لم يكن مرض الإيدز ضمن المقرر الدراسي أثناء دراستي للطب.. ولا أزال أتذكر في نهاية 1984(سنة تخرجي) كيف كان الأطباء يتحدثون عن مرض جديد آتٍ من أفريقيا بدأ يغزو العالم.. ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي أو نقل الدم.. ويُحارب المناعة في جسم الإنسان ويقضي عليها.. أُتفق على تسميته عالمياً بمرض نقص المناعة المكتسب.. واختصاراً: إيدز.. وأثناء دراستي الجامعية وبعد تخرجي منها وما بعدها وإلى الآن.. يحلو لي بين حين وآخر أن أتصفح في كتب ومناهج الطب وأقارن بين طبعات حديثة وأُخرى قديمة.. فلا أجد اختلافاً إلا في جودة الورق وجدتها في الحديث.. وعبق الماضي.. في صفحات مليئة بالشروحات والتعليقات أو ترجمة ونحوه.. تحكي عن مجهود قد بُذل.. وذكريات ليالٍ خوالٍ كنت أسهرها في ماضٍ ذهب ولن يعود.. أما المادة العلمية التي تحويها الكتب فتكاد تكون نفسها لأي طبعة تعود لخمسين سنة مضت أو طبعة 2013.. والتغيير إنما حدث في وسائل كثيرة لم تُتح في زماننا.. سهلت التحصيل العلمي والإبداع.. رافقها بروز وازدياد في الأمراض (كماً ونوعا) ومن الذاكرة (أيام الدراسة) كان هناك مرضان تناسليان هما السيلان والزهري أو القنوريا والسفلس.. كانا أخطر الأمراض التناسلية التي تنتقل بالاتصال الجنسي.. فيفتكان بالناس.. خاصة قبل اكتشاف البنسلين.. لدرجة أن أسئلة الامتحان تكون في أحد المرضين التناسليين (يا سيلان يا زهري) أو ان احدهما للدور الأول والآخر للدور الثاني.. ولي ذكريات مع الاختبارات أو الامتحانات تستحق أن تُروى.. لعلي أرويها في سوانح قادمة.. وأعود لصلب الموضوع.. فمرض الزهري أو السفلس كان ذا ثلاث مراحل.. فإن لم يبدأ العلاج في المرحلة الأولى انتقل المرض إلى المرحلة الثانية.. تتبعها المرحلة الثالثة وهي الأخطر.. وتنتهي بموت المريض.. وكل مرحلة من المرض لها علاجها الذي تحدده شدة المرض.. ولا أنسى أثناء الدراسة الإكلينيكية أو السريرية مريضا بالزهري أو السيفلس في مرحلة المرض الثالثة كان منوما في المستشفى (ميو هسبنال في لاهور) وقد تآكل غضروف أنفه كما في الصور الموجودة في المقرر الدراسي.. فيبدو الأنف كالمجدوع.. وكان المريض شابا صغيراً.. إلا انه يبدو في حالة مزرية.. وهي مرحلة أخيرة للمرض وللمريض قبل موته.. تُشبه إلى حد كبير هذه الأيام.. مريض الإيدز في آخر أيامه.. وكما أن اكتشاف البنسلين كان فتحاً لمكافحة السيلان والزهري وعلاجهما.. فقد يتوصل العلم الحديث إلى علاج للقضاء على الإيدز.. وحتى منع حدوثه.. كما أوضحت نتيجة بحوث حديثة كلفت مليارات الدولارات.. ولكن الأمراض الجديدة ستكون بالمرصاد لكل شاذ ومنحرف.. أمراض لم تكن في أقوامٍ قبلهم.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. * مستشار سابق للطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية