صدر أخيراً «نظام الحماية من الإيذاء» ليضع حداً لحملات الدعاية المنظمة التي تشنها مؤسسات دولية على المملكة العربية السعودية بقصد تشويه صورة الإسلام كون المملكة تطبق أحكام الشريعة الإسلامية في كل شؤونها. جاء هذا النظام ليغرس خنجراً في صدر الاتهامات بانتهاكه حقوق الإنسان، لا سيما المرأة وبنفس الوقت ليضع حدّاً لأولئك الذين يتقصدون إساءة فهم الدين لبسط نفوذهم الذكوريّ على المستضعفين، ما أدى إلى تفشي الأمراض النفسية والعنف بين عدد من شرائح المجتمع السعودي. بعد طول انتظار أقر مجلس الوزراء السعودي «نظام الحماية من الإيذاء» الذي ضم كل أشكال الإيذاء البدني والنفسي والجنسي وحتى التهديد به وإساءة المعاملة والاستغلال، بما في ذلك الاستغلال المادي أو الاقتصادي من خلال التقصير أو الامتناع عن توفير الحاجات الأساسية للطرف المتضرر، بحيث يوفر هذا النظام الحماية للضحايا من النساء والأطفال وكبار السن والخدم والعمال وذلك بغض النظر عن جنسهم وأعمارهم وجنسياتهم، وفقاً لما ورد في المادة الأولى من النظام. كما جاء النظام ليحطم العوائق الاجتماعية التي تحول دون إبلاغ الضحية للشرطة عن حالة إيذاء تعرض لها من مقربين خوفاً من الفضيحة التي تشكل هاجساً بل مانعاً من تقديم الشكاوى، لأن ذلك كان ولا زال مخالفاً لمبادئ المجتمع السعودي كونه مجتمعاً محافظاً، ما ساهم في تمادي المتسببين في الإيذاء ظناً منهم أن لا رادع لهم. إلا أن النظام فَوّت الفرصة على هؤلاء من خلال إلزامه أي شخص اعتباري خاص أو حكومي، مستشفى أو مركز شرطة، أو أي شخص طبيعي، مدنيّاً كان أم عسكريّاً، في البيت أو في العمل، وسواء كان يعمل في القطاع الخاص أو الحكومي، ألزمهم جميعاً بإعلام السلطة المختصة بتطبيق أحكام النظام بواقعة الإيذاء تحت طائلة «المسؤولية التأديبية»، أي وفقاً للإجراءات التأديبية المنصوص عليها في أنظمة العمل الخاصة بمن يَعلم بحالة الإيذاء من دون التبليغ عنها، لم يتوقف النظام عند هذا الحد فقط بل شجّع كل من يَطلِع على حالة إيذاء الإبلاغ عنها وذلك بضمان عدم الإفصاح عن اسم المبلغ وتقديم الحصانة له، من خلال إعفاء المُبلِّغ حسن النية من المسؤولية في حال كانت الحالة التي تم الإبلاغ عنها لا تشكل إيذاءً، كما أن النظام قدم ضمانات للضحية بالمحافظة على سرّيّة المعلومات، سواء من قبل المُبلِّغ أو من السلطة المختصة. علاوة على ذلك، وهو الحلقة الأهم في هذا السياق، خلّص النظام المرأة الضحية والطفل من عبء المثول أمام الشرطة بحضور ولي الأمر الذي ربما يكون المتسبب في الإيذاء، وذلك من خلال وضع الضحية أمام خيار تقديم الشكوى للسلطة المختصة بتطبيق القانون التي لا يوجد ما يلزمها تلقي الشكاوى من هذه الفئات بحضور ولي الأمر، وهي الإجراءات المعمول بها في مراكز الشرطة، ليس ذلك فحسب، بل ألزم الشرطة أيضاً بتلقي البلاغات عن حالات الإيذاء. ولكن، كما يقولون الفرحة لم تكتمل بعد، لأن النظام يحتوي على ثغرات قد تحول دون تحقيق الأهداف التي وُجد من أجلها لنفي ظاهرة العنف في المجتمع السعودي إلى الماضي دون عودة، ومن هذه الثغرات نذكر: 1- يعطي النظام السلطة المختصة صلاحية تحديد حالات الإيذاء التي يمكن إحالتها على الشرطة، وذلك فقط في الحالات التي تشكل جريمة، على الرغم من أن الإيذاء مهما كانت درجة خطورته هو فعل مجرّم في معظم القوانين في العالم. 2- يعطي النظام الجاني فرصة التهرب من المسؤولية والتفلت من العقاب، لأن العقوبات المنصوص عليها في المادة الثالثة عشرة من القانون لا يمكن فرضها على المتسبب من دون المرور بإجراءات التقاضي التي تبدأ بفتح بلاغ عن حالة الإيذاء لدى الشرطة. 3- قد يفتح النظام الباب أمام الجاني للتمادي في فعل الإيذاء وبشكل متكرر، لأن النظام ما زال يعطي وزناً للاعتبارات الاجتماعية، وهذا ما تجسد صراحة في نص المادة 10 من القانون التي تلزم السلطة المختصة بالأخذ في الاعتبار الوضع الاجتماعي للضحية قبل اتخاذ أي من الإجراءات المنصوص عليها! 4- يمكن تصنيف نظام الإيذاء السعودي على أنه من القوانين اللّيِّنَة، أي غير الصارمة، لأنه يعطي الأولوية في التعامل مع الحالة للإجراءات الإرشادية والوقائية بدلاً من فرض قوة القانون، ما قد يؤدي إلى خسارة وضياع أدلة مهمة قد تفيد في إثبات حالة الإيذاء وحجم الضرر الذي تعرضت له الضحية، إذا ما أرادت الضحية اتباع إجراءات التقاضي آنذاك. 5- التدابير التي نصت عليها المادة السابعة من القانون هي تدابير غير ملزمة، لأن القانون أعطى سلطة القرار في اتخاذ أيٍّ من تلك التدابير ليس كلها للسلطة المختصة، ولكن، إذا أردنا التعامل مع حالات الإيذاء بشكل منهجي يؤدي إلى التخلص من هذه الظاهرة بشكل جدي، كان لا بد للنظام من إلزام السلطة المختصة باتباع كل تلك التدابير وليس أي منها فحسب. نتمنى أن تؤخذ هذه الثغرات في الاعتبار وأن تُعالَج بطريقةٍ ما في اللائحة التنفيذية للنظام حتى يكون خُطوة جِدِّيَّة لا خُطوة متعثرة في طريق الألف ميل، وذلك بجعله أداةً حقيقية لردع المتمادين وحماية ضحايا الإيذاء الذين ليس لهم سوى الله والنص القانوني الذي يمنع، وبشكل جدي، تعرضهم للإيذاء من أي كان. * باحثة قانونية من الأردن