في أمسية تألقت تحت سماء مدينة الرياض اجتمع بها الإبداع في لقاء بين المملكة وجمهورية البرازيل على جسر من الفن والثقافة يجمع بين الدولتين ليوحد اللغة ويقرب المسافات بمعهد المهارات والفنون برعاية سمو الأميرة أضواء بنت يزيد، وسفير البرازيل لدى المملكة "سيرجو لويز كانيس، حيث أقيم معرض تشكيلي للفنان البرازيلي لويز جيرالدو دولينو احتفالاً باليوم الوطني للبرازيل "7 سبتمبر" ويستمر المعرض لنهاية الشهر الحالي ويصاحبه أنشطة ثقافية تتعلق بالتبادل الثقافي بين مثقفي الوطن ودولة البرازيل. لعل الأغلبية منا عندما نذكر "البرازيل" سوف يدور بخاطره نجوم الكرة الذين اشتهروا في العالم وحققوا نجاحات كبيرة، وأيضاً البن البرازيلي المعروف، ولكن من منا يعلم بالمقابل بمشاهير وتاريخ واتجاهات وأساليب الفن لديهم؟ ربما القليل فجمهورية البرازيل الاتحادية هي الدولة التي تقع في الجزء اللاتيني من قارة أمريكا الجنوبية وتعد أكبر الدول مساحة عن الدول اللاتينية إذ ان مساحتها تبلغ نصف القارة، وأكثرها تعداداً في السكان أغلبهم يتحدثون باللغة البرتغالية، وتتميز بجمال طبيعي خلاب إذ يوجد بها ألف نهر أكبرها نهر الأمازون كما انها تتمتع بمرتفعات وأودية وغابات استوائية وجوها دافئ على مدار العام، ويميل للبرودة على قمم المرتفعات. اتساع البرازيل جعل منها بلداً غنياً بالحضارات والتقاليد من جميع أنحاء العالم إذ يوجد لديها العديد من المهاجرين الذين اختلطوا بالسكان الأصليين، ولهذا السبب يوجد مزيج من الحضارات والثقافات، كما أن شعبها قد اشتهر بإقامة العديد من المهرجانات السنوية فهو شعب يميل إلى حب الموسيقى ويتمتع بالبهجة وحب الحياة ومن أشهر مهرجاناتها "مهرجان السامبا" الذي يقام سنوياً بمدينة ريودي جانيرو. عرفت البرازيل مختلف أنواع الفنون منذ بداية القرن السادس عشر متأثرة بالفنون الأوروبية التي نقلها الاستعمار البرتغالي الذي حكم البرازيل لأكثر من ثلاثمائة عام، ونخص منها فنون "الركوكو" و"الباروك" التي اشتهرت في الغرب حينذاك، وخلال الأربعة عقود الأخيرة من القرن الثامن عشر ظهر فن جديد خصوصاً في مدينة ريودي جانيرو، فالمواضيع الدينية لم تعد سائدة وأغلب المواضيع الفنية أصبحت تهتم برسم الشخصيات وجمال الطبيعة، كما كان لغزو قوات نابليون بونابرت للبرتغال والأخيرة كانت محتلة للبرازيل أثر بشكل إيجابي على الفنون إذ أرسلت البرتغال عدة أكاديميين فرنسيين لتدريس الفنون بريودي جانيرو بالبرازيل ليتأثر بذلك فنانو البرازيل، خاصة بالاتجاه الكلاسيكي الحديث الذي كان سائداً حينذاك في فرنسا. في عام 1922 م عقد مؤتمر عن الفن البرازيلي الذي أصبح حديثاً يرفض هيمنة الأساليب الأوروبية عليه وأصبح أغلب هدف الفنانين البرازيليين إيجاد لغة فنية والبحث عن قيم جديدة خاصة بهم ورفض الصور الأوروبية النمطية ونجح الفنان "ليزر سيجال" وغيره من فناني البرازيل أن يفرضوا على الفن العالمي المزاج البرازيلي في أعمالهم التي اتخذ أغلبها الأساليب الحديثة. ما سبق ذكره بإيجاز مختصر عن البرازيل يجعلنا نستوعب الخلفية الاجتماعية والجغرافية والسياسية التي من خلالها نستطيع تحليل وتذوق الطرح الفني الذي تضمن ثلاثة وعشرين عملاً فنياً للفنان البرازيلي "لويز" الذي ولد في مدينة ريودي جانيرو عام 1945م. وأقام سبعة معارض مشاركة وعشرين معرضاً شخصياً في بلاد العالم المختلفة. يبحث لويز في أعماله عن الخط واللون من خلال اختزال مبسط للشكل الهندسي، ويطرح بعمق قضايا عملاقة في التعبير مستلهمة من الطبيعة ومن الإنسان الأول الذي سكن البرازيل، والذي يشبه بعاداته وتقاليده الهنود الحمر "سكان أمريكا الأصليين". ربما لا يستوعب المشاهد لأعمال دولينو المحتوى الفلسفي الكوني الذي رغب في إيصاله، فكل لوحة فنية تضمنها المعرض هي عبارة عن شكل هندسي مستطيل أو مربع الشكل وتأخذ هذه الأشكال تكوينات مختلفة على مسطح اللوحة وأغلب الألوان المستخدمة الأحمر، والأخضر، والذهبي، رغب الفنان من خلالها إيصال رسالة للمتلقي مفادها أن كل شيء في حياتنا يشغل مساحة معينة فبعض من هذه المساحات تحمل رمزية لحقبة زمنية معينة من تاريخ بلاده مستمدة من سكان البرازيل الأصليين، وأن فترة الاستعمار التي كابدها موطنه وفرضت أساليب أجنبية فنية على شعبه جعلته يتميز بطرح مختلف أراد من خلاله إثارة الدهشة والمغزى الفكري في أعماله. والمتذوق لأعمال لويز دولينو يشعر بأنه يرغب في مشاهدة لوحاته فيقف متأملاً لفترة طويلة فقد تنتقل إليه الشحنة الانفعالية خاصة في المجال اللوني والشكلي في أعماله مما قد ينجم عنه حالة من الاستغراق الوجداني تنعكس على فكر وحواس المشاهد. لعل هذا المعرض بجميع المقاييس تجربة جديدة سواء للمتلقي أو للفنان المحلي ويعد إضافة اطلاع ثقافي لفناني الوطن، فليس باستطاعة كل فنان أن يسافر لعدة بلاد لمشاهدة ما يطرح سواء من أعمال فنية أو ندوات معاصرة وتعد البرازيل من الدول التي يحتاج السفر إليها ساعات طويلة، فالجدير بالذكر أن هذه الاستضافة تدعو إلى التقدير فقد قربت المسافات وصنعت جسراً من الفن والثقافة بين مبدعي الوطن والبرازيل في مدينة الرياض. من أعماله من أعماله