خلال الأشهر السبعة الماضية تكررت عبارة "تطهير" في أكثر من حادثة. حين شغب بعض المخربين في بريدة كتب البعض "تطهير بريدة"، والبعض الآخر "تطهير القصيم"، والآن وبعد مطاردة الهيئة في اليوم الوطني ومقتل ضحيتين مطاردتين، ردد البعض مطالباً ب"تطهير الهيئة"، وهذا المصطلح خطير جداً ذلك أن التطهير ليس مصطلحاً يرتبط ب"الطهر" بمعنى شرعي، وإنما يرتبط بفعل "التطهير العرقي"، وقد استخدم في الإعلام كثيراً في سنة 1990 خلال عمليات التطهير العرقي في يوغسلافيا السابقة ومذابح رواندا، والآن يستخدم في أكثر من مكان، وقد تم استخدام مصطلح يشبهه في العراق مثل "اجتثاث البعث" أو قوانين "العزل" والتي كلها تصب في التطهير المبني على جهوية أو عرقية أو تصفيات فكرية. الأمر أسهل من ذلك بكثير، لا يجب أن تكون ثقافتنا حدّية تجاه الأمور والأحداث. يمكن أن نستبدل مثل هذه المفردات بأخرى واللغة العربية مليئة بكلمات مثل:"تصحيح، ضبط، تغيير، تجديد، إصلاح" كلها عبارات سائدة وصحيحة لغةً ومعنىً. الذي تدل عليه مثل عبارة "التطهير" أننا لا نتحمل الآخر المختلف، وقد ذكر ابن خلدون في كتابه أن حدة المناخ تؤثر على حدة المجتمع. نحن بين شتاء وصيف، فلا خريف ولا ربيع، بين الشتاء والصيف أيام قليلة يدخل معها البرد القارس أو الحر الساحق الماحق، لهذا نكون إما مع أو ضد. والكل يريد أن يصفّي الكل. حدثني صديق أنه زار قريته قبل أيام، وبينما الناس جلوس إذ بأحدهم يرفع صوته صارخاً وهو يقول: "والله لو أعلم أن في هذه الجلسة أحد يعارض الإخوان لضربته"! يصمت الناس عادة في مثل هذه المواقف، لا خوفاً، بل حكمة وعقلاً. المشكلة أننا نريد أن نسحق العالم وأن نصمم كل شيء على أمزجتنا وآرائنا. بآخر السطر، ثقافة "التغيير الجذري" أو "التطهير" لا يمكن أن تنجح، والاجتثاث، لا سيما في الحوارات الاجتماعية، مبدأ لا يستخدمه إلا قليل الوعي، أو من يستند إلى ماضٍ تليد في "العربجة"!.