الترحال جزء هام في حياة البادية منذ القدم بحثاً عن الكلأ وتجديد المكان، حيث يشكل الرحيل من مكان لآخر تظاهرة اجتماعية لدى سكان البادية يصحبها العديد من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وغالباً ما يكون الترحال بشكل جماعي، وهذا يحقق التعاون والأنس خلال الطريق والمقام في المكان الجديد، وبسبب الترحال جاء مسمى البدو الرحل. والجزيرة العربية بتباينها التضاريسي والنباتي واتساعها كانت مسرحا للترحال الذي يعرف باسم «الرحيل المر» عندما يفرق بين الأحباب أو الجيران، يقول الشاعر حمد السعيد: والله اني كنت الوم اللي يضيق ان غاب خله لين جربت المحبة والفراق وقلت توبه والرحيل قد يكون بشكل جزئي لمجموعة وبقاء مجموعة وهناء يحدث ما يسمى بالرحيل المر لما فيه من الفراق الذي قد يكون أبديا لعدم وجود وسائل الاتصال بعد الرحيل في تلك الحقبة أو عدم العودة الى المكان نفسه وهذا يحدث عندما تتجاور مجموعتان من البدو كل مجموعة من قبيلة وتعرف كل مجموعة باسم الفريق، حيث يصاحب مرحلة الرحيل دراما تدور أحداثها المؤلمة في صمت وأنين تصحبه دموع الفراق ويزيد من ألم الفراق العشق النظيف بين المفارق وبين المقيم يقول الشاعر زبن بن عمير يصف هذه الحالة: جاض قلبي يوم شفت البيت ينطوي جوضة اللي وطا رأس الحنيش ويترك الأحبة آثارهم في المكان توقظ جروح الشوق للعابر من حولها أو لمن يبحث عن رائحة الراحلين وذكرياتهم عندها يقبل المكان ويسلي العاشق نفسه بما تبقى فيما يعرف باسم المراح او الرسوم وتلك كانت عند العرب منذ القدم يقول الشاعر: لهند بأعلى ذي الأغر رسوم الى حدأ كانهن وشوم وعندما نسير خلف آثار أخفاف الابل التي رحلت الى المكان البعيد نجد أن وقع اقدامها يزن أبيات شعر الفراق والرحيل المر، وترسم اخفافها قلوبا على الرمل ينقصها سهم اللوعة وألم الفراق وتسير الخطى نحو البعيد تكتب سيرة ملحمة الصحراء بطبيعتها القاسية مثل ألم الفراق وعطائها عند هطول المطر يجدد فرحة لقاء جديد وعند الجفاف تظهر ملامح شبح الفراق والرحيل من جديد. هكذا هي الصحراء في جزيرة العرب تحتضن بأشواكها وتعطر المكان بروائح زهورها عندما ينهمر على سطوح أرضها المتشققة المطر وتسيل شعابها، ومن هنا تبدأ حياة جديدة لقادم من بعيد قد يكون مجهولا في البداية وعندما يحتويه المكان وتختلط روائح زهور الصحراء بالإنسان في مكان يعتبر أقل درجات الاختصار للمجتمع الواحد وهو ما يعرف بالفريق، لذا تكون المعرفة فيه بالأفراد القاطنين يقول الشاعر عبد الله بن سبيل: وش خانة المقطان لو قيل محلاه صيّور ما جاء بالليالي غدت به يا مل لقلبٍ من شديد العرب باه بوهة غريرٍ بالمظامي رمت به لا والله الا صار للبدو نوناه وثوّر عسام الجو مما عفت به والبيت هدّن الخدم زين مبناه طوّن ذراه وقينة الزمل جت به ووسط هذه الدراما الصحراوية يولد في القلوب عشق عفيف وقد تكون ولادته في مفالي الإبل أو الغنم بدايته بسؤال عن أحوال الحلال ثم نظرات إعجاب مفعمة بالاحترام وتقدير عادات العرب في التعامل مع المرأة بكل حرص ومرعاة كرامة اهلها الجيران في المكان، ومع بداية نسيج العشق في شغاف القلوب تتغير ملامح المكان ويصفر ورق العشب وتذبل الزهور ويجف المكان وتعود المواشي الى موقع مراحها في وقت الضحى تبحث عن الماء وكأنها تعلن بداية مرحلة الظمأ لساكني المكان جميعا وهنا يلوح شبح الفراق وتتعالى أصوات غير مرغوب في سماع ما تقول لأنها تنادي بالرحيل والعودة إلى الموارد قبل ان يحل القيظ بلهيبه وتستمر دورة الحياة يتداولها الربيع المزهر والقيظ بلهيبه وبين ذاك وذاك قصة عشق وسم عليها الفراق رموز المرارة.