في كل مرة كان يحاول فيها أن يقترب، أن يمد يده إليه، أن يحتفظ بالوفاء بداخله الذي كبر عليه وهو يرى أخاه الأكبر في مقام الأب.. في كل مرة كان يجرّب أن يكسر حواجز العجرفة، والشعور بالعظمة التي يمارسها.. يحاول أن ينقل رسائله التي آمن بها في الحياة حول مفهوم الود، الاحترام، التفاني، الوفاء؛ لمجرد الوفاء وليس لأي شيء آخر!. كان يجده في المقابل ينصرف عن قيمه في الحياة، يتجرد من حقيقة أنّ الآخرين ليسوا ملزمين بتحمل مزاجه الصعب في كل وقت، ليسوا قادرين دائماً على أن يكونوا بذات الصبر على أخطائه، كان دائماً يصرّ على أن لا يتغيّر، أن يبقى الأخ الكبير الذي له سطوته، له قوّته، له ذات الصلاحيات القديمة التي منحها إياه والديه، حتى بعد هذا الزمن الطويل الذي مرّ، والذي ما زال فيه يحاول أن يحفظ الرباط الكبير الذي يشعر به نحو شقيقه، ولكنه يعيش صراعاً كبيراً في داخله. لا تتسلط على أقرب الناس إليك أو تقسو على من يحبك ويخلص لك يشعر بأنّه أصبح يعيش الوجع النفسي، والتأثير البالغ الذي امتدت يداه إلى أشيائه الجميلة حتى تدمرها، أصبح يعيش غصة الوجع، وتكرار المواقف الصعبة، والتجاهل، والقسوة في الأمور، حتى بدأ يفقد صبره.. حينما يوجد في حياتك من تحبه ولكنه أتعبك كثيراً، حتى تحولت إلى ضحيةً لوفائك واحترامك، فهو يعلم بأنّك ستتحمله لأنّك تحبه، فهل تبقى كذلك؟، أم عليك أن تواجهه؟، ماذا تفعل حينما يستغل شخصاً مقرباً منك عواطفك تجاهه ويفرض عليك وصايته؟. حالات مزاجية قررت "نسرين حمد" أن تكسر حاجز الصمت الذي استخدمته مع شقيقتها الكبرى والتي كانت تتسلط عليها كثيراً، وتمر في حالات مزاجية صعبة، فتتعامل وكأن الجميع ملزم بتحمل طباعها الصعبة؛ لأنّها هي من ربت إخوتها بعد وفاة والدتها، فبقيت محبوسة داخل اعتراضها وغضبها تجاه الكثير من المواقف التي تبدر من شقيقتها الكبرى، والتي وصلت إلى الإساءة لأشخاص لهم قيمة كبيرة في حياتها من دون مبررات كبيرة. وأوضحت أنّ المشكلة تكمن في أنّ التحمل له طاقة محدودة، وحينما يشعر المرء بأنّه وصل إلى مرحلة الضغط فإنه قد يخرج في انفعالاته واعتراضاته بشكل أكبر بكثير مما يشعر به في الواقع؛ لأنّه تحمل كثيراً ومارس أسلوب الإخفاء لحقيقة الانطباع تجاه الأمور، فيبقى يشعر بأنّه قد ينفجر في أي لحظة. حل المواجهة ورأت "نسرين" أنّ المشكلة الكبيرة حينما يدرك من نحبهم في الحياة بأننا سنتحملهم بحب دائماً، وسنبقى أوفياء لهم، فغالباً لا يمارس هؤلاء طباعهم السيئة والصعبة إلاّ مع الأشخاص الأكثر عطاءً وحباً لهم؛ لأنّهم يعرفون جيداً بأنّهم فقط من سيتحملون طباعهم الصعبة، فيستلذ بتعذيب الآخر أو بإفراغ الشحنات السلبية فيه، من دون أن يخسره!. وأكدت على أنّ المواجهة أفضل الحلول لشخصية بطباع صعبة خاصة، حينما تكون مضطراً أن تتعامل معه بشكل دائم؛ لأنّ المواجهة ستجعل صاحب الطباع الصعبة يفهم بأنّ التحمل نفذ، ووصل إلى حدود الرد بالمثل، فيرتدع ويتوقف عن ممارسة طباعه السيئة. علاقات خاصة وكشف "فهد يوسف" أنّه أضعف من أن يواجه أخيه الأكبر؛ لأنّه كان دائماً يشعر بأنّ أخيه الأكبر في مقام والده، وله فضائل كثيرة عليه وعلى إخوته، ورغم الألم النفسي الذي يعيشه حينما يتصرف أخيه بقسوة أو بلا مبالة، إلاّ أنّه يجد نفسه مجبراً على تحمل مزاجه المتقلب، إذ لا يزال يتذكر جميع المواقف الجميلة التي وقف بجانبه فيها في بداية حياته، مشيراً إلى صعوبة أن تعيش مضطراً لأن تتحمل الآخرين، وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنّ هناك علاقات خاصة تشعر فيها بضرورة أن تتحمل حتى لا تخسر الآخر، خاصةً حينما يكون الآخر أخ أو أخت. وأضاف أنّ هناك من يحمل بداخله عُقد غير مفهومة، وربما سلبيات متجذرة، حتى أنّها قد تسبب الأذى لصاحبها، فمن أسوء أنواع السلوكيات أن تؤذي من هو قريب منك، خصوصاً وأنت تعلم أنّه وفيّ معك، لا لضعف وإنما نبلاً وحباً فيك. صراع معقد وذكر "خالد عبدالكريم" أنّه يجد نفسه دائماً مضطراً لتحمل مديره في العمل الذي يتصف بمزاجه السيئ، ولسانه السليط، ولكنه يعلم مدى نقاوة قلبه، كما لايستطيع أن يتجاوز مواقفه النبيلة معه، فيعيش صراعاً بداخله بين أن يتحمل طباعه الصعبة التي قد تصل إلى التعامل غير اللائق، وبين أن يتحمله لأجل إنسانيته التي تظهر في الكثير من المواقف؛ مما يجعله يتردد أن يواجهه، مشيراً إلى أنّه من الصعب جداً أن تتحمل مساوئ طرف في الوقت الذي تشعر بأنّك يجب أن لاتفعل!. لن تبقى كبيراً وهناك من هو أكبر منك.. أساس التعامل وشددت "منال الصومالي" - أخصائية اجتماعية بمستشفى الملك فهد بجدة - أنّ أساس التعامل بين الأخوة يستند على التربية، فحينما يكون هناك خطأ في التربية يؤدي إلى وجود الخلل بين الأخ وأخوته، فهناك من الوالدين من يعتبر الأخ الأكبر في مقام الوالدين وله أن يتصرف بتسلط على إخوته، ويمارس دور الأب في غيابه، مبيّنةً أنّ بعض الآباء يمكنون الأخ الأكبر ليمارس دورهم حتى في حضورهم، فيكبر وهو يستلذ بالسلطة ويمارسها على إخوته، وهو يشعر بأنّ الجميع عليه أن يتحمل أخطائه؛ مما يدفع الأخ الأكبر أحياناً ليتسلط على أمه فيمارس عليها دور الوصي، مشيرةً إلى أنّ الخلل يكمن في عدم وجود التوجيه والوعي منذ الصغر لمفهوم المسؤولية لدى الإبن الأكبر. وقالت إنّ التربية لها أثر كبير في وجود الضغوطات بين الإخوة، فحينما يشعر بعض الإخوة أنّهم ملزمون دائماً بتحمل إخوتهم لأنّهم يخشون خسارتهم؛ يعيشون حالة من الصراع الداخلي والضغوطات النفسية التي تكبر مع مرور الوقت، حتى تتحول إلى تحامل بالداخل تجاه الأخ، وربما تحولت إلى مواقف سلبية وقطيعة بين الأخوة"، مشيرةً إلى أنّ المشكلة تكمن في عدم أداء الجميع الدور المطلوب منهم، فالوالدين عليهم أن يربوا الأبناء على أن يكون للجميع دور في الإطار الأسري، وألا يجعلوا الأساس لابن واحد، داعية إلى ضرورة أن يكون هناك دورات تدريبية للوالدين حول كيفية التعامل مع الأبناء، معتبرةً أنّ الحل في المراكز التوجيهية، مطالبةً الأخصائيين أن يؤدوا دورهم في التوجيه والإرشاد وتوعية المجتمع، وأن يحرصوا على وصول المعلومة الصحيحة للأب والأم، حتى يتم حل الكثير من المشكلات في الأسرة. مراعاة نفسية وأضافت "منال" أن المواجهة لمن يقابل أخ يمارس الحروب النفسية على أخوته أو الضغوطات هي ضرورة حتمية، مستدركةً:"المواجهة يجب أن لا تخرج عن الحد المعقول، فيجب أن نعرف كيف نواجه مع وجود المراعاة النفسية لهذا الطرف، الذي يجب أن نواجهه، خاصةً حين يكون مدمناً على سلوكياته، وتكون قد أصبحت جزءاً من شخصيته على مدار السنين، فالمواجهة قد يكون لها خسائر كبيرة مع أصحاب الأمزجة الصعبة، فمن الصعب مواجهتهم، وربما يتفاقم الوضع معهم في ازدياد سلوكياتهم غير المقبولة". وأشارت إلى أنّه من الضروري ألا يصل الشخص إلى مرحلة يشعر فيها بأنه لا يستطيع أن يتحمل أكثر، وبأنه مرغم على التحمل، فالمشكلة حينما يكون هناك تناقض وعدم توافق بين الطرفين، ولكن هناك من يعيش تلك الضغوطات ولكنها لا تسبب أي أثر نفسي لمن يصبر ويتحمل مساوئ الطرف الآخر، مبينةً أنّ أكثر الخلافات الأسرية التي أصبحت موجودة هي المشاكل التي تصل إلى مراحل القطيعة، وأسبابها تعود إلى وصول الفرد إلى مرحلة ضغط كبيرة.