أعتقد أن جُلّ المقاومة الاجتماعية التي تتربص بمشاريع تمكين المرأة ومشاركتها في المشاريع التنموية بشكل ايجابي ومثمر، ناتجة عن الصورة الذهنية في رأس البعض ضدها، والتي لم تألف تواجد المرأة في الفضاء المدني العام، بحيث بات خروجها ارتكاباً لمحظور وانتهاكا لنمطية قوانين كانت تقيس الأشبار التي تتحرك بها المرأة بدقة وتحرص على رسم الخطوط الحمر حولها ودونها. أصبحت كل صورة تتقاطع مع هذه الصورة التي تراكمت عبر مئات السنين من القوانين المُدجنة المُكبلة، تعتبر صورة مهددة ومستفزة.. فعلى سبيل المثال صورة المرأة وراء مقود السيارة هي صورة مقلقة للنمطي والمألوف فهي امرأة تقود ولاتُقاد، مستقلة بقرارها، قادرة على أن تقوم بشؤون نفسها، وأهم من هذا كله لم تعد (زنبيلا) بحاجة إلى من ينقله في أرجاء المدينة لعمل أو علم. ومع الأسف هذه الصورة النمطية القابعة في الأذهان المذعورة هي التي تقبض بعنف على ملف قيادة المرأة للسيارة لدينا، وهي التي تجيش المجتمع ضده، وتضع العصي في العجلة، إلى الدرجة التي بتنا نسمع فيها فتاوى تطالب بالتحرش بالخارجات إلى العمل أو من تقود سيارة، أو نسمع بعض التصريحات العجيبة الطريفة حد السخرية عن (أثر القيادة السلبي على صحة المرأة وجنينها).. وهنا لاندري عن مصدر المختبر الذي أنتج هذا التصريح العلمي الفذ. ولكن الذي نعلمه أن نساء الأرض جميعا اللواتي يقدن سياراتهن لم ينجبن سوى أطفال أصحاء وأذكياء يكبرون كي يخترعوا لنا جميع سبل الحياة من الطائرة إلى قطرة العين، بينما نحن نظل عالة على شعوب الأرض نقف ببواباتها طوال العام لاستيراد معاشنا وملابسنا.. والمهارة الوحيدة التي نملكها هي اطلاق الأماني والهواجس لنسميها حقائق علمية. ملف قيادة المرأة للسيارة لدينا تورم إلى درجة أصبح عبئا على حضورنا الدبلوماسي والدولي، تورمت أوراقه عبر السنين بالتوتر والتشنج، وباتت تلك الأوراق ميدانا للصراع بين التيارات الفكرية في المجتمع لدينا مع محاولات كل طرف الفوز به.. وفي خلال هذا البحر اللجب أغفلت الكثير من الأمور، ومن أبرزها :- - استحقاقات الوطن على مواطنته التي أنفق المليارات لتعليمها وتدريبها ليكون لها حضور ايجابي ودور فاعل في مشهد التنمية. - استحقاقات المواطنة نفسها على وطنها بحيث تكون هناك أنظمة وقوانين تحمي حقوق مواطنتها، ولاتجعلها مستباحة من قبل أصحاب الهواجس والظنون. - استحقاقات الاقتصاد الوطني الذي يعاني أكبر هدر يشهده اقتصاد في العالم عندما لايستطيع الاستثمار في مواطنيه لأسباب أو هواجس غير مبررة أو مفهومة. بمقالي هذا أضفت ورقة جديدة لملف قيادة المرأة في السعودية.. الذي ما برح يتضخم منذ عشرين عاما بلا توقف.. كل عام وأنتم بخير..