيها بعد خروجه، كسجون المدينة التي يوجد فيه مخابز وأماكن لصنع الأحذية، وكذلك سجن الدمام، مضيفاً أن السجون تحتاج إلى إيجاد مباني تساعد على التطوير ودخول المصانع ومشاركة رجال الأعمال، للإفادة من المساجين وتشغيلهم والقضاء على الفراغ، بل وإيجاد بيئة صالحة في المجتمع بوجود مهنة معينة تخدمهم بعد الخروج، داعياً إلى ضرورة إبداء رأي مؤسسات المجتمع المدني في تطوير السجون والسجناء، ولكن قبل تلك الخطوة يجب أن يكون هناك إعداد للبنية الأساسية للعمل التطويري وللأمور الإصلاحية التي في السجون. عقوبات بديلة وتحدث "د.ماجد القاروب" -محامي وخبير قانوني- قائلاً: إن النظرة السلبية تجاه السجن والسجين هي السائدة لدى السلطات الأمنية والتحقيق والقضاء، وهذا الأمر سائد في دول العالم جميعاً، مضيفاً أن النظرة حيال تأهيل السجناء وتحكيم ظروف وجودهم وتغيير الصورة النمطية تجاههم واعتبار السجن فترة إعادة تأهيل كالمدارس الخاصة عوضاً عن المفهوم بأنه فترة عقاب بدأت تظهر لها بوادر حول العالم، مبيناً أن الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - كان من الرواد على مستوى العالم بمطالبته بتغيير صورة السجن والسجناء، كذلك برنامج الأمير محمد بن نايف للمناصحة هو أحد هذه المتغيرات الإيجابية الحديثة في هذا الموضوع، لافتاً إلى أن ظهور مبدأ العقوبات البديلة في القضاء، والذي نظمت له وزارة العدل في ملتقى ضخم جداًّ في مدينة الرياض في العام الماضي، وناقش مبدأ العقوبات البديلة للسجناء الكبار منهم والصغار بما يعرفوا بالأحداث، وتم دعوة جميع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالخدمات والخبرات الاجتماعية والإنسانية، إضافةً إلى القضاء والأمن، هي أيضاً كانت محاولة جادة نحو تعديل الصورة تجاه السجناء. مهارات تدريبية وأشار "د. القاروب" إلى بعض الجمعيات الخيرية في استهداف برامج لتأهيل السجناء للعمل بعد انتهاء فترة إيقافهم، وكان هناك دعم لوزارة العمل لمؤسسات القطاع الخاص وشركاته، حيث توظيف السجناء لديها، وكذلك صندوق الموارد البشرية أيضاً يسير في هذا الاتجاه، مضيفاً أننا في بدايات التوجه للتعامل بصورة مختلفة عن واقع سلبي نحو مناخ إيجابي آخر للتعامل مع السجناء والسجون، وهذه مسألة تحتاج إلى اختبار بعض الأساليب والطرق قبل أن يشرع في مسألة وضع قوانين ولوائح لهذا الموضوع، مبيناً أن المحاميين يقدمون خدمات تطوعية مجانية للسجناء كما هو الحال لبعض الحالات الإنسانية التي ترد إليها من بعض جمعيات حقوق الإنسان وبعض الجمعيات، التي تعاون معها بعض المحاميين على مستوى المملكة لتقديم المعونة القضائية المجانية، مُشدداً على ضرورة فتح المجال لبعض من لديه مهارة صناعية كالنجار أو الكهربائي أو غيرهم للدخول إلى السجن، وتقديم مهارات تدريبية مهنية للسجناء، ليستفيدوا منها على مستوى حياتي مستقبلاً. مستشار نفسي وقالت "د. سحر رجب" -مستشارة نفسية وأسرية ومستشار معتمد من المجلس العربي-: إننا كلنا بشر نخطئ ونصيب، ولابد لنا من التوجيه المستمر لنرتقي بذواتنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه، مضيفةً أنه أحيانًا يكون السجين ضحية مجتمع أو بيئة غير متعلمة ولا تجيد التعامل مع أبنائها، فيفعلون أعمالاً تخريبية تؤذيهم أولاً وتؤذي من حولهم ثانياً، مبينةً أنه لابد من حرص الجهات المعنية بتقديم دورات تدريبية تؤهلهم وتعينهم على تخطي العقبات التي تواجههم حال خروجهم من السجن، كدورات احترافية تقدم لهم ومن أشخاص مؤهلين لهذا الأمر، وبهذا نكون قد عدّلنا سلوكيات تحتاج إلى التدخل، ذاكرةً أن بعض السجينات تحتاج إلى تعديل سلوك من خلال مستشار نفسي أو معالج، يساعدها على تخطي المشكلات التي لحقت بها وأودت بحالها إلى هذا المآل، مشيرةً إلى أن كثيرات لديهن ردّات فعل متعبة تخللت حياتهن بسبب التعنيف، سوء التربية، الحاجة، البطالة، أمور كثيرة جعلت منها سجينة أو مجرمة. تكثيف الجهود وأوضحت "د.سحر رجب" أن أي شخص يمكن أن يصيبه ما أصاب السجين، ومن هنا علينا أن نُكثّف الجهود من أجل النهوض بمجتمع راقي وواعي ومتفهم، مضيفةً أنه من المهم وجود دورات تدريبية وتأهلية لمن يطول المآل بهن في ردفات السجون، حيث أنه من المفترض تعليمهن صنعة يستفدن منها بعد خروجهن في عمل شريف، مبينةً أنه من الأفضل أن تؤهلهن الجهات المعنية لهذا الأمر، ولا تترك الحبل على الغارب لأصحاب المهن، فالكثير يخاف من أن يتعامل مع هذه الفئات من الناس، ويعتبروهم فئات ضالة، على الرغم من أننا كلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، ناصحةً بالتعامل الحسن مع أي سجين حتى يتسنى له تعديل أخطاءه ويتقبله المجتمع، مؤكدةً على أنه في حال إهمالنا لتلك الأمور، فإنه سوف ينشأ جيل مدمر من كل النواحي، يرغب أن يقتص من الجميع. خطوات إيجابية وأكدت "أمل الكناني" -صاحبة مؤسسة إرسال للاستشارات والتدريب والتطوير- على أن هناك خطوات إيجابية من المؤسسات العامة للتدريب القتني والمهني على الإستعانة بالمدربين، سواء من خلال جهات تدريبية أو مدرب تطوعي، وهذه من ناحية وجود مظلة أساسية للمدرب، مضيفةً أن دخول المدربين للسجون من الممكن فيه إستشهاد بتجربة دولة خليجية، حيث تم الإستعانة بخبراء لهم علاقة بعلم الاجتماع أو علم النفس أو بعلم الجريمة، بحيث يكون لديهم خبرة متوافقة مع المجال المطلوب، فكان هناك تأهيل للمسجونين الذين عليهم أحكام قضائية، حيث تجاوزوا ذلك نفسياً واجتماعياً، مبينةً أن تجربة الشؤون الاجتماعية في تلك الدولة كانت جيدة، حيث تم تأهيل متدربين ومتدربات في مجالين هامين؛ في مجال الشريعة وهو دور القضاة، وفي المجال الاجتماعي والنفسي، كل ذلك من أجل أن تتغيّر القناعات السلبية نحو السجين، ودفعها إلى بدايات جديدة. مُدربون مُؤهلون وشدّدت "أمل الكناني" على ضرورة أن يكون هناك دور كبير لمثل هؤلاء المتطوعين لتأهيل المجتمع الخارجي لتقبل هؤلاء المسجونين بعد خروجهم من السجن، حتى يكون التطوير من الجانبين، مضيفةً أنه لابد من تحرك إدارة السجون والمحاكم لتأهيل المسجونين على غرار تجربة تأهيل السجينات بمهن، بحيث من الممكن أن يستفيد من تلك المهنة بعمل حر من خلال الجهد الذاتي أو مساعدة الجمعيات الخيرية، مبينةً أنه في حالة تبني فكرة السماح بإعطاء تصاريح للمختصين الدخول إلى السجن، فيجب الاعتماد في ذلك على المُدربين وليس المتطوعين، إذ لابد أن يكون المُدربين مُؤهلين، بحيث يكون لديهم الخلفية النفسية والخبرة العملية في هذا المجال؛ لأن هذه المنطقة محفوفة بالمخاطر، متسائلةً: هل هناك فعلاً آلية واضحة من خلال كل وزارة للشروع في ذلك؟، ومن المسؤول المباشر للتواصل معه بذلك الخصوص؟. وأضافت: لابد من تأهيل المجتمع ليس من خلال التدريب، لكن من ناحية برامج التقبل، بحيث يكون هناك توعية لهم من خلال العلاقات العامة؛ لأنهم يعرفون المهارات التي من الممكن أن تؤثر في أفراد المجتمع، ويمكن للمدربين ضرب الأمثلة في برامجهم وربطه بالسجناء، بحيث يكون هناك تركيز على الجانب العقلي وإقناع الآخرين على تقبل المسجونين وانخراطهم في المجتمع. وجود متطوعين مؤهلين يساعد السجين على العودة من جديد كفرد منتج أحد المشروعات الخيرية المقدمة من المؤسسة د. صالح الشريدة د. ماجد القاروب د. سحر رجب