إن مسيرة التنمية في المجتمع السعودي بدءاً من التوحيد وحتى الآن، تحتاج إلى الكثير من القراءة المتأنية والدقيقة، والسبب في ذلك أن الفكرة الكبرى لتنمية المجتمع السعودي قامت على محور واحد وهو "التوافق الاجتماعي". والتوافق الاجتماعي يعني أن الدولة قامت ككيان مستقل بشعبها ومن خلاله، وأن الحكومة المعينة تكوّن من شعبها وتخدمه وتمثله وترعى مصالحه ولا يمكن أن تقوم بأي شي يعارض محتوى المجتمع الديني والاجتماعي والتاريخي أو العاطفي، بل أنها تعمل على المحافظة الشديدة لهذا المحتوى وترعاه. ويضاف إلى ذلك التوافق، عمق العلاقة الاجتماعية والتاريخية والعاطفية والمصلحية بين القيادة لهذا الكيان وبقية أبناء الشعب على مختلف خلفياتهم، واستمرت هذه العلاقة الوثيقة واستمر التوافق وتطور بتطور وسائل الاتصال وتعدده وتنوعه، وبقية العلاقة في ثبات ورسوخ. هذه المقدمة يمكن أن تكون القاعدة التي ينطلق منها لقراءة المسيرة التنموية والأمن والأمان والرفاه الذي يعيش فيه المجتمع السعودي، ويمكن أن تكون هي القاعدة التي تعبر بنا نحو المستقبل لاستمرار البناء والتنمية، وكذا يمكن أن نقرأ الكثير من الإشكاليات التي تؤخذ على الدولة والحكومة في بعض المعالجات الأمنية والتنموية، فهي بين النماء وبين المصلحة المجتمعية، وهنا تحدث الكثير من الآراء والمقولات والدعايات والإدعاءات والمديح والحب والذم وغيره، فالناس بين مادح مفرط وبين ذام مفرط، غير أن الحقيقة لا يغيرها مدح مادح أو ذم ذام. والحقيقة أن الدولة السعودية وحكومتها سارت بين مسارين هامين: نماء المجتمع على حساب محتواه، وبين المصلحة المجتمعية المتمثلة في محتواه (الديني والتاريخي والاجتماعي والعاطفي)، وهما فكرتا التوفيق بينما فيه الكثير من القراءات المتنوعة والمتعددة، المهم أن المجتمع السعودي وعبر مسيرته التنموية اختط مسارا حقق فيه الكثير من الأهداف التي لا يمكن أن تتحقق بهذا الشكل المتوازن بين النماء والمصلحة المجتمعية. ويمكن القول أن المجتمع السعودي قيادة ومحتوى اجتماعي قد وفق إلى تنمية متوازنة وبناء صلد قوي من اللحمة الاجتماعية والوطنية، ومرجع ذلك هو التوافق الاجتماعي والتقدير للرموز الوطنية في جميع المناطق والتعامل معها على أنها هي الجزء الأساس في هذا الوطن وهي من يجب أن يبادر باللحمة الوطنية ويدعمها، بل أن المواطن هو المسؤول الأول عن الوطن وعن اللحمة الاجتماعية والوطنية، ولا عبرة بمن يريد أن يفرض بعض الأفكار أو المبادئ أو الثقافات أو الإيديولوجيات أو غيرها الخارجة عن محتوى المجتمع وعن الثوابت والأساس الذي قام عليه. والانفتاح على المجتمعات الأخرى وتبني بعض الأفكار وكثرة المقارنات وإعلاء الشعور عند البعض ببطء أو ضعف التنمية ومساراتها وغير هذا من الأفكار الواردة، وكذلك النقد الذي يوجه للوطن وقيادته والسياسات الاجتماعية ومؤسسات الدولة والتي تتهم بالتقصير وضعف الأداء وضعف المحتوى وضعف البصر لرؤية المستقبل، كل ذلك وغيره، ليس سوى انتقادات مشوبة، أو نظرات أحادية أو مدعومة بفكرة خارجية، بل والكثير ليس سوى أداة للتنفيذ لأهداف ليست لها علاقة بالمنتقد. ويشارك ذلك مجموعة الضغوط النفسية والتحرشات الفكرية والعقدية من البعض المخالف وتساق من خلال وسائل الاتصال السريع (الفضائي والنت وغيره)، وفي المقابل فيه غياب او شبه غياب من الداخل للتحصين أو توثيق العلاقة بين الفرد والمجتمع من خلال البرامج الموجهة في مستويات مجتمعية مختلفة وفي أوقات متواصلة، كل هذا جعل هناك مجالاً أرحب من القدرة والكثرة على الانتقادات المبنية على فكرة غير مكتملة ويدعمها من له مصلحة في الاستمرار. إن استمرار الانتقادات غير المبنية على معلومة صحيحة والتي التي تكون مختلقة أو التي فيها جزء من الحقيقة وتطور لصالح تفكيك العلاقة بين المواطن والوطن ورموزه ليست علامة صحيحة في مسيرة التنمية والاستقرار المجتمعي، فالمواطن يحتاج الى قدر كبير من التطمين والربط النفسي والاجتماعي والعضوي بالدولة والحكومة وبالتالي بمحتوى المجتمع. لذلك يمكن ذكر بعض النقاط ذات الملامح الاستراتيجية للاستقرار الاجتماعي وتعميق العلاقة بين فئات المجتمع منها: (1) تطوير صور التفاعل بين الفئات والرموز الاجتماعية الأصيلة ذات الشأن في المجتمع والمجموع (لأن هناك بعض ممن يزعم أنه من القيادات، ليست سوى مصنوع ومخترق، ذات لسان طويل وقفا عريض) وهذه مصنوعة وليست أصيلة. (2) إيجاد برامج وطنية شاملة لتطوير وتعميق معنى الانتماء والهوية (3) إيجاد صور وأشكال مبتكرة من وسائل التعبير في القضايا الخاصة لكل مؤسسة حكومية، وتسهيل التواصل مع الجمهور (4) تعريف المواطن بشكل دقيق على واجباته قبل حقوقه، لأن الزعم بالحقوق يطغى على الواجبات ويحرفها عن مسارها، ويكون من خلال وسائل الاتصال المختلفة والتفاعلية. (5) تكثيف العمل الاجتماعي العام للشباب ببرامج من شأنها تعميق الولاء للوطن (6) العمل على عدم ترك مساحة للفراغ عند الشباب حتى يكون فريسة سهلة لأي أفكار واردة وخطرة (7) إيجاد مؤسسات اجتماعية غير رسمية مساندة للحكومة، تكون مبنية على أسس علمية نفسية واجتماعية هدفها التحصين والتوثيق الفكري والنفسي. وهناك الكثير من الافكار والإبداعات التي في مجملها تخدم الوطن واستقراره واستمراره في تنمية اجتماعية متوازنة، ليبقى الوطن هو الفكرة الحية والقلب النابض والعلامة الفارقة في أذهان أبناء هذا الوطن. حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا من كل سوء ومكروه * أستاذ علم الاجتماع- جامعة الملك سعود