على مدى نهار كامل آخر، استمع الإعلاميون اللبنانيون الى 4 مداخلات في محكمة يوغوسلافيا السابقة، ثم الى 4 محاضرات أثناء زيارتهم المحكمة الجنائية الدولية، عن أجهزة كل منهما وتاريخهما. ومثل مبنى محكمة لبنان، يعجّ مبنيا المحكمتين بالموظفين والقضاة والخبراء الداخلين الى مكاتبهم عند الصباح الباكر ليتوزعوا على مكاتبهم الموجودة في أجنحة عدة. في بهو مدخل محكمة يوغوسلافيا السابقة الفسيح والذي تتوزع فيها أجنحة كل منها من طبقات عدة، تطالعك ردهة صغيرة وضعت فيها أكشاك عليها منشورات وكتيبات في كل منها شرح لكل قضية عالجتها أو تعالجها المحكمة، مع صور المدانين والمتهمين من كبار المسؤولين في دول يوغوسلافيا السابقة وتعريف بالجريمة والقرار الاتهامي في شأنها. كذلك الأمر بالنسبة الى المحكمة الجنائية الدولية حيث وزّعت ملفات عن الجرائم التي تابعتها أو تتابعها في العالم. فهذه المحكمة أنجزت منذ عام 1993 إجراءاتها في حق 125 شخصاً من أصل 161 دينوا. 23 متهماً هم الآن قيد المحاكمة و18 شخصاً في مرحلة ما قبل المحاكمة واثنان متواريان، 13 قضية باتت في مرحلة الاستئناف، 51 حكماً تمت مراجعتها، ومن أصل هذه المراجعات هناك 38 أحيلت على الاستئناف. اهتم المسؤولون في محكمة يوغوسلافيا السابقة عند ترحيبهم بالإعلاميين اللبنانيين ان يبلغوهم أن «هذه المحكمة ستنهي أعمالها بعد فترة وستقفل (كونها موقتة) ونحن على ثقة بأن رسالتها ستستمر بعدها وسنترك وراءنا منظمات مجتمع مدني ستحمل الرسالة. فمكتب التواصل الخارجي فيها قام بنشاطات عديدة للاتصال بالناس وهيئات المجتمع ليشرح لها عمل المحكمة من أجل العدالة». ومرة أخرى أُسقطت أسئلة اللبنانيين على بعض جوانب عمل المحكمة، عن تأثير وقف التمويل قال محقق استرالي عرض تجربته في مرحلة التحقيقات في جرائم دول يوغوسلافيا السابقة قال: إنه يؤثر سلباً في تأخير التحقيق. حصل ذلك معنا ثم عاد التمويل وواصلنا العمل (موازنة العمل بدأت بأقل من 500 ألف دولار أميركي وهي بلغت ما يقارب ال400 مليون دولار). عن الاتصالات الهاتفية الخليوية وما إذا كانت تشكل دليلاً في المحاكمة قال: في جرائم يوغوسلافيا لم تستخدم على حد علمي، لكن حين كنت أعمل في استراليا فككنا امبراطورية لتهريب المخدرات بفعل التعقب لاتصالات الهاتف الخليوي. انها دليل يأخذ الوصول اليه وقتاً طويلاً، لكن إذا تم الوصول اليه فإنه دليل قوي. وعما إذا صادفت المحكمة شهود زور قال: هناك حالات ظهر فيها أن شهوداً تابعين للدفاع كذبوا فتم سحب شهادتهم ولم يغير ذلك في قرار الاتهام. وعن العبث بمسرح الجريمة قال: مهما عبثوا بمسرح الجريمة لا يمكن تنظيف كل شيء وإخفائه. في يوغوسلافيا نقلوا إحدى المقابر الجماعية من مكانها. عاينا المكان وعبر تحليل التراب برهنّا أن المقبرة الموجودة في مكان ما نُقلت من مكان آخر... محكمة يوغوسلافيا، خلافاً لمحكمة لبنان، لم تكن تشمل في أجهزتها مكتباً للدفاع. وحرص أحد كبار مستشاري غرف المحاكمة فيها بعد شرحه للاجراءات التي تعتمد وصولاً الى المحاكمة على الإشارة الى 3 حالات احتقار أو عصيان (contempt) في المحكمة بالقيام بالتلاعب بقضية أو بترهيب شهود أو تزوير شهادات... الخ. وعرض أسماء الذين اتهموا ودينوا فيها: إحدى المحاميات زورت إحدى الشهادات. متحدث باسم المحكمة هرب وثائق وموظف ثالث أفشى اسراراً، واتخذت اجراءات في حقهم. وفي الزيارة الى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، شرح المسؤولون في أجهزتها وفق إنشائها عام 2003 استناداً الى معاهدة روما. وقعت عليها 114 دولة وامتنعت دول أخرى بينها أميركا واسرائيل على رغم انه يمكنها التحرك في أي مكان في العالم لملاحقة المسؤولين عن مجازر التطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية والمجازر. «إننا نلاحق السمكة الكبيرة»، تقول ريجينا وايس من مكتب المدعي العام. وهي مختلفة بهذا المعنى عن محاكم يوغوسلافيا ورواندا ولبنان وغيرها. أي أنها تهتم بمن أعطى الأوامر والمسؤول عن الجرائم. واعتبرت وايس أن تنقل الرئيس السوداني عمر البشير (في حقه مذكرة توقيف في قضية دارفور) بين مطارات كينيا وتشاد الشهر الماضي كان مخيباً للآمال. ويقول ديفيد كولبر المسؤول في غرف المحكمة أن المحاكم الأخرى الموقتة أكثر صعوبة وكلفة ويسهل طرح الأسئلة حول شرعيتها نظراً الى أنها تنشأ لقضية محددة. واعتبر أن انتماء الدول الى الجنائية الدولية بمثابة بوليصة تأمين وإذا قام القضاء المحلي بالتحقيق في جرائم معينة فإن الجنائية الدولية تمتنع عن النظر فيها. وأشار الى أن تصديق الدول على المحكمة الجنائية يجنب اللجوء الى مجلس الأمن عند وقوع أي جريمة تفادياً للشكوك حول التسييس والى أن جريمة الحريري ليست من اختصاصها لأنها لا تصنف كجريمة ضد الانسانية أو إبادة جماعية... تبذل دوائر المحكمة جهداً من أجل إقناع عدد من الدول العربية بالانضمام الى معاهدة المحكمة وكذلك دول في أميركا اللاتينية وأفريقيا. ويلعب مكتب التواصل فيها دوراً في تعريف جمهور الدول التي تتولى فيها المحكمة ملاحقة جرائم عبر تنظيم نشاطات تثقيفية وزيارات الى المتضررين (ومنها السودانيون الدارفوريون المقيمون خارج السودان) لإبلاغهم بالملاحقة الجارية للجرائم التي ارتكبت ضدهم وبالعمليات القانونية.