هذا كتاب قرأته مرتين، مرة وهو مسودة معدة للطبع والنشر، ومرة أخرى بعد النشر، وفي المرتين لم أفقد حماستي في القراءة صفحة بعد صفحة ليس لأن هذا النوع من الكتب التي توثق تجارب شخصية ذات طبيعة صحفية مغامِرة، من بين مفضلاتي في القراءة وحسب، ولكن أيضا لأنه بقلم ريم الميع. وريم صحفية كويتية شابة أعجبت بطريقتها في الكتابة وتناول الخبر الصحفي والتحقيق الميداني منذ بداياتها في تسعينيات القرن الماضي في صحف ومجلات كويتية، فهي تكتب بلغة عربية رشيقة وحس ساخر لا تكاد تبرع فيه الصحفيات مقارنة بزملائهن من الصحفيين، ولأحتمل في سبيل هذه الملاحظة الأخيرة غضب "النسويات" المتوقع! من هذه النقاط كلها انطلقت لقراءة كتاب "كويتية في غوانتنامو" الذي عاصرت مراحل كتابته النهائية بشكل شبه يومي، وكنت أرصد ذلك القلق الذي تعيشه ريم وهي تستعد لتقديم كتابها الأول للقارئ، وكنت خلال ذلك القلق المتصاعد ألمح، من طرف خفي، ما يشبه اللوم الذي تريد توجيهه لي ربما لإلحاحي عليها بفكرة إصدار هذا الكتاب طوال الشهور التي سبقت اتخاذها للقرار النهائي. ريم كانت تود أن تقول لي أنك أنت المسؤولة ياصديقتي العزيزة عما سوف أشعر به لو لم يستقبل القارئ كتابي الأول بما يليق باجتهادي وانتظاري، وكنت أبتسم لتلك العبارة التي أشعر بها على أطراف لسانها كلما التقينا أثناء عملها في كتابته وإعداده للنشر، لا لأنني كنت واثقة من تقبل معظم القراء العرب له قبولاً حسناً وحسب، بل أيضا لأنني مؤمنة بأن رضا القارئ لا ينبغي أن يكون هدف الكاتب الأول من الكتابة، وأن ريم ستصل لهذه القناعة بمجرد أن تضع النقطة الأخيرة في نهاية السطر الأخير من كتابها وتقدمه لدار النشر، وهذا ما حدث لاحقاً فعلاً كما يبدو. و"كويتية في غوانتنامو" تجربة فريدة من نوعها سجلت فيها ريم تجربتها التي تعدت الحدود الشخصية إلى حدود أوسع تهم قراء كثيرين ليس في الكويت أو الوطن العربي وحسب بل في العالم كله. فحدث الحادي عشر من سبتمبر بكل معطياته وتداعياته والآثار التي تركها على العالم بأسره كان أكبر من فهمه محلياً أو إقليمياً، وكان دائما بحاجة إلى سبر المزيد من أغواره عبر البحث في كل التفاصيل التي أحاطت به وتلته أيضا. وفي هذه الرحلة التي استمرت لثلاثة أيام في سجن غوانتنامو تقدم لنا ريم بعد 11 عاماً على قيامها بها رؤية مختلفة ربما عن كل ما سبق أن كُتب، ففي محطات سريعة ودقيقة رسمت المشهد بكامله من خلال رؤية محايدة قدر استطاعة الصحفي أن يكون محايداً في مثل هذه الأمور، ورغم كل ما كتب حول هذا الحدث الذي زلزل العالم فإننا سنبقى دائماً ننتظر المزيد وخاصة لجهة التداعيات التي لحقت به ونتجت عنه، ومنها على سبيل المثال تجربة سجن غوانتنامو والذي يكاد يعتبر الأول من نوعه على هذا الصعيد. وبما أن هذا السجن ما زال قائماً رغم وعود الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع بداية عهده الأول بإغلاقه.. فإننا مرشحون لأن نقرأ المزيد من المعلومات والتفاصيل والآراء حوله. ومع أمنياتي للقارئ أن يستمتع بالتطواف مع المؤلفة في محطات الكتاب المثير كما فعلت أنا، فإنني أتمنى أن أقرأ قريباً كتاباً لريم، أو لغيرها، يرصد تجربة إغلاق هذا المعتقل الكريه والذي قضى فيه بعض الشباب البريء سنوات من أعمارهم بلا محاكمات ولا عدالة.. ولكن بكثير من الأمل الذي أبقاهم على قيد الحياة.