إن صدور نظام الحماية من الإيذاء في 26/10/1434 ه خطوة موفقة ومهمة جداً لحماية فئة مستضعفة تحتاج للحماية والرعاية من ولي أمرها، وهو الذي لا يتصور أن يقوم بإيذائها، وبعد ثبوت عدد من جرائم الإيذاء والتعذيب للأطفال والنساء من قبل أولياء أمورهم، وقد شمل النظام جميع أنواع الإيذاء الجسدي واللفظي والجنسي لأي شخص، وهذا مؤشر إيجابي لحماية الطرف الضعيف من الإيذاء بشتى أنواعه وصوره. إن جرائم العنف الأسري في المجتمع السعودي لم تكن معروفة من قبل وقد وصل بعضها إلى جرائم القتل، مما أدى إلى اصدار هذا النظام بعد سنوات طويلة من الدراسة والمناقشة، وإنني هنا أشكر مؤسسة الملك خالد الخيرية على تبني فكرة هذا النظام، فقد قامت بدعم دراسة تهدف لوضع "نظام الحد من الإيذاء في المملكة العربية السعودية" من تنفيذ الأميرة منيرة بنت عبدالرحمن آل سعود وأ.د. سامي عبدالعزيز الدامغ بالتعاون مع خبراء قانونيين. إن ما قامت به هذه المؤسسة الخيرية المباركة من دعم وتشجيع لجهود الباحثين والمختصين، لهو دليل على حرصها على خدمة المجتمع، وقد صدر هذا النظام بعد دمج مشروعي نظام حماية الطفل ونظام الحد من العنف ليكون مظلة عامه تسهم في رصد متكامل ودقيق لمتابعة وعلاج جميع حالات الإيذاء، كما أن النظام الجديد يوفر الحماية لكل من يبلغ عن حالة إيذاء اطلع عليها ويحثه على الإبلاغ الفوري عنها، ولعل هذا الجانب هو من أهم مميزات النظام الجديد إذ طالما وقف تخوف البعض من التصدي للعنف أو الإيذاء عائقا دون اكتشاف حالات العنف الأسري أو الإيذاء بالاغتصاب أو التحرش أو الضرب أو حتى التضييق وتقييد الحرية في العمل. النظام يحمي شريحة من المجتمع لذا وجب على الجهات المختصة والجمعيات ومراكز التوعية القانونية توعية هذه الشريحة بهذا النظام وبحقوقها. والجهات التي يلجأ إليها من وقع عليه الإيذاء. وقد اطلعت مثل غيري على النظام ورأيت بعض الملاحظات التي تحتاج للدراسة والإيضاح ومنها: عدم تحديد جهة مختصة تكون مسؤولة عن وضع آليات التعامل مع حالات العنف والإيذاء، وهذا ينتج عنه تضارب في تطبيق هذا النظام والعمل به، كذلك عدم تحديد الجهات المحددة لاستقبال الشكوى والبلاغ. جاء في تعريف الإيذاء: هو كل شكل من أشكال الاستغلال دون ذكر للعنف أو الضرب أو التعدي وأكتفي بذكر إساءة المعاملة، وأرى أن يكون تعريف للإيذاء كالآتي: هو كل شكل من إشكال العنف أو الضرب أو الاعتداء أو الاستغلال أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الاعتداء الجنسي أو التهديد به يرتكبه شخص تجاه شخص آخر.. إلى آخر التعريف كما ورد، من ايجابيه تعريف ما ذكر في آخره من الامتناع أو التقصير في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد الأسرة. المادة الثالثة جاءت عامة في فرعها الأول فقد أوجبت على كل من يطلع على حالة الإيذاء الإبلاغ فوراً، وهذا شي ايجابي ولكن لو حدد على كل فرد ذكر أو أنثى كبيراً أو صغيراً الإبلاغ فوراً عن أية حالة إيذاء، وجاء فرعها الثاني بتخصيص وجوبها في حالة الموظف العام ولكن اقتصر التبليغ عن طريق إداريته، وأوجب عليه الإحاطة لجهة عمله، وهنا وضع يحتاج الى إيضاح وتحديد. في المادة الرابعة ذكر الجهة المختصة والشرطة، وكان الأفضل ذكر رجال الضبط الجنائي بأنهم من يتولون تلقي البلاغات عن حالات الايذاء، وذلك لتوسيع دائرة تلقي البلاغات وعدم حصرها في الشرطة، التى هي جزء من رجال الضبط الجنائي حسب نص المادة (26) من نظام الاجراءات الجزائية، كذلك في الشق الثاني من المادة الرابعة ذكر ان الإحالة من الشرطة الى الجهة المختصة، وهناك اسأل من هي الجهة المختصة ؟وحسب النظام الجزائي السعودي فإن الجهة المختصة هي هيئة التحقيق والادعاء العام، ويفترض أن تذكرها المادة. نصّت المادة الخامسة على المحافظة على سرية الحالة وعلى هوية المبلغ، وهذا يحسب للمادة، ولكن جاء الشق الثاني من المادة في المساءلة التأديبية لكل موظف عام مدني أو عسكري وهذا قصر وتحديد أرى أن فيه خلل، والأصح من جهة نظري هو المسألة التأديبية لكل شخص يخالف الأحكام المتعلقة بالإبلاغ عن حالات الإيذاء الواردة في هذا النظام. نصّت المادة السابعة على اجراءات اجتماعية إصلاحية أرى انها تعيق من تطبيق النظام وهي يمكن الاستفادة منها في حالات التدابير الاحترازية ولا تتناسب مع نظام التجريم والعقوبة. نصت المادة الثامنة والمادة التاسعة على اجراءات تحتاج الى ايضاح فهي فيها بعض الغموض وتركت المسؤولية على الجهة المختصة، وهذا يجعل الجهة المختصة هي من تقرر الحالات وهنا مكمن الخلل، فيجب التعامل مع كل شكوى أو بلاغ على أنها دعوى جنائية يجب ألا تنتهي إلا من هيئة التحقيق والادعاء العام أو من القضاء أو تنازل من الطرف المتضرر مع متابعة الحالات من قبل الجهات الاجتماعية. نصّت المادة الثانية عشرة على أن جهة الضبط هي التى تحيل قضايا الإيذاء الى جهة الاختصاص وهذا يناقض ما سبقه في الماده الحادية عشرة. نصت الماده الثالثة عشرة على العقوبة المقرّرة وحددتها بحد أعلى وحد أدنى للحبس والغرامة وهذا ما يجب أن يكون في أي عقوبة تعزيرية، ولكن أرى أن ربطها بالعقوبات الأخرى في بداية نص المادة ليس له أهمية، لأن هذه نظرية معروفة في القضاء وهي نظرية تداخل العقوبة ومعمول فيها شرعاً فلا داعي لذكرها لأنها مجال للّبس والتعارض. نصت المادة الرابعة عشرة على عدم تعارض بين هذا النظام والأنظمة الأخرى، وهذا يدخل النظام في اشكاليات كثيرة مع الأنظمة الاخرى خاصة أنه أول نظام يصدر، فلماذا لا يكون هو النظام المعمول به وينسخ ما سبق من اجراءات؟ المادة الخامسة عشرة نصّت على التدابير الوقائية وهذه ضرورية للوقاية من الوقوع في مثل هذه الجرائم، والمفروض في هذه المادة تحديد الجهات المعنية بهذه التدابير الوقائية، مثل المدارس، والمستشفيات، والجمعيات الخيرية، ومراكز دور الرعاية الاجتماعية، والجهات الامنية، والجامعات ومراكز البحث العلمي، وغيرها من الجهات المعنية بالتوعية ونشر الثقافة المجتمعية. هذه بعض الملاحظات التى قد تفيد الجهات المسؤولة عن تطبيقه. * باحث في العدالة الجنائية