من المفارقات الساخرة في الإدارة الأميركية الحالية أو مع أوباما تحديداً فيما قال:"أميركا ليست شرطي العالم" وهو نفي في الحقيقة لما هو قائم فعلاً ! أحسن الأمير تركي الفيصل حين وصف مواقف أوباما بأنها "تدعو للرثاء" فعلاً تدعو للرثاء لأن أميركا الأخرى التي أظهر ضعفها ما لم يُعهَد في تاريخها وكشفه موقفها وتعاملها مع الثورة السورية تحديداً وبقية الثورات العربية ما يطرح السؤال: لماذا لم تكن أميركا هي الدولة القوية القادرة على قيادة التفاوض وخوض الحروب وتحرير الأمم كما كانت في عهد بوش الأب وبوش الابن وبينهما الديموقراطي بيل كلينتون لماذا؟! حين شكّل قرار السعودية بالاعتذار عن إلقاء الكلمة في الأممالمتحدة، ثم الاعتذار عن عضوية مجلس الأمن صدمةً للعالم والمجتمع، وهي أبلغ من ألف صرخة، وآلاف الصيحات والصراخ تداول الإعلام العالمي هذا القرار التاريخي، وهذا الاعتذار الصادم والقوي من دولة بثقل السعودية وأكبر حلفاء أميركا الاستراتيجيين حين انتقدت السعودية مجلس الأمن وبكل صراحة .. لم يحم مجلس الأمن البوسنيين ولا الكوسوفيين ولا اللبنانيين ولا الفلسطينيين ولا السوريين، لم يحم إلا مصالح أعضائه والصفقات التي تعقد يميناً وشمالاً. يقدم إيان شابيرو بروفيسور العلوم السياسية في جامعة يال رؤيته في كتابه المهم (نظرية الاحتواء- ماوراء الحرب على الإرهاب) أن الترويج لإحلال الديمقراطية من خلال تطبيق نظرية الاحتواء سيُمكّن من احتواء الدول المتمدّدة كإيران رغم تطويرها للأسلحة النووية بل والتحالف معها! ما لم تستوعبه أميركا "الأوبامية" في موقف الدبلوماسية السعودية تجاه الإنسان والشعب السوري أن هناك ثوابت في السياسة السعودية لا يمكن تجاهلها أو التغافل عنها، وهي ممكنة لمن قُدّر له قراءة العلاقات بين سورية والسعودية. هناك فرق بين السياسات التي تتبع مبدأً ميكافيلياً صرفاً في الإدارة للعلاقات والمصالح بحيث تكون الوسائل كلها متاحة مادامت توصل إلى الغاية، وبين أن تكون السياسات مرتبطة بالأخلاق والإنسانية في التعامل مع الأزمات. هناك ثابت إنساني أساسي في إدارة السعودية لأي أزمةٍ ولأي ملف. ذكرت آنفاً أنّ من عجائب السياسة الأميركية الحالية نزوعها إلى الانكماش بدلاً من الانتشار والتأثير. أوباما الغارق بنظرياته الثقافية ومثل القانون ومثُل المحاماة لم يكن على وتيرةٍ واحدةٍ أبداً. تارةً كان يهدد بضرب سورية حتى من دون موافقة الكونجرس، وتارة أخرى يحيله إليها، وتاراتٍ أخرى لا ينوي أصلاً توجيه ضربة إلى النظام السوري، أمّا مسرحية نزع الأسلحة الكيميائية ففصل ساخر آخر من فصول هذا التنازع بين المواقف بين التصعيد والبرود، بين الوتيرة العالية والوتيرة الهادئة والذي يبين مدى التخبط لدى الإدارة الأمريكية وتحديداً أوباما!