من الأشياء الجميلة الطريفة الممتعة التي ألفها الشاعر والفنان التشكيلي عبدالله العلي الزامل ت. 1407ه رحمه الله تعالى كتاب (مقارنة الشعر العربي الفصيح والشعر النبطي المليح) وقد طبع هذا الكتاب سنة 1379ه وهو من أوائل الكتب الشعبية في المكتبة السعودية التي طبعت بل هو أول كتاب يصدره الأستاذ الزامل عن الأدب الشعبي وأول إصدار مستقل يضم بين دفتيه توارد الخواطر بين شعراء الفصحى في القديم وشعراء الشعر الشعبي مع أن التطرق في هذا الميدان قد تطرق إليه الراوية والأديب محمد بن عبدالله بن بليهد ت.1377ه (رحمه الله) في كتابه الموسوعي – (صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار) فهو الذي اول من كتب فيه رحمه الله تعالى، فالشيخ ابن بليهد رحمه الله تعالى يعد الأول في هذه المقارنة فهي دراسة رائدة موجزة عن الشعر الشعبي ذكر فيها ملامح الارتباط والصلة بين الشعر الفصيح والشعبي، ولعلنا نذكر هذه الدراسة في الأعداد القادمة. وذكر منها الأديب حمد بن إبراهيم الحقيل رحمه الله في كتابه الأول (زهر الأدب) وكتابه الثاني (كنز الأنساب) وأورد المقارنات بين أشعار الفصحى والشعبي، يقول في كتابه زهر الأدب.. وقد التقى بعض شعراء الجزيرة المتأخرين بشعراء العصور السابقة فتواردت الخواطر في كثير من الحكم والمعاني التي جرت على ألسنة الشعراء السابقين. نعود لكتاب الزامل الممتع والمسلي، الذي هدف منه أن يثبت للناس وخصوصاً الذين يعيشون خارج الجزيرة العربية أو الذين ينفرون من رواية الشعر الشعبي أو سماعه أن هذا الشعر الشعبي يلتقي مع الفصيح في كل شيء سوى اللغة، فكما أن الشعر الفصيح صور لنا صوراً جميلة ورائعة في جميع مجالات الحياة وأغراض الشعر، فكذلك الشعر الشعبي لا يقل عنه وأتى الزامل رحمه الله بأدلة وشواهد ودلائل من الشعر العربي يقابلها من الشعر الشعبي القديم ، يقول: الزامل رحمه الله في كتابه (كانت غايتي المقصودة وهمي الوحيدة هو درس الأدب العامي والتوغل والنفوذ إلى ما فيه من معاني دقيقة ومرامي سامية علني أصل منها إلى ينبوعها الصافي الذي سالت منه خيالات شاعر البادية الذي شغفت به). ويؤكد الزامل إلى هذا المرمى والمقصد من تأليف الكتاب قائلاً: ونظراً إلى ما توخيته من دقة المقارنة بين الشعر الشعبي الفصيح أراني بذلك قد فتحت الآن المجال لكتاب العربية وأدبائها لكي يدققوا النظر في أشعار العربي الفصيح.. ومنهج الزامل في كتابه هذا هو أن يورد النماذج من الأدبين ما فيهما من توافق ونوادر المعاني متوخياً مطابقتها منتصراً على محل الشاهد. ثم أورد الزامل رحمه الله نماذج مختلفة من الشعر فيه فكان أول نموذج هو قول زهير بن أبي سلمى في معلقته: وكائن ترى من صامت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ولم يبق إلا صورة اللحم والجسد فأتى الشاعر محمد بن عبدالله القاضي رحمه الله في قصيدته اللامية قائلاً: إلى جل رجل في عيونك فماله واوزن تقل عقله بعقلك بمشغال ويبين لك فضل الرجل في مقاله إلى جا مجال فيه فض للأشكال وقول عروة بن حزام: ففي عسى أو على أو في إلى ومتى القاه في بلدة قفر ويلقاني يقابل هذا البيت قول الشاعر المشهور محسن الهزاني: ربما لي أو عسى لي أو قمين يرجعن لعصورهن الماضيات وقول الشاعر العباسي محمد بن يسير: قدّم لرجلك قبل الخطو منزلها فمن علا زلقاً عن غزة زلقا ويماثله تقريباً قول ابن سبيل: إلى عزمت فحط للرجل مرقاة من قبل يدري بك حسود ربادي وقول الشاعر أبو ذؤيب الهذلي: وإذا المنية انشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع يماثله قول عبدالرحيم التميمي: إلى جا الحمام الموت ما ينفع الدوا يموت الطبيب ولا يفيد دواه ويقول الشاعر علي بن المقرب رحمه الله: ولا تذكرا عندي لعل ولا عسى فما بعسى يقضى نجاح المطالب محمد بن بليهد ويأتي الشاعر الحماسي محمد العوني رحمه الله: ولا يدرك الطولات والمجد بالمنى قولة عسى تدليه قلب فطيم ثم إن الزامل رحمه الله في كتابه هذا المقارنة بين الشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي المليح أفرد أبواباً لكل شيمة من شيم وأخلاق العرب وسرد فيها أبياتا من الشعر الفصيح والأبيات التي تقابلها من الشعر الشعبي فمثلاً في باب الصمت، يذكر عبدالله الزامل رحمه الله عشرات الأبيات والأمثلة من الشعر الفصيح منها البيت الواحد ومنها البيتان وما قاله فيه الشعراء الشعبيون وكأنهما يسيران على خطين متقابلين جنباً إلى جنب ومنها هذه الأبيات التي سردها الزامل في باب الصمت وهي: ما زل ذو الصمت وما من مكثر الا يزل وما يعاب صموت ان كان منطق ناطق من فضة فالصمت در زانه ياقوت وقول الشاعر العربي القديم أيضاً في فضل الصمت: تعاهد لسانك إن اللسان سريع إلى المرء في قتله وهذا اللسان بريد الفؤاد يدل الرجال على عقله وقول الشاعر الآخر في فضل السكوت على الكلام قائلاً: الصمت زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مهذارا فإذا ندمت على سكوتك مرة فلتندمن على الكلام مرارا حمد الحقيل أما الصمت عند شعراء النبط فهو فضيلة محمودة عنهم يقول الشاعر عبدالله بن فرج رحمه الله: وبالصمت منجى من أذى كل زلة وذي خصلة محمود بالخصايل والشاعر إبراهيم بن جعيثن يحث على الصمت وإنه السلامة من الآفات والمهالك والأضرار يقول: من صان منطوقه ونفسه والهوى واخطا يشبرها ومر يبوعها فهو سالم من كل شيء سوى الغنى ولا ضاع من يعطي الشرايع شروعها وذكر الزامل ان إبراهيم بن جعيثن بالأخص له عشرات الأبيات في قصائد مختلفة في فضل الصمت وحفظ اللسان عن المنطوق فيما لا يعني وكم هو ذاك الشاعر ابن جعيثن رحمه الله الذي تأثر كثيراً بالشاعر الحكيم حميدان الشويعر رحمه الله وقد ذكر الزامل رحمه الله في كتابه أبواباً مثل الرأي والمشورة وما قالته شعراء الفصحى وشعراء النبط .. وكذلك الصبر وكذلك إكرام الضيف وحسن الجوار ورحم الله الزامل الذي ولد سنة 1337ه وتوفي سنة 1407ه ودفن بالرياض.