ما إن تخرج للشارع تجدهم بانتظارك أمام منزلك، ويصطف العديد منهم بجانب إشارات مرور؛ فهم يرمقونك بنظراتهم وحين لا يجدون الأعين مصوبة عليهم لا يتوانون عن قرع زجاج السيارة لتأكيد تواجدهم، وتبقى أفضل المواقع لديهم التمركز أمام أبواب المطاعم؛ لثقتهم في حصولهم على مغانم بالضغط النفسي عليك؛ نتيجة الإيحاء لك بأنّهم لايجدون ثمن المأكل وأنت تحمل أصناف الأطمعة أو فرغت من تناول طعامك، وتجدهم كذلك بجوار كل مكائن الصرف للغنيمة بجزء مما جادت به المكائن، ولابد من التعرف على خفايا عالم التسول حتى نتجاوز المشهد المألوف، الذي يكشف عن تحولات كبيرة وخطيرة، جعلت منها مصدر رزق لأطراف عديدة بعيدة عن الأعين، منهم مواطنون -للأسف- وغالبيتهم من مخالفي نظام الإقامة، وتتنوع مهام عصابات التسول بين توفير المسكن، والتنقل، والتوزيع على نقاط التسول، والمراقبة، والحماية، والتدخل، ومواجهة الأمن متى ما استدعى الأمر ذلك. متسول يمتهن المتاجرة بالإعاقة تتداعى كثيرٌ من الأسئلة حول ظاهرة التسول المستشرية في مدننا، وبعد قطفهم ثمار موسم رمضان، الذي عادة ما يكون شهر البر والإنفاق يحق لنا أن نتساءل: أين تذهب تلك الأموال؟، وماذا بعد جرد الحسابات وإغلاق الموسم وإعداد ميزانية ختامية؟، هل ننتظر مزيداً من المتسولين المحترفين؟، أم هل ننتظر أن تتكشف لنا الفواجع نتيجة التراخي في التصدي لتلك الظاهرة؟، ومن المؤكّد أنّه وعلى الرغم من الأرقام الكبيرة التي تعلنها الجهات الأمنية لعدد الذين تم ضبطهم وإحالتهم لأقسام الترحيل، إلاّ أنّ الأعداد الكبيرة لقوافل المتسولين تشي بعدم فاعلية تلك الحملات، فلم تظهر نتائج ملموسة على أرض الواقع، وكأنّ لم يغادر منهم أحداً. متسول استغل شفقة المواطنين بحثاً عن الكسب السريع مافيا محترفة! وقال "د. محمد آل سعد" -أستاذ الإدارة- إننا حين نتعاطف معهم بدواعي الشفقة؛ فإننا نشجع تنامي تلك الظاهرة، في حين يمكن أن يكون هؤلاء يعملون لتنظيمات محترفة تشغلّهم من أجل تحقيق مكاسب مادية، مشيراً إلى أن الوجه السلبي لتلك الظاهرة لن يتوقف عند وجود المتسولين عند الإشارات المرورية أو على بوابات الأسواق والجوامع، وليس آخرها الدخول إلى بعض المصالح الحكومية من دون خوف من رقيب ولا حسيب، موضحاً أنّ الأموال قد تذهب إلى أماكن وأشخاص مشبوهين!، كما قد يكون مشغلي هؤلاء المتسولين من المجرمين، مشدداً على أنّ المواطن لا يُعفى من مسؤولية تفشي الظاهرة، ومن خلفه طابور طويل من الجهات المعنية، فهناك مسؤولية كبيرة لسد حاجة المتسولين المواطنين رغم قلتهم. تسول علني و«الرقيب في سابع نومه» وأضاف: "لا بد من تخليص البلد من ظاهرة التسول، وتطهيره من المتسولين الأجانب"، مشدداً على أهمية عدم التعاطف معهم بأي شكل من الأشكال، مبدياً قلقه من المخاطر الأمنية التي قد تنجم عن تواجد مخالفي الأنظمة، حيث قد تدفعهم الحاجة للمال إلى ارتكاب الجرائم، أو السرقة، أو القتل في حال منعهم من التسول أو مقاومتهم، مطالباً بزيادة حملات التوعية لرفع الحس الوطني، من أجل أن تخلو البلاد من المتسولين؛ فانتشار هؤلاء عند كل إشارة ومسجد، مظهر لا يليق، ويجعلنا محل استهزاء وسخرية كل زائر. تظليل السيارة لم يمنعه النظر بحثاً عن المال تأجير المنازل وبيّن "عوض المالكي" -عمدة حي بني مالك بجدة- أنّ الحي الذي يسكنه يتواجد فيه المتسولون بكثرة، وغالبيتهم من جنسيات أفريقية، مطالباً الجهات المعنية بمكافحة تلك الظاهرة، والتصدي بحزم للمتسولين، الذين يتزايدون يوماً بعد آخر، إضافة إلى تكاثرهم داخل المملكة، واستخدام الأطفال حديثي الولادة في استدرار العطف والشفقة للحصول على الأموال، كاشفاً عن تعرض سيارته للسرقة مرتين، وفقده وثائق ومستندات مهمة، وتلقيه تهديدات نتيجة الحملات التي تنفذها بعض الجهات الأمنية للقبض على المتسولين، وإدراكهم دوره في الإبلاغ عنهم، منوهاً بتقديمه ورقة عمل للغرفة التجارية بجدة، حدد فيها الخطوات التي يفترض أن تتبع في ضبط عمليات التأجير داخل الأحياء، وتوفير قاعدة بيانات لسكان الحي؛ للحد من تأجير مخالفي نظام الإقامة المتسولين، وطرح فكرة منع غير السعوديين من العمل في المكاتب العقارية وإيجاد مرجعية لها، بحيث ترخص وفق ضوابط تمنع التجاوزات التي تصدر منها، لافتاً إلى توكيل ملاك المنازل الشعبية مقيمين لتأجير منازلهم، والمقيم يبحث عن الربح من دون اعتبار للنواحي الأمنية. عوض المالكي وشدد "عبدالإله الزهراني" على ضرورة تفعيل دور العمدة، ومحاسبة الملاك الذين يؤجرون دورهم لمخالفي نظام الإقامة، مطالباً بتجفيف المنابع، من خلال رصد مساكنهم ومداهمتها وتحويلهم للجهات الأمنية وإبعادهم من المملكة، متسائلاً عن صحة ما يشاع عن وجود عصابات منظمة للتسول، محذراً من الأضرار الاقتصادية لذلك، لافتاً إلى أنّ التسول بات أشبه بمهنة يقصدها بعض الأشخاص. خالد عبدالمجيد حملة التصحيح ولفت "خالد عبدالمجيد" إلى المضايقات التي تحصل للمصلين ومرتادي الأسواق من المتسولين، مشيراً إلى أنّهم يتمركزون في مواقع معينة، ويلاحظ تكرار تواجدهم في تلك المواقع بالأشهر، وفي ذلك تأكيد على شعورهم بالآمان!، محذراً من وجود أطفال وفتيات يخشى من استغلالهم في ممارسات غير أخلاقية ممن يعملون في توصيلهم وتسكينهم، معتبراً ذلك نوع من الاتجار بالبشر وانتهاك صارخ للطفولة، متأملاً في تغير الوضع بعد انتهاء مهلة تصحيح الأوضاع، التي سيعقبها حملات مكثفة لترحيل كل من يخالف نظام الإقامة. سعد الشهراني لجنة المكافحة وحمّل "محمد عبدالله" الجزء الأكبر من المسؤولية لإدارة مكافحة التسول،؛ لأنّها الإدارة الرسمية أمام الدولة والمجتمع المعنية بمكافحة التسول، معتبراً أنّهم يتنصلون من دورهم، بادعاء اقتصارهم على متابعة المتسولين السعوديين، لافتاً إلى أنّ اللجنة المشكلة من عدة جهات أمنية يرأسها مدير مكافحة التسول ودور الجهات الأخرى أمني أو مساند، كاشفاً أنّ هناك قرارات صدرت من المحافظة لتفعيل دور اللجنة، من خلال عمل جهاز المكافحة بالرصد والمتابعة والقبض عليهم عن طريق الجهات الأمنية، ولكن لم يفعّل منها شيء منذ خمس سنوات، منوهاً بتأمين إمارة منطقة مكةالمكرمة باصات بسائقين، مخصصة لحملات للقبض على المتسولين، ومع ذلك بقيت القرارات حبيسة الأدراج!. وأشار إلى أنّه تم نقل المتسولين إلى مكة والمدينة بطرق غير نظامية، مؤكّداً على أنّ مخاطرة تلك الأطراف، سواءً كانوا سعوديين أو مقيمين بتقديم المساعدة للمتسولين تكشف عن حجم المكاسب الكبيرة التي يجنونها من ورائهم، موضحاً أنّ غالبية المتسولين دخلوا عن طريق تأشيرات العمرة، ووجدوا من يلتقطهم ويقدم لهم المأوى والتنقلات، وقد يكون ذلك ممن تجردوا من حسهم الوطني وانساقوا للكسب غير المشروع. عبدالإله الزهراني بحث اجتماعي وقال "سعد الشهراني" -مدير مكتب مكافحة التسول بجدة-: "دور المكتب ينحصر في مكافحة تسول السعوديين، فيما تشارك المكافحة جهات أخرى كالشرطة والجوازات، وكافة القطاعات الأمنية، ومن يقبض عليه متسولاً يتم تقصي ودراسة وضعه بإجراء بحث اجتماعي له من اخصائيين اجتماعيين للذكور وأخصائيات اجتماعيات؛ للوقوف على الأسباب التي دفعته للتسول، وتقديم المساعدة الملائمة لوضعه، إما بإحالته إلى للضمان الاجتماعي، والجمعيات الخيرية، أو دور الرعاية الاجتماعية، وفي حال كان قادراً على العمل فيتم مخاطبة مكتب العمل لتأمين وظيفة مناسبة له، وفيما يختص بالمتسولين غير السعوديين فيسلمون للجهات الأمنية. د. محمد آل سعد