في ليلة شتوية باردة ومطيرة وتحديداً ليلة 19/11/1393ه الموافق 13/12/1973م أطلقت صرختها الأولى للحياة.. ولدت وسط فرحة متناقضة بين أسرتها.. بعيد مخاض عسير في أحد المباني القديمة في حي الملز بمدينة الرياض.. حيث رافق تلك الأجواء انقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي.. مما أضفى صعوبة أخرى في رحلة مخاضها إلى الحياة. وقد قيل إنها ولدت سباعية قبل أوانها.. وإن أحد أصابع يديها مبتورة ولذا فهي تعزف بيد واحدة.. وإن رقصت فلا هي بذات باليه.. ولا خبيتي.. ناهيك أن الشماليين لا يلقون لها بالاً فليس لها من دحتهم المهيبة نصيب.. ولا من هو هوتهم ميراث بسبب علة كامنة في الحلق خلفها ربو مزمن وكذلك الأمر مع الينبعاوية والدواسر ورقصة السيف والمعشى وقد اختلف في تسميتها.. فمنهم من حاول تدليعها باسم (فن) ومنهم من احتشم قليلاً وأصر على تسميتها (ثقافة).. وآخرون قالوا شدي من منطلق نسبة وتناسب من آل الشدي محمد وعلي الذين كان لهم يد طولى في إنشائها.. لكن جدتها وقابلتها (جُمعة) كان لها رأيها الصارم والأخير فسمتها جمعية حتى لا تختلف الآراء في تسميتها فاستغلها المختلفون.. وقالوا إذاً هي جمعية الثقافة والفنون.. تحقيقاً لمبدأ التوفق لا أكثر.. قبل أشهر أكملت المحروسة (جمعية) عامها الأربعين.. وبلغت أَشُدَها.. مع قسوة ما تعانيه فأسرتها تركتها في مهب الريح تعمل تارة تحت الأضواء وأخرى بعيداً عنها.. وتعامل معها الناس بالشفقة والعطف أكثر من النجاح والقناعة.. فاصبحت تواجه الخجل والحرج بالإصرار وتفتح كفها السليمة لمن يتصدق عليها أكثر ولا تستطيع فتح الأخرى لإثارة المشاعر.. أو التهكم خطبها كثير من الروّاد.. بعضهم سرعان ما انسحب لكثرة ما يثار عنها من أقاويل.. والبعض أصر أن يكون معجباً لوفائها وإصرارها في العيش بالرغم من ظروفها الصحية والإعاقية.. لم تقف الهموم والمكدرات (لجمعية) عند هذا الحد بل و بدلاً من أن تفرح بشقيقها الجديد (نادي) وقد أطلقوا عليه كنية الأدبي الذي ولد بعدها بسنيتين وتحديداً في العام 1395ه ليكون لها عوناً وسنداً وإذا به يذيقها أصناف التعنت والهجران وليحظى برعاية خاصة من أسرته التي أغدقت عليه الكثير كونه ذكراً وأخته أنثى معوقة ليستمرا في الهجر والبعد والنظر إلى شقيقته وكأنها قد تحولت في مهنتها إلى متسولة لا أكثر. وبينما المصلحون وأهل الاختصاص ينادون منذ زمن بنقل أهلية رعاية جمعية – وأدبي من جهة أشغلتها الرياضة ومسمى الشباب وبذلت ما يمكن في سبيل تربيتهما ودعمهما حتى كبرا مع تطبيق مبدأ للذكر مثل حظ الأنثيين مضاعفاً مما أخل بمفهوم العداله بين الأخ وشقيقته الأكبر فقد رضيت العمة مربية الثقافة والإعلام في احتضان ثقافة وأدبي مع جملة من أولادها الأكثر عصاوة ونفوذا بالنظر والسمع والقلم والماوس وهكذا كان لجمعية أن تعيش بين أفواه وأرانب وتقتات معهم بما يفيض.. وإذا لزم الأمر عادت حليمة لعادتها في طلب المساعدة والتسول بينما بقى "أدبي" على حالة الانتفاخ المادي وأكثر وأصبح أبناؤه بالنسب والتبني يتصارعون على اقتسام كعكته الدسمة بينهم.. وكل بحسب نفوذه وسطوته.. بالطبع. (أنفخ ياشُبرم..) هذه تورية أقل إجحافاً من وجهة نظري بواقع جمعيات الثقافة والفنون سؤال يفتح النار على نفسه.. هل يعقل أن هذا وضعها بعد مرور 40 عاماً على إنشائها ؟ بل السؤال يقول ماهي مخرجاتها وآثارها في تنمية الحس الفني والثقافي في المجتمع السعودي ؟ اين هي الجمعية من المسرح والسينما المحلية ؟ بل أين هي من دعم الحرف اليدوية البسيطة ودعم الفنون الشعبية أعلم يقينا وضع وإمكانية هذه الجمعيات وإن قلت لهم انفخ ياشبرم.. قال مامن برطم.. ؟! ولكن ليست المادة هي المعوق إذا وجد الفكر و الإبداع وانفكت الجمعيات من أسس تنظيمية أكثر بيرقراطية وقيوداً.. ولكن جهود مسؤولي الفروع المحدودة تئدها سلبيات وبرود الإدارة المركزية ثم السؤال الأهم أيهما أكثر فعالية أدوار الأندية الأدبية التي أصبحت تطبع الغث والسمية. وتقيم مناسبات ثقافية للعشاء والعلاقات العامة وفي نهاية الأمر يختلف أعضاء المجلس على وضع الميزانية وطريقة صرفها أو تصريفها. أو الدور الذي ستلعبه الجمعيات في كشف المواهب الفنية والإبداعية ودعم برامج الحرفيين والأسر المنتجة وتطوير أداء وأزياء الفرق الشعبية والحفاظ على الموروث الشعبي ودعمه وتشجيعه، وإذا كان الكثير دائمي التعب على عدم جدية دعم رعاية الشباب للثقافة والفنون.. فما الذي يعيق دعم الثقافة والإعلام لها كما تفعل مع الأندية الأدبية وغيرها. ولماذا تقوم الإمارات في المناطق والأمانات ومجالس التنمية السياحية بتبني ودعم البرامج والفعاليات الخاصة بالثقافة والفنون يا وزارة الثقافة لم يطالبك أحد بدعم الطرب والموسيقى والفن التشكيلي فحسب فلربما تستطيع هذه الفنون دعم وتكوين ذاتها.. إنما أين أنتم من الحفاظ على أهم الرواد في الموروث الشعبي بشكل عام. ولماذا نحمل مهرجان الجنادرية بإشراف الحرس الوطني مشكوراً هموم ودعم هذا الموروث لوحده وماهو دور الوزارة في تأسيس مركز معلومات خاص بهذا المورث وتقديم أوجه الدعم الفني والمادي اللازم للحفاظ عليه. وهل تم الاكتفاء بما يقدم في مهرجان الجنادرية أو المهرجانات السياحية للإبقاء عليه أطول فترة زمنية ممكنة. إذا كانت الجهات المعنية بدعم الموروث السعودي الشعبي الهائل في وطن تتناغم فيه أشكال وألوان فريدة من هذا الموروث بمختلف فنونه وألوانه وأطيافه عاجزة عن فعل شيء للمحافظة عليه ودعمه واستمراره. فمن الأولي لإدارة المهرجان الوطني للتراث والثقافة بحكم تميزه وإبداعه وإخلاصه في هذا الجانب التدخل وجعله تحت مظلته طيلة العام وإن تكون هناك قرى تراثية ثابتة في جميع المناطق مهمتها عرض هذا التراث والحفاظ عليه من الاندثار وجعل له مركزاً أو حتى كرسياً جامعياً باسم كرسي التراث السعودي.. بالتعاون مع هيئة الآثار والسياحة لدعم برامج البحث العلمي في التراث المحلي وعقد الدورات التدريبية والتثقيفية بجمال وروعة هذا التراث ودعم برامج الحرفيين وتشجيع الشباب في الحفاظ على هوية أبائهم وأجدادهم من الاندثار وإضافته كمادة ضمن المواد التعليمية فأمة تتجاهل تاريخها.. لا مستقبل لها؟ وجيل ينتظر مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة مرة في العام سيعاني الانفصام الفكري الأصيل بين مايراه وبين ما يسمعه عن دور ومهام جمعيات الثقافة وإمكانياتها الفعلية. فهل من مجيب..؟!!