قضى "عبدالله" أكثر من (10) سنوات في وظيفته التي كانت تمثل له جزءًا هاماً من حياته، فهو مثال للموظف المثابر الذي يحب أن يؤدي أعماله بشكل متقن، كما أنّه كان مثالاً للشخص المتميز الذي يحسن تطوير ما يقع بين يديه من واجبات مهنية، إلاّ أنّه بعد سنوات وجد بأنّ دائرة الخلافات تتسع بينه وبين مديره، الذي تناسى كل ما قدمه "عبدالله" لعمله؛ بسبب انطباعات شخصية ليس لها أي علاقة بالعمل، وأخذ يمارس عليه ضغوطات كثيرة؛ ليدفعه إلى تقديم إستقالته والتخلي عن وظيفته. وعلى الرغم من أنّ "عبدالله" حاول كثيراً أن يصمد وأن يتجاهل جميع ممارسات مديره السلبية وبذل الجهد في محاولة التحلي بالصبر حتى يحافظ على وظيفته التي يحبها، إلاّ أنّه وصل إلى مرحلة الإهانة، والأسلوب الذي يقلل من احترامه أمام زملائه، فمديره لجأ إلى ضغوطات أكبر، وأخذ يمارس كل الأساليب التي من شأنها أن تدفعه إلى الاستقالة، فيجنبه عن حضور الاجتماعات الهامة، ويحاول أن لا يضعه في الصورة فيما يتعلق بكل ما هو جديد ومرتبط بطبيعة عمله، فوجد "عبدالله" نفسه أمام خيارين؛ إما أن يكسر حاجز صمته ويواجه ذلك الصراع بحزم، أو أن يتخلى عن وظيفته التي عمل فيها بجد طيلة تلك السنوات. وقد تتحوّل المواجهة بين المدير والموظف إلى أمور شخصية خارجة عن نطاق الوظيفة، وهو ما يدفع المدير إلى ممارسة أساليب تجعل الموظف يترك العمل، وهنا لابد أن يكون المدير شفّافاً قدر المستطاع، وأن يُبين للموظف أخطاءه ويُساعده على تلافيها، كما أنه من المهم تأسيس علاقة مبنية على الاحترام المتبادل، وكذلك الاستماع للمشاكل التي قد يُعاني منها الموظف، كما أنّ التواضع يَجعل المدير يبدو أجمل أمام موظفيه، ويقوي العلاقة معهم، وكذلك التعامل الحسن، وعدم توجيه الأوامر بشكل قاسي. استهداف المدير رأت "فاطمة الغديري" أنّ الموظف أحياناً يتعرض للكثير من الضغوطات التي قد تجعله يشعر بالإحباط وعدم الرغبة في تقديم واجباته الوظيفية على أكمل وجه، مبيّنةً أنّ من أهم تلك الضغوطات حينما يشعر بأنه مستهدف من مديره الذي لا يقبله، ليس لأنّه موظف غير جيد، بل لأي سبب آخر، فالانطباعات الشخصية تبدأ في تحجيم تقييم عمل الموظف بشكل غير عادل، فيشعر الموظف بالضغوط الشديدة في العمل، وربما رغب المدير في أن يستغني عنه، إلاّ أنّه يوصل تلك المعلومة بطريقة لا ترقى لمستوى التعاطي الإنساني الراقي، والذي يبنى على الإحترام، مشددةً على ضرورة أن يكون هناك احترام دائم للموظف، حتى حينما يتم الاستغناء عن خدماته، فذلك ما يتطلبه العرف المهني، حيث يجب أن لا يتناسى المسؤول ما قدمه الموظف طيلة فترة عمله، مطالبةً المدير أن يضع أمام نصب عينيه بأنّ محاربة الموظف قد تتسبب في قطع رزقه، موضحةً أنّ التعامل السلبي ظلم قد يجد نتائجه في حياته، فالموظفون يعملون لأنّهم يحتاجون للوظيفة، وليس من العدل أن يشخصن التعاملات الوظيفية، ويخرج من سياق العمل إلى عدم القبول الشخصي. المُدير الناجح هو من يؤسس علاقة «الاحترام المُتبادل» ويُسهم في علاج السلبيات دون ميول أسلوب متحضر وأوضح "محمد نجدي" أنّ من أكثر الأمور التي قد تؤذي الأفراد على اختلاف مستوياتهم الفكرية والثقافية والمعرفية؛ حينما يشعرون بأنّهم يعاملون بطريقة تخلو من احترام إنسانيتهم، فيقعون تحت ألم نفسي شديد؛ بسبب تمسكهم بباب رزقهم الوحيد، مضيفاً: "حينما يقلل المدير من احترامه لموظفيه فإن ذلك ينعكس بشكل سلبي عليهم، حتى مع عدم الرغبة في الإستمرار مع هذا الموظف بالعمل فيجب أن تسوى خدماته، ويتم الاستغناء عنه بطريقة متحضرة، تحمل كل الاحترام له، من دون الاستخفاف ولا الشماتة به"، لافتاً إلى قصة صديقه الذي كان يتولى أعمال مطبعية في إحدى الشركات كمتعاون، وقد قضى معهم ثلاث سنوات، إلاّ أنّ المدير الجديد قرر أن يتم الاستغناء عن خدماته، ولم يكن يعلم صديقه بذلك القرار، إلاّ أنّ الشركة أصبحت تتهرب منه ولا ترد على اتصالاته، وحينما يتصل ليسأل عن الجديد من الأعمال فإنه يتم تأجيل الاتفاق، وشعر بأنّه كالتائه الذي لا يعرف ماذا يحدث معه، وسعى حتى عرف من أحد الأصدقاء في الشركة بأنّه تم الاستغناء عن خدماته، واستبدل بموظف آخر، فشعر بالألم؛ لأنّ وقف التعامل معه أمرٌ جائز، ولكنه استاء من عدم تبليغه بخطاب رسمي. ضغوط العمل وقال "د.محمد بن مترك القحطاني" -عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: "هناك عدد من الموظفين والموظفات يكرهون وظائفهم، والسبب هو المدير!، فهو لا يَفهمهم ولا يُقدرهم في العمل، ولا يستطيع التعامل معهم بشكل جيد، ومن هنا تبدأ المشكلة، وهي الفجوة الكبيرة بين المدير والموظف، فهناك عدد من الأفراد لديهم شخصية قيادية، فهم يَعرفون كيفية التعامل الصحيح والجيد مع الموظفين، ولكن هناك أيضاً من لا يصلح أن يكون مُديراً؛ لأنّه لا يعرف التعامل مع موظفيه بشكل جيد، فهو يَحتاج إلى تطوير ذاتي ونفسي، والالتحاق ببرامج تدريبية في الإدارة وفن التعامل مع الآخرين، وهناك عدد من المتغيرات النفسية المهنية الهامة التي على المدير أن يَعيها، فهي قد تؤثر سلباً في أداء الموظف وتؤدي إلى تركه للوظيفة أو حتى فَصله من عمله، ومنها ضغوط العمل وهي عبارة عن تكليف الموظف بأعمال كثيرة قد تَفوق طاقته، ويطلب منه إنجازها في وقت قصير؛ مما قد يُسبب له ضغوطاً نفسية وعملية تدفعه إلى التصادم مع مديره أو زملائه في العمل، وتؤدي في نهاية الأمر إلى سوء الإنجاز". وأضاف أنّ عدم وجود حوافز أو مكافآت من قبل المدير قد يؤدي إلى انخفاض فاعلية الذات، وهي المحرك الفعَال لسلوك الموظف، فهي تَدفعه إلى أن يكون فعّالاً في بيئة العمل، ومثابراً للإنجاز في كل ما يطلب منه، إلى جانب أنّ تقديم المدير للحوافز في بيئة العمل تزيد من ثقة الموظف بنفسه وتزيد من ولائه الوظيفي". احترام وتعاطف وأضاف: "التصادم أو المواجهة بين المدير والموظف في العمل قد تتحول إلى أمور شخصية خارجة عن نطاق الوظيفة، فقد يدفع المدير إلى ممارسة أساليب معينة، لجعل الموظف يترك وظيفته، مثل: عدم تقدير الجهود، وتجاهل احترام السنوات التي قضاها في العمل، بل الضغط عليه وإزعاجه، وهذا أمر غير جيد، ولا يصح ممارسته مع الموظف، بل يَجب على المدير أن يكون شفافاً مع موظفيه قدر المستطاع وأن يُبين للموظف أخطاءه ويُساعده على تلافيها، وهناك بعض النصائح للمديرين أو القادة تُساعدهم على تكوين بيئة مهنية جيدة، إذ يجب على المدير في البداية أن يُكون على علاقة جيدة مع موظفيه قدر المستطاع، تُبنى على الاحترام والتعاطف المتبادل، كما أنّ عليه الاستماع للمشاكل التي قد يُعاني منها الموظف، فكثير من الموظفين يَحتاجون إلى شخص يَستمع لهم، ويحتويهم، ويُساعدهم على حل مشكلاتهم، كما أنّ التواضع يَجعل المدير يبدو أجمل أمام موظفيه، ويقوي العلاقة معهم، وكذلك التعامل الحَسن، وعدم توجيه الأوامر بشكل قاس، والتعامل باللين والهدوء له دور كبير في توطيد العلاقة بين المدير والموظف، وله تأثير في نجاح العمل"، مبيناً قوله تعالى: "وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ"، وقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلاّ زانه، وما نزع من شيء إلاّ شانه"، مطالباً المدير بأن لا يُعسر الأمور، ولا يُعطي الأشياء التافهة أكبر من حجمها في العمل. لجنة اجتماعية وأشار "د.القحطاني" إلى أنّ المدير يجب أن يكون شفافاً موضوعياً، يحكم بالعدل بين الموظفين، فإنّ تفضيل موظف على آخر قد يُؤدي إلى مشكلات وأحقاد في بيئة العمل يَصعب تفاديها لاحقاً، فالعمل بروح الفريق الواحد يؤدي إلى النجاح، مطالباً بعدم مُعاقبة الموظف مباشرةً بعد الخطأ، وإنما يُفضل الجلوس معه ومعرفة أسباب الخطأ، وتوجيهه، وإرشاده إلى العمل الصحيح، وإذا تكرر الخطأ أكثر من مرة فيما بعد يستطيع المدير عمل اللازم، كما أنّ إعطاء الموظف حقه كاملاً في العمل مثل ترقية أو زيادة في الراتب يزيد من دافعيته للعمل، لافتاً إلى أنّ المدير يستطيع تكوين لجنة اجتماعية تكون مهامها أن تجعل الموظفين والمديرين يجتمعون خارج العمل، لتناول العشاء، وتبادل الأحاديث، والإحتفاء بموظف جديد مثلاً، وتكريم موظف آخر مُتقاعد، ويُحدد مدتها كل أسبوع أو كل شهر، ويُشارك بها جميع الموظفين والمديرين، فهي تُساعد على تكوين ألفة ومحبة بين الموظفين والمدراء. سرية العمل وبيَّن "د.القحطاني" أنّ هناك عدداً من الركائز المهمة التي تجعل الموظف ناجحاً في حياته الوظيفية والمهنية وهي تجنب الصراع، تنظيم الوقت والعمل، الابتسامة والبشاشة، الاعتزاز بالمهمة وحب العمل، فالفرد إذا أحب عملاً أتقنه وأبدع به، لافتاً إلى أهمية تجنب استفزاز الآخرين، والبعد عن الجدل، والنقاش العقيم، وتجنب نقل الكلام والتحلي بالأخلاق الإسلامية الحميدة، والحضور المبكر وعدم التأخر في العمل، واستحضار الهمة العالية، والنشاط الدؤوب، والتعامل مع الرؤساء والمديرين والزملاء بطريقة مؤدبة ومهذبة وبلباقة فنجاح الموظف من نجاح مديره، واحترام الأنظمة والقوانين، والحرص على السرية في العمل. يتألم الموظف عندما يجد أن نجاحاته تتحوّل في نظر المدير إلى فشل تعامل المدير السلبي هو بمثابة رسالة إلى الموظف: «قدّم استقالتك»