منذ الإعلان عن وفاة الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله، لم يدركني الوقت كي أسعى إلى الحصول على ردود أفعال فلسطينية، حيث سارع العديد من المسؤولين الفلسطينيين للاتصال بي كي يقدموا واجب العزاء عبر صفحات «الرياض»، مما يعبر عن أن غياب هذا الرجل أثر في الفلسطينيين على كافة مستوياتهم كي يبحثوا عن وسيلة يعلنوا فيها حزنهم الشديد لرحيل ملك لم يتوان في تقديم كل ما في وسعه من دعم معنوي وسياسي ومادي لخدمة شعب عانى من ويلات الاحتلال وقسوته. إلا أن اتصال أحدهم بي في ساعة متأخرة من الليل كي يبلغني بأن إسماعيل هنية القيادي البارز في حركة حماس قد خصص موعدا لي ولزميلين آخرين جعلني أشعر بأن وفاة الملك فهد تستحق بالفعل أن يتخلى القيادي الفلسطيني المستهدف والمهدد بالاغتيال عن احتياطاته الأمنية كي يوصل صوته إلى كل مواطن سعودي معزيا ومشيدا بالموقف السعودي الداعم للشعب الفلسطيني وصموده في وجه الاحتلال الصهيوني. هذه المقابلة شكلت لي وقعا خاصا فقد كنت حاولت الوصول إلى هذا القيادي مراراً وتكرارا كي أجري معه مقابلة شخصية ولم أفلح في ذلك بل أن كل ما كنت أستطيع الحصول عليه هو إجابات عبر الفاكس أو الإيميل على أسئلة أرسلها له من خلال وسيط، خاصة مع الاحتياطات الأمنية المشددة التي فرضتها الحركة على قادتها وعناصرها في أعقاب اغتيال كل من الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي. في اليوم الثاني وعندما دخل هنية إلى المكان المخصص لإجراء المقابلة بدا عليه الوجوم والحزن على رحيل خادم الحرمين الشريفين وبدأ حواره معنا قائلاً: «لقد سعيت للالتقاء بكم أنتم مراسلون الصحف السعودية في الأراضي المحتلة كي أوصل صوت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى كل مواطن سعودي ليعرف مدى تقدير واحترام الحركة في الداخل والخارج للملك فهد بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين الذي لم يقصر يوما في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعمه ماديا ومعنويا وسياسيا» وأضاف هنية: «إننا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نتقدم بالتعزية من المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة، ونتقدم بأحر التهاني للملك عبد الله بن عبد العزيز. وفي هذه الفاجعة التي أصابت المملكة وأصابت الأمة بوفاة الملك فهد رحمه الله تقف حركة حماس إلى جانب الشعب السعودي الشقيق، وتؤكد وفاءها للعلاقات الثنائية بين الشعبين الفلسطيني والسعودي. وتابع: «لا شك بأن المملكة في مقدمة الدول الداعمة للشعب الفلسطيني وفي دعم صموده وانتفاضته ومقاومته وذلك على أكثر من صعيد سواء كان على صعيد المؤسسات الخيرية التي تقوم بتخفيف العبء والمعاناة عن الشعب الفلسطيني والمملكة تقدم بشكل دائم ودوري دعمها اللازم في هذه المؤسسات الخيرية، أيضا الوقوف إلى جانب الجامعات الفلسطينية من خلال دعم مشاريع التنمية والإعمار ودعم مراكز البحث العلمي ودعم الطلبة المحتاجين حيث أن اللجنة السعودية الشعبية تقدم سنويا دعما للطلبة الفلسطينيين المحتاجين الأمر الذي ساعدهم على استكمال مسيرتهم التعليمية بفضل الله أولاً ثم بفضل هذه الوقفة الإسلامية العربية المشرفة، أيضا هناك دعم سياسي معنوي للشعب الفلسطيني قادته المملكة في كافة المؤسسات الإقليمية والدولية وجامعة الدول العربية حيث كانت تتبنى دائما الهم الفلسطيني وتدافع عن الحق الفلسطيني في استرداد الوطن المسلوب. وقال هنية: «من الصعب إحصاء كل مجالات الدعم من قبل المملكة لشعبنا وقضيتنا على مر العقود والأزمات، ولكن كلنا ثقة برغم أننا نفقد الملك فهد الذي قدم لنا كل ما بوسعه، بالملك عبد الله بن عبد العزيز، أنه سيمضي على ذات النهج ولن يتوانى في تقديم الدعم اللازم سياسيا ومعنويا وماديا للشعب الفلسطيني ونحن واثقون أن جلالة الملك عبد الله له أياد بيضاء على شعبنا وصمودنا ومؤسساتنا سائلين المولى عز وجل أن يوفقه». وأضاف هنية: نحن على قناعة بأن هذه الأمة أمة ولود وأن الشعب السعودي أيضا شعب ولود، ودوما سيخرج من رحم المملكة رجال كبار عظام يواصلون نهج المملكة في دعم الإسلام والمسلمين وفي دعم القضية الفلسطينية. وفيما يتعلق بالاتهامات الإسرائيلية الموجهة إلى المملكة العربية السعودية أن دعمها للمقاومة الفلسطينية يشكل دعما للإرهاب قال هنية: «العدو الإسرائيلي يسعى دائماً إلى عزل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي والإسلامي، ولذلك يحرض بشكل دائم على أي دولة عربية وإسلامية تقف إلى جانب شعبنا وصموده، نحن لا نهتم كثيرا باتهامات الاحتلال وفي اعتقادي أن الدولة السعودية أيضا لا تعير اهتماما بالغاً لهذه الاتهامات لأنها باطلة، والأهم من ذلك أن الإرهاب الحقيقي هو الاحتلال الذي يحتل الأرض ويقتل ويدمر ويجتز هذا الشعب من جذوره، فما تقوم به المملكة العربية السعودية هو واجب إنساني عربي إسلامي لدعم الحق الفلسطيني في مواجهة الإرهاب الحقيقي (الاحتلال الصهيوني).» وعن الضغط الأمريكي الساعي إلى الحد من الدعم السعودي للشعب الفلسطيني قال هنية: «لا أحد ينكر بأن هناك ضغوطا أمريكية هائلة على المملكة العربية السعودية من أجل تحجيم دورها العربي والإسلامي وإبعادها عن بؤر الاهتمام وخاصة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وبالمناسبة فالمملكة لا تقدم دعمها للفصائل الفلسطينية بل تقدم الدعم للشعب والسلطة الفلسطينية والمؤسسات الخيرية والإسلامية وهي مؤسسات شرعية ومرخصة ومعترف بها وموجودة في فلسطين كما هي موجودة في كل العالم، ولكن حتى هذا الدور أمريكا لا تريده فهي لا تريد لأحد أن يخفف معاناة الشعب الفلسطيني ويدعم صموده في مواجهة الاحتلال الصهيوني، إلا أنه وبالرغم من الضغوط الهائلة التي تتعرض لها المملكة بقيت المملكة السعودية معطاءة حكومة وشعبا، شعبها خير وكريم لا يقبل أن يحصر همه في الساحة السعودية لأنه جزء من هذه الأمة وجزء من عمقها الاستراتيجي تحديدا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني«. وحول الربط بين الحركات الإرهابية في المملكة العربية السعودية وحركة (حماس) شدد هنية قائلاً: «ان حركة حماس حصرت صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي وداخل حدود أرض فلسطين، وهي لا تنقل هذا الصراع إلى أي ساحة من ساحات هذا العالم سواء كانت الدول العربية أو الإسلامية، ثم ان حماس حريصة على أن تنعم الدول العربية بالأمن والاستقرار الداخلي لأن ذلك من شأنه أن يوفر مزيدا من الدعم لشعبنا وقضيته، وألا تنحرف هذه الشعوب في معركتها عن المعركة الرئيسية مع الاحتلال الإسرائيلي من اجل تحرير الأرض والقدس واستعادة المسجد الأقصى واستعادة كامل الحقوق الفلسطينية، مؤكدا على أن حماس كانت تعبر عن ألمها الشديد لما تتعرض له المملكة وتناشد هذه الجماعات بتحكيم العقل وباللجوء إلى لغة الحوار والابتعاد عن العنف الدموي لأن ذلك من شأنه أن يربك الساحة العربية والإسلامية بشكل عام مما ينعكس سلبا على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. وأشار هنية إلى أن حركة حماس حريصة على العلاقات الوثيقة بينها وبين شعوب هذه الأمة خاصة المملكة العربية السعودية لأنها العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، مؤكدا على أن الصراع الحاصل الآن في الأراضي المحتلة ليس صراعا فلسطينيا إسرائيليا فقط بل هو أيضا صراع حضاري يستهدف الأمة. واستذكر هنية زيارة الشيخ احمد ياسين إلى المملكة قائلاً: «لا شك أن زيارة الشيخ الشهيد أحمد ياسين إلى المملكة حظيت بالتقدير والاحترام من الملك وولي عهده وكافة المسؤولين السعوديين، فقد كان الشيخ مثمنا للموقف السعودي الرسمي والشعبي في دعم القضية الفلسطينية ومؤازرة صمودها في وجه الاحتلال الصهيوني، مؤكدا على العلاقة الطيبة بين حركة حماس والمملكة العربية السعودية شعبا وحكومة. وعن المبادرة العربية التي طرحها الملك عبد الله بن عبد العزيز في القمة العربية في بيروت (2002)، وموقف حماس منها حيث انها من الممكن أن تحدد النهج السياسي المقبل للمملكة قال هنية: «الواقع يقول أن المشكلة ليست في المبادرات العربية ولا في مبادرة الملك عبد الله، فالمشكلة تكمن في الاحتلال وممارساته وعنجهيته، حتى أننا كلنا نتذكر الحرب التي شنها شارون ضد الفلسطينيين عقب إقرار المبادرة في قمة بيروت من خلال الهجمة الأشد شراسة (حملة السور الواقي) والتي ما زالت الضفة الغربية ترزح تحت الاحتلال بموجبها، ولذلك نحن لا نرى أن المشكلة عربية أو فلسطينية أو تكمن في المبادرات بل هي مشكلة احتلال تسيطر عليه العقلية التوسعية ويرفض الانصياع للحق والتعاطي مع كل نداءات العقل التي تصدر من هنا أو هناك». وحول ما إذا كانت حماس راضية عن الدور السعودي تجاه القدسالمحتلة، وما هو المطلوب سعوديا لتفعيل الدور العربي في مساندة قضية القدس قال هنية: «إن الرباط بين قضية القدس ومكة رباط قرآني لا ينفصل وقد قال الله سبحان وتعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، ومن هذا المنطلق الموقف السعودي تجاه القدس موقف شرعي وإسلامي محاط بهذا الإرث القرآني من خلال معجزة الإسراء التي أنعم بها الله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والسعودية في هذا الصدد تحرص على حماية القدس والحفاظ على هويتها العربية والإسلامية وحماية المسجد الأقصى المبارك». ونوه هنية إلى أن القدس اليوم في خطر فعمليات التهويد والحفر مستمرة ومحاولات العزل للقدس عن محيطها الفلسطيني والعربي والإسلامي دائمة، وهذا يستوجب من كل الدول العربية والإسلامية تعزيزا أكثر في مواقفها فيما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى المبارك، وأضاف: «نحن في حماس نتمنى من المملكة العربية السعودية والملك عبد الله بن عبد العزيز أن تقود هذه الدول نحو حماية القدس والمسجد الأقصى من المخاطر الكبيرة والتحديات الخطيرة المحدقة به». وبالنسبة للدور السعودي في دعم حوارات الفصائل أكد هنية على أن المملكة كانت دائما ولا زالت حريصة على وحدة الشعب الفلسطيني وحريصة على تعزيز لغة الحوار والابتعاد عن ما من شأنه أن يؤدي إلى صراعات فلسطينية - فلسطينية، منوها إلى أن المملكة كان لها لقاءات عدة مع قياديين في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أكدت فيها على ثوابتها في هذا الموضوع فهي تحترم حماس ومصداقيتها ونضالها وهي على يقين بأن حركة حماس حريصة على وحدة شعبنا وتجنيبه ويلات الصراع وحماية الدم الفلسطيني. وشدد هنية على أن المملكة كان لها دوما نفس طيب في دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية ودعم كل المساعي الخيرة التي تعزز التواصل والتعاون والحوار الفلسطيني - الفلسطيني داخل الساحة الفلسطينية وتبعد شبح الاقتتال الداخلي. وعن توقعات حماس للدعم السعودي خلال الفترة المقبلة أي في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي المتوقع من قطاع غزة قال هنية : «إن الاندحار الصهيوني من قطاع غزة انجاز للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في وجه الاحتلال، ويشكل انعطافة تاريخية في حلقة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وهو انهزام استراتيجي للمشروع الإسرائيلي، ونحن نتوقع أن موقف المملكة لن يتغير عن قبل فمثلما وقفت المملكة إلى جانب الشعب الفلسطيني في محنته أتوقع أن تقف إلى جانبه وهو ينفض غبار هذه المحنة عنه، فنحن لا زلنا في محطة تجمع بين خطين، خط استكمال مشروع التحرر من الاحتلال وخط إعادة بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي في المناطق التي نحررها بالمقاومة والصمود. وتابع يقول: «أنا كلي ثقة بأن المملكة لن تتخلى عن الشعب الفلسطيني بعد التحرير وأنها ستعرف كيف توصل دعمها إلى كل مواطن فلسطيني، ولن تسلمه إلى أي جهة تتصرف فيه بعيدا عن احتياجات الشعب الفلسطيني لأن الشعب هو الذي زرع الانتفاضة وحصد التحرير، ولذلك نرى بأن أي دعم لابد أن يصل كاملاً إلى شعبنا على اختلاف شرائحه». وفيما يخص التصريحات الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) حول مسألة تجنيس اللاجئين في الدول العربية وتعاطي المملكة العربية السعودية مع هذه القضية قال هنية: «المملكة دائما مع عودة اللاجئين إلى أراضيهم وضد التوطين وهي بالتأكيد لن تسمح بذلك فهي تساهم من موقعها في حماية هذا الحق للاجئين الفلسطينيين، معتبراً أن السياق لهذا الموقف سياق خطر لأنه يأتي في ظل الحديث عن التوطين وعدم أحقية عودة اللاجئين إلى أراضيهم التي هجروا عنها في العام 1948م، وحينما يجري التحدث عن مسألة التجنيس كأننا نمهد للتوطين، وأضاف: «نحن أننا ندرك أن تعقيدات العلاقات والعيش الفلسطيني في الشتات قد تعطي لحالات معينة مبررات التجنيس، ولكن أن نتحدث عن غطاء ورؤية سياسية وتجنيس عام للفلسطينيين في الشتات هذا أمر خطر جدا نعتبره بداية للتوطين وإعفاء للاحتلال الإسرائيلي من الالتزام باستحقاق عودة اللاجئين إلى أراضيهم وديارهم التي هجروا منها».