ليس صحيحاً أن شعراء الفصحى أو المثقفين يمجّون الشعر النبطي في الخليج أو الشعبي في كافة الوطن العربي ، فدراسات الشاعر اليمني الفصيح الدكتور عبدالعزيز المقالح حول الشعر الحميني ، وكتابة الأشعار النبطية للشعراء الفصيحين أمثال الأمير عبدالله الفيصل والدكتور غازي القصيبي (1940-2010م) ومستورة الأحمدي (2011م) رحمهم الله والدكتورة ثريّا العريّض وعلي الشرقاوي وفتحية العجلان وبلقيس الشميري ، وكذلك كتابة الأشعار الشعبية لأمير الشعراء المصري أحمد شوقي رحمه الله ، وأيضاً دراسات واستشهاد النخبة من الدكاترة السعوديين أمثال سعد الصويان وسعد البازعي وعبدالله الوشمي وسعيد السريحي التي كتبت عنها هنا في صفحة خزامى الصحاري بجريدة الرياض تؤيد هذا القول ! فلا أحد ينسى كتاب "شعر العامية في اليمن" للمقالح أو كتاب "الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص" للصويّان اللذين أحدثا أصداءً واسعة ومصدرين مهمين لدراسات وأبحاث الشعر الشعبي في الوطن العربي ، كما لا أحد ينسى الأبيات الخالدة التي كتبها الأمير عبدالله الفيصل (1923-2007م) ومن ذلك قوله: قرب الرحيل وخاطري منك ماطاب يا واحدٍ عندك حياتي رهانه تدري بعلّة واحدٍ منك منصاب اللي بقلبه لك يقوله لسانه ! بك طيب لو ما حطّ بك زين الاطياب يا غصن بانٍ ناعمٍ به ليانه ياليتهم سمّوك يازين معطاب حيث إن جرحك بالضماير مكانه كلٍ عذلني فيك عدوان واصحاب واقول خلّوني وكلٍّ وشانه وإن قيل والا بدّل احباب با احباب قلت: آه ، لكن من يسدّ بمكانه ! أو اهتمام أمير الشعراء احمد شوقي (1868-1932م) بالزجل الشعبي المصري بل وقيامه بنظم قصائد ومقطوعات شعرية زجلية باللهجة الشعبية المصرية شدت بها أم كلثوم ، ومن زجلياته لأحد أصدقائه في ليلة عرسه: دار البشاير مجلسنا وليل زفافك مونسنا ان شاء الله تفرح ياعريسنا وان شاء الله دايما نفرح بيك وأغنيات كثيرة غناها محمد عبد الوهاب مثل (في الليل لما خلي - الله يحب الجمال - ياليل الوصل - لنيل نجاش - بلبل حيران) وقد قال أنيس منصور: إذا أنت أتيت بكتاب اسمه (شوقيات الغناء) تأليف احمد عنتر مصطفى فسوف ترى جمال شوقي في شعره الغنائي بالعامية والفصحى . كما أن هناك من هو شاعر نبطي ويكتب الفصيح مثل الأمير خالد الفيصل الذي اشتهرت قصيدته حين ورده مقتل والده الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وهو مع والدته التي كانت تتلقى العلاج في لبنان: الأمير خالد الفيصل قالت: أبوك ، وأغمضت عين الأسى فعرفت هولاً أعجز الأهوالا ولمحت في غور العيون تساؤلاً هل أنجب الرجل العظيم رجالا لم اسكب الدمع الحزين وإنما رمت المثال من العظيم مثالا لا ينثني عزمي وفيصل والدي لا عشت إن لم أحتذيه مثالا وهناك الكثير من شعراء الفصحى بدأوا كتابتهم بالشعر النبطي ومن ذلك شاعر الملك عبدالعزيز آل سعود وهو الشاعر محمد بن عبدالله بن عثيمين (1270-1363ه) رحمهما الله ، وهناك من كتب الفصيح ثم برز كشاعر نبطي في التسعينيات الميلادية وعاد بعدها كشاعر فصيح حداثي بارز عربياً مثل الدكتور عبدالله الصيخان ، وأيضاً الزميل في جريدة الرياض الشاعر إبراهيم الوافي الذي عرف مبدعاً كشاعر فصيح ولكن له قصائد كثيرة بالنبطي ومنها قصيدته "فراغ" التي قال فيها: صحيح إن القلوب أوهى من احساسي وتكويني وصحيح إن النصيب أقوى من الأحلام والأشجان أحبك بس ماربي موفقني تحبيني واقفِّي بس ماربي مقدّرني على النسيان حتى قال: مسافة بيننا هالحين لكن بينك وبيني تضيِّع نفسها اللحظة وتسألنا عن العنوانْ ركام الذكريات أكبر من حروفك تجافيني وخصام الأغنيات أجمل إذا حزنك خلق فنان ولكن كل ما فكَّرت واستبشرت جيتيني غسلتيني وانا مشغول بين الشك والإيمان وتبقى نفسها الحالة تكرر بس في عيني ثياب الذنب في منطقك هي اللي على الغفران احمد شوقي أما شاعرتنا من الكويت وزميلتنا الكاتبة في جريدة الرياض أيضاً الأستاذة سعدية مفرّح ففي كتاب "سين" الصادر مؤخراً .. جاء سؤال عبدالله العسّاف: هل لك قصائد بالشعر الشعبي؟ ولماذا لا نرى أي منها؟ فأجابت: لي بعض قصائد بالشعر الشعبي ، ولكنني لم أنشر أي منها لأسباب أهمها أنني أرى ما كتبته على هذا الصعيد لا يرقى لمستوى ما كتبته بالعربي الفصيح ، وكثير منه لا يستحق النشر ! وقد أورد الزميل حسين الشمري في صحيفة "سبر" الكويتية أبياتاً لها حفظها منذ عشرين عاماً ، وقد وجدت روايتها مكسورة ، فذهبت إلى الكويت حيث استقبلتني الزميلة سعدية مشكورة في مكتبها بصحيفة "القبس" الكويتية ، وقمت بسؤالها عن صحة رواية الأبيات فأخبرتني بروايتها الصحيحة ، ورفضت تزويدي بأبيات أخرى غير منشورة ، لأنها مصرّة على أن شعرها النبطي لا يرتقي لمستوى شعرها الفصيح ، ونحن نختلف معها في الوقت الذي نتفق فيه مع قول الشمري في أننا لا نوافقها على ذلك . سعدية مفرّح فقد أورد الشمري قولها: أنا ظنوني حيّرت كم مظنون مير البلا با اللي محيّر ذلولي شاعر خيالي طفل صعلوك مجنون والمشكل إنه فوق هذا فضولي وصححت في رواية أبيات أخر كما أخبرتني الزميلة وهي كما يلي: مغرور كن الناس رعيان حوله أو كنّهم قطعان تمشي حواليه لا تنشدوني صحبتي له أشوله وكيف آتحمّل اسمعه أو أحاكيه المشكله ماهيب ذيك السهوله أكره غروره بس .. مغرورةٍ فيه كما عدّلت لي الأستاذة سعدية: عزّاه للي يجهل الرفع والخفض في جملةٍ يقولها تحتويني وعزّاه للي ماعرف شهوة الرفض يومن يمينه ما تصافح يميني كما أورد الشمري أبياتاً لشاعرتنا سعديّة مفرّح صحيحة الرواية مثل أول مقطوعة أوردتها لها حين أتيت على ذكرها في مقالي: أخوي هذا عن ثمانين حلحيل زبن الذليل وعزّ كل من شكى له شرّيب "للتنباك" شرّيب للهيل ماهو من اللي يشربون الحثاله فمثل هذه الأمثلة المستشهد بها في المقال تدل على أنه ليس صحيحاً أن شعراء الفصحى أو المثقفون يمجّون الشعر النبطي في الخليج أو الشعبي في الوطن العربي ، وإنما المجّ لما هو حاصل في قراءة واستماع الغث الذي نراه بارزاً وله أتباع كثر اليوم ! إبراهيم الوافي عبدالله الصيخان