معظم الناس لا يملكون الوقت ولا الرغبة في الحكم على الآخرين بطريقة عادلة.. معظم الناس يقررون هوية الغريب - وقد يصدرون حكماً بفسقه أو صلاحه - من أول نظرة.. والأسوأ من هذا أنه يمكنك فعل (مليون عمل صالح) في حياتك ثم تخطىء مرة واحدة فقط فيحكم عليك الآخرون بطريقة سلبية لبقية عمرك - ويظل هذا الانطباع موجوداً وحاضراً حتى لو أوحت مواقفك التالية بشيء إيجابي أو مغاير.. أما الأسوأ من كل شيء فهو أننا - لا نملك فقط آراء متسرعة ومسطحة فيما يتعلق بالآخرين - بل يمكن أن تتحول خلافاتنا إلى حروب طاحنة وأسلحة قاتلة حين يبلغ الحقد أقصاه.. حتى اختلافاتنا الخارجية (في الشكل والهيئة واللغة ولون البشرة) يمكن أن تتحول إلى حجة للقتل والاعتداء على الآخر.. هل تعرف مثلاً كيف كان الجيش الصربي يميز بين المسلمين وغير المسلمين أثناء الحرب الأهلية!؟ كان يطلب من الشباب الكشف عن عوراتهم فيأخذ المختونين منهم ويترك البقية. وهكذا أصبح الختان وحده كافياً لإعدام الذكور بحجة مناهضة السلطة.. ولا يمكن القول إن الصرب سباقون في هذا المجال؛ فهذه الطريقة اعتمدت في الهند (في الاضطرابات التي تلت الاستقلال) وفي غينيا والفيليبين وفي كل احتكاك بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا .. وهي مجرد نموذج لصراعات كثيرة استعملت فيها فروقات بسيطة - بل وتافهة - كحجة للاضطهاد أو القتل. ففي ألمانيا النازية مثلا كانت السلطات الألمانية تتعرف على اليهود من خلال أنوفهم المعقوفه وشعرهم الأسود (كما هي الصورة النمطية لهم).. وفي جنوب أفريقيا - زمن التمييز العنصري - كانت مراكز الشرطة توظف "شمامين" يميزون بين البيض والملونين من خلال روائحهم. وأثناء الحرب الأهلية في لبنان - حين لجأت الميليشيات المتناحرة لاختطاف الأجانب - كان يتم اختطاف كل صاحب شعر أشقر وعينين زرقاوين.. ولأن كثيراً من اللبنانيين يملكون هذه السحنة كانوا يتأكدون من هوية الضحية بإلقاء التحية قائلين (مرحبا) فإن رد وقال (مرهبا) فهو أمريكي وإن قال (مرخبا) فهو إسرائيلي - وفي الحالتين يتم اختطافه!!! .. أيضا حين اندلعت اضطرابات عام 1949 في بنجلاديش - وطالب حزب عوامي بالانفصال عن الباكستان - كان البنجلاديشيون يضربون كل رجل وسيم أطول منهم بحجه أنه باكستاني.. وحين تأزمت العلاقات بين مصر وليبيا - زمن السادات - شاهدت في سن الطفولة رعاعاً يطاردون شاباً أكرت الشعر بحجة أنه ليبي. وحين سيطر الخمير الحمر على كمبوديا كان يتم إعدام كل رجل يلبس نظارة - أو يحمل جريدة - بحجة أنه مثقف رأسمالي.. وفي أكثر من مناسبة توافق إسرائيل على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين (باستثناء من يمتلكون لحى) بحجة انتمائهم لمنظمة حماس!! .. كل هذا يثبت أننا لا نحكم على الآخرين بطريقة متسرعة فقط، بل وأيضا من خلال مظاهر سطحية غير دقيقة أو فعالة.. ما أتمناه منك هو الارتقاء فوق هذين الطبعين المتأصلين في البشر وأن تتذكر أن (حتى خالق البشر) لا ينظر إلى صورهم وأموالهم - ولكن ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم - فمن أنت حتى تأتي لتحكم عليهم بلحظات !!؟