تحرص بعض الأسر عند سفرها خارج المملكة أو حتى داخلها على توثيق الرحلة بالتصوير من كاميرا خاصة، أو الجوال، ونقلها إلى الأهل والأصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الواتس اب، تويتر، الفيس بوك، الانستقرام)، حتى برزت هذه العادة كثيراً مع تطور التقنية، وأصبح التوثيق للحياة الشخصية في الحل والترحال مطلب الكثير من الناس، خاصة ممن يحبون أن يظهروا مستواهم الاجتماعي، ويتفاخرون بمقدرتهم على السفر أكثر من مرة في العام.. توثيق الرحلات السياحية ظاهرة جديدة لم يعتاد عليها المجتمع إلاّ من قريب؛ مما يجعلنا نتسائل عن الدوافع وراء هذه الظاهرة، وكيف ينظرون لها؟. توثيق للأماكن وذكرت "فايزة علي" أنّها لا ترى في الموضوع أي شيء من السلبية، خاصة وأنّها تحب تصوير الأماكن التي تزورها، ومشاركتها مع صديقاتها عبر "الواتس اب"، مضيفة أنّها خططت أن تسافر مع زوجها وأولادها إلى "سلطنة عمان"، لذلك منذ وصولها لمطار "مسقط" وهي توثق الرحلة بالتصوير، وتشارك أخواتها وصديقاتها الأماكن التي ذهبت إليها، وهم أيضاً يزودونها ببعض النصائح السياحية، والأماكن التي يجب عليها زيارتها بالدولة. وسائل التقنية وبيّن "طارق عسيري" أنّه يحرص على تصوير نفسه في أغلب رحلاته، ويتواصل مع أصدقائه بتبادل الصور، خاصة ممن تصادف سفره مع سفرهم، وزيارتهم لأماكن سياحية مشهورة، فالصور توثيق واستعادة ذكريات عند رؤيتها مرة أخرى، موضحاً أنّ وسائل التقنية الحديثة قد سهلت التواصل كثيراً، وباستطاعة الشخص التقاط الصورة وفي الوقت ذاته تعميمها على الجميع، حتى يعيشوا معه اللحظة، ويستمع منهم التعليقات، حيث يتفاعلون معه كثيراً إذا أخذ لهم مقطع فيديو من المكان الذي يتواجد فيه، منوهاً بأنّ ذلك لا يمكن أن يكون نوعاً من المباهاة، فالشخص اليوم لا يمكن أن يعاشر إلاّ من هم في مستواه المادي والمعيشي، وليس هناك استغراب بين هذه الفئات من تبادل الصور، ومعرفة مشروعاتك السياحية، وتوجهاتك في السفر، والأماكن التي تزورها باستمرار أو للمرة الأولى، فالموضوع في الأول والأخير تواصل. ثقافة سياحية وكشفت "رشا القحطاني" أنّها تتبادل هي وصديقاتها صور الأماكن السياحية التي يزورنها، معتبرة هذا التبادل نوع من الثقافة السياحية، فهي خدمات مجانية تقدمها كل واحدة للبقية، مشيرة إلى أنّ ذلك نوع من الاستكشاف للأماكن، ويساعد في تحديد الوجهة القادمة لها، موضحة أنّها لا ترى في هذا الأمر أي نوع من التفاخر، بل ثقافة يجب انتهاجها، حتى وإن كان البعض يراها عكس ذلك. خوف من الحسد وقسّمت "هيفاء القحطاني" المسافرون لقسمين: منهم من يهوى التصوير، وهم ينقسمون أيضا لفئتين: الفئة الأولى وهم من يحبون المباهاة والتفاخر بالأماكن التي زاروها، وكأنهم يقولون "شوفوني أسافر" لأماكن متعددة، خاصة مع الانفتاح على الدول الآسيوية والأوروبية، وأصبحت أسعار التذاكر في متناول الجميع، مع لجوء البعض للاستدانة أو القروض لمجرد الخروج عن المألوف والسفر، والفئة الأخرى وهي التي تتعامل مع الصور للتوثيق وتزويد الأصدقاء المقربين بأفضل الأماكن التي زاروها؛ للمشاركة الودية بدون قصد للمفاخرة، أما القسم الثاني فهم اللذين يخافون من الحسد أو "العين الحارة" من الآخرين، ويكتفون بذكر أنهم سافروا، وتسوقوا، ولكن من دون تحديد الوجهة السياحية، مضيفة: "من يريد أن يرفه عن نفسه ليس بحاجة لإخبار الآخرين عن كل تحركاته؛ لأنّي أرى أنّ الأمر شخصيا ولا حاجة لمشاركة الآخرين هذه المتعة، ولكن لا ضير من توثيق الرحلة بالصور". وأوضح "محمد الضاحي" أنّ شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت تقرب البعيد، فقد يحرم شخص من مشاركة أهله؛ لأنّه ارتبط مع عائلته بالسفر في إجازة العيد، فمشاركة الصور معهم تعيد هذه الحميمية، وكأنّهم لم يبتعدوا، وأيضاً مشاركة مع الأصدقاء، فالبعض منهم يرحب بالفكرة، بل ويطالب أصدقاءه بتزويدهم له بصور رحلاتهم، في حين أنّ البعض يتحفظ على وجهته السياحية، حتى لا أحد يعرف إلى أين سافر. تطور المجتمع وقال "د. أسامة جابر" -أستاذ علم الاجتماع-: من الطبيعي أن تكثر الرحلات للأسر خلال فترة الإجازات، وكذلك فإن بعض العوائل تجهز لهذه الإجازة من وقت مبكر من العام، ولكن لم نعتد على توثيق الرحلات كمجتمع محافظ، إلاّ أنّ هذه الظاهرة بدأت تخرج للسطح مع دخول الإنترنت لكل بيت وتوسع التقنية، وامتلاك الصغير قبل الكبير للأجهزة الذكية، من جوالات وكاميرات رقمية مزودة بالهاتف، وأيضا البرامج التي طغت على التواصل الحي والمباشر، وأصبحت كالخط الساخن، كل ما يخطر على البال يوثق بلحظته وحينه، والصورة كما نعلم تغني عن ألف كلمة، فما نراه اليوم ما هو إلاّ نوع من تطور المجتمع والخروج عن المألوف، ويدعو ذلك إلى التحرر والانفتاح الذي وصل إليه المجتمع". وأضاف: "كل شخص فينا لديه الأنا مرتفعة قليلاً، ولذلك لابد من إشباع غرور الأنا بما يرضيها، فقد يكون هدف رئيس من زيارة مناطق العالم للترفيه، وتغير الأماكن، ولكن لا يخلو الأمر من إظهار الناحية الأخرى، وهي إعلام الآخرين بالقدرة والاستطاعة على السياحة الخارجية، وتغيير المكان باستمرار، وبالمقابل فالمستفيد الأول والأخير هو الشخص نفسه؛ لأنّه استطاع الخروج عن المألوف، من خلال تسجيل بعد آخر في حياته، لأنّه عندما يسترجع سجل الصور لديه يتذكر ما كان بالرحلة من متعة ومشاركة مع الأصدقاء، حتى وإن كان من خلال الصور ومقاطع الفيديو"، مؤكّداً على أنّ لجوء البعض إلى التحفظ عن الوجهة السياحية لهم وراءه دوافع الخوف من الحسد، أو التنظير، أو حتى الغبطة، وهذا الخوف ليس له مبرر؛ لأنّ المجتمع اليوم أصبح أكثر انفتاحاً، ولا يهتم بهذه الأمور بل وأشك أنّها ما زالت موجودة، فليتعامل البعض مع الآخرين بكل أريحية وثقة ولا يخاف من شئ. التصوير في الأماكن العامة يزداد أثناء السفر للخارج